البوصلة المفقودة في دراما مسلسل الفندق

جاسم المطير

الانسان كائن احتفالي، كما الفن أداة هذا الكائن، مما يجعل الممثلين مخلوقين للتعبير عن ذلك الكائن، بوحي من هذا تحركتْ الدراما العراقية، أخيراً لتأخذ دورها بعد ركود طويل. كنا نحن المشاهدين نتملق املا حقيقيا في ان يكون عام 2019 ولادة درامية جديدة، خاصة بعد سيل من إعلانات قناة الشرقية الفضائية وغيرها من القنوات التلفزيونية العراقية، كلها، كانت تؤكد طوفان المشاهدين بالأعمال الدرامية العراقية المبهرة!
ملأت الثقة قلوب المشاهدين حين أُعلن ان نهوض الدراما الجديدة، مسجلة بأسماء لامعة، قديرة، كثيرة، كان من بينها السيناريست النشيط حامد المالكي، الى جانب مخرج نشيط، أيضاً، حسن حسني. الكل توقع مشاهدة مسلسل يتميز بقوة جماعية فنية هائلة، تنفذ الى أعماق المشاهدين لأن قائدي العملية الفنية فيها لا ينشدان غير انتاج عمل فني عنوانه (الفندق) يرتقي الى درجات الفن التلفزيوني الجديد.
لكن بأسف شديد، أقول كلمة (لكن)، بدأ العرض الدرامي مع بداية اول شهر الصيام رمضان، اكتشفنا فجأة، منذ الحلقة الأولى، ان الإعلانات كانت ثقيلة في مزاجها، حيث لم تكن سوى هوس مجاني، فقير فنياً، نشر دخانه حول مجموعة اشخاص عراقيين يعانون، في المجتمع والمسلسل، بؤساً داخلياً مريعاً لكل العراقيين، المراقبين والمترصدين، لأحداث السياسة والمجتمع، منذ عام 2003 وما قبله وما بعده حتى اليوم. كانت حركات المسلسل المتتابعة مقذوفة امام المشاهدين بواقعية مباشرة، ومجانية مستعجلة تغط بحبر على ورق، بلا ضمانة (فنية) ولا عناية (عقلية) لأن اتجاهها ومصيرها لم يغيّر من طفولة الوعي وسذاجته والتصاقها بالمبالغة الإعلانية الشديدة.
يمكن لأي عنصر من عناصر انتاج (مسلسل الفندق) ان يعضّ شفتيه، نادما او شاكيا، إذا ما قام أحدهم بمقارنة سريعة بين مسلسل درامي عراقي او أي من تلك المسلسلات السورية او المصرية.
هناك عدة أخطاء اولها يتعلق باسم المسلسل (الفندق). من الواضح ان (مكان) المسلسل لم يكن (فندقاً) بل كان (نزلاً). الفرق شاسع بين الفندق والنزل. الفندق مكان سكن مؤقت لمسافرين بين المدن لا يعرف بعضهم بعضا إلا بالمصادفة، في حين ان (النزل) مكان دائم لمقيمين متواصلين في مدينة واحدة، قد تستحضر المعرفة، او الصداقة، او العلاقة بتبادل حكايات عديدة بعضها يثلج القلب وبعضها الاخر مخيف، قد يعرف بعضهم اغلبهم وربما يعادي أحدهم الآخر او يصادقه، يختلف معه او يكون تابعاً له إذا صادف ان قدم واحد لآخر عونا لصاحبه من نوعٍ ما. ينطبق هذا تماما على جميع سكان هذا (النزل) بما يحمله من مظاهر الموت والتفاهة والدعارة.
(النزل) كثيرا ما يكون في البتاويين او علاوي الحلة او متفرعات شارع الرشيد وغيرها هي صورة من صور العيش بالكهوف، العقلية والجسدية، المنعكسة عن حال (الزمان) العراقي المعاصر. لم يكن مؤلف المسلسل ولا مخرجه عارفين، كما يبدو، بعادات العيش في (نزل) وقوانينه. لذلك لم ينفذ المسلسل الى واقعية (زمان) حياة الساكنين الدائميين بهذا (النزل) ولم يمتلكا القوة و البراعة لكشف الصورة الواقعية الصادقة في الأوضاع الاجتماعية المتدهورة بالمجتمع العراقي .
