آفة الحديث الكذب .. وآفة العلم النسيان , مقولة ملأى بالحكمة والتصويب لمواطن الخلل في السلوك الذاتي للانسان , متحضرة ومتخلفة , بليدة وعبقرية … وفي مجتمعات ما يطلق عليه اصطلاحا بالعالم الثالث , او العالم النامي , او في احيان اخرى نقول عنه استدلالا بالعالم النائم , ومنها مجتمعنا العراقي المبتلى بشتى الامراض وشتى المحن والنوائب مثال حي على شيوع حالتي الكذب والنسيان , وما يلتحق بهما من مصائب ومشكلات يصعب حصرها وتبويبها …
واذا ما بدأنا برجل الدين , الذي نعده قدوة حسنة ومثلا اعلى , بسبب ما يمتلك من العلم والخلق وحلاوة وطلاوة اللسان وما يختزن في عقله وضميره من قيم نبيلة هي قيم السماء وطهارة الائمة والانبياء والاولياء والصلحاء .. فاننا لو اقتربنا من هذا الرجل المتسامي , فازحنا الهالة التي رسمناها حوله , وراقبنا ما خفي من امره , لولينا من بعض هؤلاء فرارا , الذين شوهوا المبادىء الراقية التي حملها الينا نبي الرحمة , فاثاروا الارهاب والرهاب بحجة الدين والحفاظ عليه , وحزموا امرهم صوب الاحتراب الطائفي بين ابناء الدين الواحد والأله الواحد والقرآن الواحد , وجعلوا من الدين وسيلة للارتزاق بعيدا عن الدين الحق والبناء العقائدي الصحيح , حتى ان بعضهم استغل صفته الدينية ليفسح المجال امام اقاربه لكسب اموال سحت حرام عن طريق وفود السياحة الدينية او المؤسسات المجتمعية …
وحين نتحول الى السياسي , وهو رمز آخر كبير ينظر اليه عامة الناس بانه قائد وموجه , هو ايضا , لعبت المصالح ببعض من الساسة فاخذته ذات اليمين وذات الشمال , وصار اداة طيعة لاجندات خارجية ولمتطلبات الكراسي الوثيرة وامتيازاتها , فتنادى بعضهم الى ضرب بعضهم الآخر , بالحق وبالباطل , وراحوا يبحثون في مزابل التاريخ عن سلوكيات الدكتاتوريين والشوفينيين والاخذ منهم ما استطاعوا لغرض ابقاء المجتمع على تخلفه , ويقطع الطريق امام كل مسعى شريف باتجاه الصيرورة الحضارية والنمو على جميع الصعد , لتسهل بالنتيجة عملية استلاب حق المواطنة , وتصادر الحريات إلى إشعار آخر بإشاعة المفاسد الإدارية والمالية بغياب الرقابة الحقيقية والمخلصة وانعدام العقوبة التي هي مدعاة إلى إساءة الأدب كما يقال …
وان من تهمه قراءة الشعارات الرنانة والطنانة التي تطلقها تارة أمانة بغداد في قولها : ( نحن هنا لأجل خدمتك , فتعاون معنا ) وشعار الشرطة القائل : ( الشرطة في خدمة الشعب ) . والشعار الكبير الذي يحتل واجهات الكتل الكونكريتية المرافقة لنقاط السيطرات العسكرية والمعبر عن الحالة الحضارية : ( احترم … تحترم ) .. جميعها شعارات تحتاج إلى من يعمل بها , لكي نقول بان أمانة بغداد وفرقها الخدمية يؤدون عملهم بسرعة ودقة عاليين , ونقول ان الشرطة تخدم الشعب من دون ان نرى الشرطي يتقبل الرشا فينحاز الى جانب الباطل وينسى القانون أو يتناساه ويبتز المواطن البسيط في مركز الشرطة او يحارب سائقي السيارات في أرزاقهم . والسيطرات العسكرية نحتاج منها ان تغلب المزاجية عند بعضهم ونشوة السلطة التي وضعت بين يديه فيسيء استعمالها لإذلال مستعملي الطريق العام والخروج عليهم بتقاطيع وجه حادة وكلام لا ينم عن احترام , وكأنه يصادف عدوا في الطريق وليس ابن جلدته ومن دمه ولحمه …
علينا جميعا , وفي اي مرفق حياتي أن نعيد النظر في تصرفاتنا اليومية , وان يتطابق قولنا مع فعلنا ما استطعنا إليه سبيلا وان الصدق هو مفتاح كل شيء حسن والكذب هو مفتاح كل رذيلة .. وان من ينادي بالحقوق ويطلق الوعود للوصول اليها يتوجب عليه أن لا يخل بالتزامه , ومن يقول عن نفسه بأنه ممثل عن الشعب ومن الشعب في قبة البرلمان والحكومة عليه ان يكون صادقا مع نفسه ومع الآخرين .. وان لا يضع وعوده على قالب الثلج الذي يغرينا ببرودته في صيفنا القائظ , ثم لا يلبث بعد وقت قصير أن يختفي هو وما كتب عليه إدراج المجاري ..!!
ماجد عبد الرحيم الجامعي
وعود.. على قالب من جليد؟!
التعليقات مغلقة