أحلام يوسف
يذكر الرسام والنحات الاسباني بابلو بيكاسو ان امه قالت له ذات يوم ان صرت جنديا وسوف تصبح جنرالا له صيت وعزوة في يوم من الأيام، وان صرت راهبا فستكون لك حظوة لأنك يمكن ان تصبح بابا الفاتيكان يوما ما، لكنه حسب قوله، اختار بدلا من كل ذلك ان يكون فنانا وأصبح رساما.
اختار بيكاسو الفن لان الجنرالات والرهبان مناصب لا تحتاج الى حس فني وترافة بالتعامل مع المحيط كما هو الحال مع الفن. اختار الفن لأنه ولد بموهبة عظيمة وجد ان من العدل استثمارها وليس دفنها بأي منصب، او مهنة أخرى. فالكليات العسكرية تخرج عشرات الالاف من الجنود الذين يمكن ان يصبحوا جنرالات وكذلك الحال مع الرهبان، لكن حتى في الكليات التي تعنى بالفن، فلن يصبح كل من درس بها فنانا له قيمة، الا من تشربت روحه بالفن من اول لحظة وقع بصره بها على تفصيلة اثاره شيء ما فيها.
لو أردنا ان نفهم معنى الحرية، علينا ان نتابع فنانا وهو يعكف على رسم فكرة جديدة ألهمه بها شيء ما قد لا نجده ذا أهمية، لكنه بروحه ولمساته عثر على ذلك الشيء المهم الذي لا يراه سوى من تشبعت روحه وفكره بالفن. الرسام او النحات حينما يبدأ بتنفيذ فكرة، يستحضر كل مفاهيمه عن الحرية والجمال لينتج عملا قد ينقل به الواقع بحرية مطلقة، لكن بطريقة ما تجعله مقبولا، حتى ولو كان قبحا والما، او صدمة.
اذن فالفن ليس مجرد نقل لإحساس، ولا نقل لما ترقبه كل العيون، بل نقل ما تلتقطه الروح قبل العين. هناك من يجد ان الفن والمنطق لا يجتمعان! الفن، منطق جديد لا يفهمه الا من درس الفن، ومن حباه الله موهبة ما تصب في تلك الخانة «خانة الفن والابداع»، فالمنطق لا يتعارض مع كونك تنقل صورة بشعة بطريقة تجعلها مقبولة لدى الناظر، بل العكس، هو بذا يحيل التمعن الى القبح القابع بتفصيلة هنا او هناك مقبولا، وقد تكون تلك طريقة لاستيعاب تلك التفاصيل البشعة في الحياة لنتنبه الى ضرورة القضاء عليها، هو رسالة، لكن من يكتبها يستعيض باللون عن الحرف، ليكتب بلون قاتم او مشرق او حتى لون الدم.