ربما هناك الكثير من الذنوب الاخراجية من جانب المخرج امام المؤلف، او ذنوب تكوينية من الكاتب بنظر المخرج، صراع الصواب والخطأ بين الممثلين والمنتجين لم يكشف عنها. كان غريبا ان ينتهي المسلسل بحلقة رمضانية رقمها 21 وليس كما المتوقع 30 حلقة، وأكثر مما يشير الى وجود صراع فردي او جماعي بشأن احداث المسلسل وتطور احداثه حين ردت جميع موضوعات المسلسل الى الوهم والخيال والى الطريقة الشبحية في بناء القصص. المهم ان من الواضح تماما ان تطور المسلسل لم يكن قائما او منتهيا على التكوين النفسي والثقافي، التأليفي والإخراجي.
ابتعد المؤلف ابتعاداً تاما عن واقع الحالة العراقية. ابتعد عن دور واقع العملية السياسية وإدارة الدولة، كأن الفندق ونزلاءه ليسوا متأثرين بالصراع السياسي الحاد، الجاري في هذا (الزمان) بسبب وجود طبقة سياسية عليا، فاسدة ماليا واداريا واخلاقياً. كأن الفندق في بلد ليس فيه سياسيون مستعدون ان يستعيدوا وعيهم على خصومهم بقوة اجنبية، كأن ليس فيه تدخلات اجنبية وليس فيه قضية كردية او تركمانية او قضية ازيدية ولا يوجد فيه إرهاب داعشي.
لا بد من ان أكون صريحا جدا مع مجموعة العاملين في هذا المسلسل فالمديح ليس وحده مظهر الفضيلة النقدية، لكن الهجاء، أيضاً، يمكنه ان يكون تحذيرا لكفاءات درامية عراقية، كي لا تقع مستقبلاً، تحت طائلة السذاجة المريبة، التي وقع فيها مع الأسف كاتب ومخرج مسلسل (الفندق)، بالرغم من محاولتهما، في بعض الأحيان، التحرر من تلك السذاجة بالاستيقاظ المفاجئ لقول بعض الكلام الطيب بين المتحاورين.
لا شك ان الكاتب حامد المالكي يفصح دائما عن انسانيته فيما يكتب بأدبه الدرامي، كما لا اشك في قدرة المخرج حسن حسني على تجسيد المشاهد الدرامية بمستوى عال. الشيء نفسه أقوله عن الممثلين الرائدين محمود أبو العباس وعزيز خيون وعن الممثلة الطليعية سناء عبد الرحمن وجميع الاخرين المتمكنين من تقديم صورة الانسان العراقي في الزمان الحالي، لكن، لا بد أيضاً، من تأشير خلل الواقع الفني، المائل، قليلا او كثيراً، في مشاهد المسلسل عن مقابلة مظاهر الحياة الإنسانية العراقية.
لقد فقد المؤلف نفسه وفقد المخرج فنه في عشرين حلقة حين شردا بسبب تعطلهما الفكري في الحلقة الأخيرة من المسلسل حيث ركزا انتباههما على أشياء جنونية خارجية وجنون شبحية داخلية، ليحققا لنفسيهما ولمسلسلهما نهاية كلية، لا مضمون لها ولا حركة ولا احداث سوى شريط من (الأخبار) وبعض الوعظ والارشاد، بعيدا عن الخوض في نظام الأسباب.
لذا ستكون مقالتي هذه معنية بتناول الاثار الباطلة خلال 20 حلقة من المسلسل. اما الحلقة 21 الأخيرة فاتركها لمروجيها واربابها في الفضائية، التي انتجتها، لأنها (حلقة) مخادعة، ليس فيها انفتاح على الطموح الشعبي، ليس فيها من عطاء الفنون شيء. انما فيها خواطر شخصية ضاع بين اقوالها العمل الدرامي بمشهد ختامي لا يضم غير ادب و فن تلفزيوني محنطين لا يمكن بهما الدخول الى المجتمع بمسدس الشقي المستهتر المدعو واثق وذلك امر لا يمت الى فنون الدراما بأية صلة. مشهد الحلقة الأخير ينفر منه جميع تلاميذ النابغة الذبياني وارسطو وكولن ولسن لأنهم يكرهون النفاق والتلون والضحك على ذقون المشاهدين. حصر السيناريست حامد المالكي جل عنايته في اقوال أخيرة مبهمة ومدائح مبهمة واهاجي لشخوص مبهمة، في حين اعقبه مخرج المدائح والاهاجي، في ان يجعل المسلسل الفاشل تراثا تلفزيونيا، بينما لم يكن في جوهر مشاهده غير نفثة من نفثات تجربة نفسية– أدبية– درامية في زمان عطالة الفن والفنانين بانتحال الدراما بمشهورات تلفزيونية محنطة كربيبةٍ من ربيبات المنفعة الذاتية ولم يكن هدفها التوعية الإنسانية الجماعية.
حين تنهي مشاهدتك لمسلسل 20 او 21 حلقة تسأل نفسك: هل كان العمل التلفزيوني رائعا؟ او لم تكن ساعات مشاهدته غير إضاعة الوقت؟
في هذا المسلسل عناكب عملاقة توزع سمومها على المواطنين العراقيين. اغلب مخلوقات (النزل) قذرة، سامة او مسمومة من الحياة، منتصبة ضد كل حق وعدل بما فيهم قائد مركز الشرطة، متجسداً بدور العقيد سنان العزاوي. نساء ضائعات يستخف بهن الغضب العائلي فيقعن بورطة، لا تتوقف عند حد معين. ربما مطبخ النزل و مكتبه الإداري نجد فيهما رجلاً مميزاً و امرأة مميزة، عندهما حكايات ما اغربها، يستعيدان فيها او يتممان طيبة اخلاقهما بوقائع متعددة مع الساكنين، ليجعلا كل واحد من الضائعين في النزل او من الضائعات يراجع نفسه او تراجع نفسها بقولٍ من اقوال الندم او الأسف كأنما هذا (النزل) قصر من قصور المرايا، يشاهد فيه كل انسان نفسه على حقيقته وكل واحد منهم يعطي لنفسه تفسيرا ميتافيزيقيا للأحداث، في مقدمتهم الكاتب والمخرج، اللذين فرضا على المشاهد نزعتهما الميتافيزيقية واشاراتها، التي لا تشف عن ملامح التطور الفكري في القرن الحادي والعشرين، حيث ازدياد المآسي، الفردية والجماعية، في حوادث الإرهاب في الصعيد العراقي والعربي والعالمي المنتشر بجنونية متعاظمة أساسها الحصول على مال اصفر يجري تبييضه بوسائل عديدة، لكن تلك الحوادث ما جاء شيء منها في ذاكرة حامد المالكي ولا في ذاكرة زميله حسن حسني.
الحال مع مسلسل الفندق لا يتحسس طريقه الى القوة الإرهابية التي عاثت في العراق جرائم يندى لها جبين الإنسانية لان قيم المؤلف والمخرج كانت خصوصية وافكارهما أكثر خصوصية لا علاقة لها بالواقعية العراقية. كأن هناك مفتاحا بيديهما فقط لحل الغاز المسلسل الضائعة بين الهوية الذاتية للمؤلف والتقصير الاجتماعي للمخرج، إذ نشاهد 21 حلقة، متعبة، ضائعة بين الواقع والوهم، بين الوعي والضحالة ، خاصة حين يرضخ (صحفي مثقف) الى موجة من الرؤى الشبحية شبيهاً بأي مواطن عراقي متخلف الرؤى والثقافة، يؤمن بسكنى الأرواح في البيوت، في عصر القرن الحادي و العشرين، عصر التكنولوجيا الثورية في مشاهد يمسك فيها كل واحد من الساكنين بــ(موبايل) هو العلامة الارقى في التكنولوجيا المعاصرة، مما دفع المؤلف والمخرج، ان يجعلا (الصحفي العراقي) دمية صغيرة امام الشبح الليلي وقد ضيعا بذلك الحقيقة والواجب في مسلسلهما (الفندق) حين يتمزق وجدان المثقف الصحفي عن حقيقته وعن واجبه .
يبدو ان كاتب السيناريو حامد المالكي والمخرج حسن حسني ارادا ان يكونا (مؤرخين) أو (مؤرشفين للتاريخ) لأحداث عراقية واقعية، في عصر الفوضى الديمقراطية، بعد التغيير عام 2003 لكنهما مع الأسف، لم يملكا وعياً سياسياً ولا وعيا ثقافيا يجعل عملية تنفسهما حول مصائب وازمات الشعب العراقي ليست عملية مريرة، يكفيهما لمعرفة أسباب غموض الحساسية الاجتماعية الجديدة وجذورها الاصلية. قالا بصوت مرتفع طيلة 20 حلقة تلفزيونية انهما ظلا واقفين على رصيف الاحداث، يخافان الغوص في جوف الحوض، ظلا متفرجين على اسماكه ذات الوجوه المخيفة، يتصوران انه من خلال عتمة المشاهد تغرق منظورات المشاهدين بمأساة متفاقمة. السؤال هنا موجه اليهما: هل أردتما تأكيد ان المثقف العراقي والصحفي العراقي شخصيتان متميزتان بالضعف والتوجع والرغبة في إبقاء الصدمة والازمة في بلادنا؟
لا ادري لماذا ظلا ينظران الى السياسة بميوعة وينظران الى علم الاجتماع بنقصان وعي، لم يستشيرا عالم (مثقف) في السياسة ولا عالم (مثقف) في علم الاجتماع، لم يرغبا ان يغطس مسلسلهما بمغامرة سياسية ولم يرغبا البحث عن الكينونة الاجتماعية حول المسوخ العائشة في هذا (النزل)، حتى المثقف الصحفي كريم نعمان انتصب ضد مهنته و ضد وعي ذاته، لأنه لم يمارس الصحافة في فترة من اهم فترات ازدهار حرية التعبير في العراق وهي الحرية الغاضبة بعد عام 2003 جعل أمور حياته متوقفة عند حدود جدران (النزل) مستسلما لوحش اسمه (المسكونية) أي ان روح امرأة اغتصبوا حقها بهذا الخان (النزل) ما زالت تسكن فيه برغم موتها منذ سنين طويلة، وهي حالة اجتماعية من اكثر حالات المجتمع العراقي جهلاً لا احد يعرف لماذا تطارد هذه (الروح ) وظيفة مدير إدارة الخان. ظلت وقائع خيالية تهاجم الصحفي تحت القفل والمفتاح بلا معنى.
حاول المخرج وربما السيناريست من قبل، ان يجعل من بعض مشاهد المسلسل منظار مرح واضحاك، لكن يظل المرض الاثير لكليهما، اختراع المشاهد الكئيبة لبعض الممثلين. نجحا في ذلك من خلال ارهاق عزيز خيون بالسعادة والبهجة والتألق بلونٍ مشرقٍ، في حين جعل الجهاز العصبي للصحفي محمود أبو العباس متوتراً بدرجات تجاوزت الحدود الطبيعية–العقلية، محولاً بدنه وعواطفه وافكاره الى استعمال العصابية والكآبة بوصفهما نبوغاً صحفياً وعبقرية صحفية. اغلب الممثلين كانت وجوههم متميزة بالتواءات لا تمحوها البسمات، ربما أراد السيناريست ان يجعل من شخصية ابن هتلر صورة مثيرة للاندهاش المزيف وسط هذا المسلسل، غير ان الشخصية بكاملها لم تكن طبيعية، خاصة وان شخصية هتلر منبوذة في المانيا وفي العالم اجمع، لم يكن اختراع منزلة هذا الكائن تحقق أي حيوية او طموح لأنها شخصية مفتعلة، مثلما كانت مفتعلة سيطرة روح الوضوح والمرح من خلال التعبير عن ذلك بمظاهر شرب المزيد من العرق، التي تلبس الشاربين شخصية الوجود والنبوغ.
أراد السيناريست ان يجعل من شخصية (ايناس طالب) صحفية نشيطة، خلال مشهد جوالها، مرة واحدة، في ساحة التحرير ببغداد وسرقة كاميرتها الصحفية المتجسدة بالموبايل لتصوير بعض المتسولين، لكنه لم يمنحها أي قوة حقيقية غير تقديم صور مثالية لا تنفذ الى أعماق المشاهدين الاعتياديين لان المشاهد المفتعلة لا تمثل اليقظة الروحية (الصحفية) أو (الثقافية). منحها ولع الحديث بمفردات ثقافية راقية، بينما لا تملك قدرات عملية مثالية. جعلها موضع الشفقة من المشاهدين. اما قوة ومجد الصحافة فلا موقف بارز لهما. كانت قادرة على تبادل النظرات والاقوال المرحة مع (كريم نعمان) مدير الخان، الذي تنظر اليه اعلى من نظراتها الى روحها، او ربما أرادها المخرج ان تكون مدام بوفاري في هذا المسلسل، لكن السيدة ايناس طالب لم تكن قد تلقت تدريبا تمثيلياً مناسبا، من مخرج المسلسل، كي تستطيع ان تستعيد قدراتها التمثيلية السابقة. مع الأسف ان ايناس طالب لم تلتمع بدور مناسب لها، ربما لم يسعفها الحظ في التورد بهذا المسلسل.
في هذا الخان يعيش مجموعة من الشباب والشابات في مكان واحد، في الزمان نفسه، في بيئة مغايرة لطبيعة المجتمع العراقي. أحدهم اسمه (واثق) يقوم بدوره الممثل ذو الفقار خضر يعيش مديرا لهذه البيئة المشحونة بالمنافسة والجشع اعتماداً على امتلاكه مسدسا اوتوماتيكياً وحيداً، يقابله رجل مسالم اسمه كريم نعمان يقوم بتمثيل دوره الفنان محمود أبو العباس، جعله السيناريست طيبا جداً ومتعباً جداً، مثلما جعل الشاب واثق مدير انتاج مسرحية الشر في هذا المسلسل أراد ان يكون كريم نعمان مديرا لمسرحية الخير في هذا المسلسل ، لكن جعل المديرين يقطبان حاجبهما، مندهشين من كل شيء يجري في الخان، مما يجعل كل واحد منهما قادراً على الانحلال امام ما يرى من أفعال و كلمات.
اغلب رجال الخان يعملون في الجريمة واغلب النساء قريبات من أداء الدعارة. جميعهم بعيدون عن طاقم البوليس ومواجهاته، التي لا تتم الا في الحدود الدنيا من الذكاء والموهبة البوليسيتين، من فوق نياشين ضباط المركز تندفع الرشوة لتغطية كل خيال وجدال، ربما اختلق السيناريست هنا مركز شرطة ليس واقعياً، إذ لا يوجد مركز شرطة بغدادي فيه عقيد ومقدم بآن واحد، كما لا يوجد أي عقيد يقوم بنفسه بفتح اقفال الموقف ليطلق سراح الموقوفين والموقوفات على هواه من دون الاعتماد على شرطي بمنصب عريف او رئيس عرفاء، بالرغم من ان اوراقهم واوراقهن التحقيقية معروضة امام قاضي التحقيق، هذا خطأ ثانوي من ضمن الأخطاء الثانوية الكثيرة. يبدو ان السيناريست والمخرج يقتبسان بكل مشهد من مشاهد المسلسل نزعة خارقة للوعي والنظر.
قضيت وقتا طويلا خلال 20 حلقة من المسلسل لمراقبة تطور عصابة المخدرات الساكنة في هذا النزل ومنها يتم توزيع كبسولتها من دون ان يظهر قصة واحدة توضح كيفية التوزيع ولا أسلوبه ولم نشاهد المستهلكين تصويريا او واقعيا. ما أحزنني حقاً ان هذا النوع من تجارة المخدرات لم يجد ما يستحقه من عناية ابداع المؤلف. تجارة المخدرات بكل مكان من امكنة العالم هي تجارة فاتنة ومربحة، ذات علاقة مباشرة بأحزاب سياسية ودول وسياسات مرددة ونابضة بالتهديم الاقتصادي وبالتخريب الأيديولوجي ولها بيوت كثيرة في الافاق والأرواح.
عصابة من خمسة اشخاص يقتل اثنان منها ويظل ثلاثة، أحد الثلاثة يسيطر على الخان دافعا احداثها الى امام لأنه يملك مسدساً واحداً كأنه الوحيد الذي يسير بالخان على وفق هواه.
قوة مسدس واحد تستطيع أن تسيطر على كل المسافات في الخان بطابقيه المتموجين بالفساد والجريمة. لم يسجل المسلسل بكاتبه ومخرجه أي قدرة على تسلسل الاحداث بمسدس مضاد ينقذ الآخرين من غيبوبة العيش والحركة في الخان، حيث تُحطم قوة المسدس الفردية كل نوع من احاسيس الفرح الجماعي او القوة الجماعية.
الحوار كان يحمل كلمات ممزقة على نحوت من كلمات قاموسية صنعها الكاتب لتخليص المسلسل من سيرورته المتحجرة. يأتي هذا الكلام محمولا على أفكار مجموعة (نعيم+ابن هتلر+كريم) حين يجتمعون لشراب العرق. او تأتي الأفكار في بعض صفحات من مشروع رواية يكتبها صحفي لا يعمل في الصحافة او في بوستات الصحفية اريج، التي لا تعمل هي الأخرى في الصحافة، انما يكشف لنا كاتب المسلسل انها من هواة كتابة الوميض النادر على الفيس بوك، بهذا يصبح عدد المجموعات في المسلسل خمساً:
المجموعة الأولى تحمل أفكارا عادلة تضم (كريم + نعيم+ ابن هتلر) وهي مجموعة عزيمتها الأولى والأخيرة، شرب العرق والضحك العالي ينطلق في جلساتها حوار لا تعرف جديته من سخريته.
المجموعة الثانية تتكون من: (الطباخة ماري+الصحفية اريج+الصحفي كريم). تحاول هذه المجموعة ان تجد طريقها الى الفرح عن طريق انضمام احدى بنات الخان الى هذه المجموعة، حيث تولدت لدى المجموعة هواية الجوال في بعض الأحيان في منتزه الزوراء.
المجموعة الثالثة تضم عصابة تجارة المخدرات متكونة من ثلاثة اشخاص رئيسهم يملك مسدساً. بينما المجموعة الرابعة تضم مجموعة من نساء وأطفال يعيشون في قلق وعدم استقرار على حافة وقائع الجريمة والدعارة وفكرة جديدة داعية الى التجارة بالبشر. كل نظرة الى هذه المجموعة يكتشف المشاهد غرابة وشذوذا .
في المجموعة المختلطة الخامسة، يتناقش المتناقشون محمود أبو العباس وسنان واريج ودنيا وماري بمستوى جعلهم المؤلف كأنهم من خريجي جامعة هارفرد او أراد المؤلف ان يظهر امام المشاهدين بمظهر العالم التجريبي في قسم تطور التاريخ العالمي المعاصر. في الحقيقة كان الجدل منخفضا الى حد كبير حيث قيلت معلومات تبادلوها تبادلا خاطئا كان المفترض على المؤلف والمخرج ان يتكيفا تكيفاً معلوماتياً متواضعاً.
خلاصة القول ان مُشاهد مسلسل الفندق كان مشوشا، لا يميز بين الواقع والخيال، لان المؤلف والمخرج قد انتقصا احاسيسه بسرعة لم تكن متوقعة منهما، فظل مرهقا امام شهوة النجاح المادي والشهرة الفنية من دون تحقيق أحلام المشاركة والمساهمة في إيجاد الحلول الفكرية لفك ازمة من أزمات العراق المعاصر. كما سيظل المؤلف في اتعس فترات حالات ابداعه مُتهماً باستعارة فكرة المسلسل عن رواية السيدة لمياء رشيد المقيمة في هولندا . مطلوب موقف أخلاقي لتوضيح الامر الفاصل للتمييز بين الخير والشر اللذين لا ينبغي الوقوف امامه بعدم الاكتراث واللامبالاة.
أملي ان يتلقى السيناريست حامد المالكي نقد الناس وملاحظاتهم بشأن (الفندق) ليكون كاتبا فريدا، كما يتوقع جميع من يراه قادرا على اقتحام الدراما التلفزيونية بما هو حقاً جزء من إمكانيات علمية حقيقية في التعبير الفني.
انا واثق من قوته الدرامية الخالقة .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة