سمير خليل :
على قاعة الجواهري في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق وبحضور وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور عبد الامير الحمداني وجمع ابداعي واعلامي احتفت الجمعية العراقية لدعم الثقافة مع ملتقى الخميس الابداعي التابع للاتحاد بالفنان والاكاديمي المبدع الدكتور عقيل مهدي، ادار الجلسة الناقد الفني الدكتور جواد الزيدي وتحدث فيها كل من الدكتور سعد عزيز عبد الصاحب والناقد عدنان منشد والدكتور رياض موسى سكران والدكتور زهير البياتي حيث تناول كل منهم جانبا من جوانب تجربة عقيل مهدي الابداعية، في افتتاح الجلسة استهل مديرها الدكتور جواد الزيدي حديثه بالقول :جلسة هذا اليوم هي جلسة احتفاء فوق العادة، لأنها تقلب اوراق مبدع عراقي تكتمل عنده الاشياء وتفسر الظواهر وتتداخل الاجناس الفنية في تجربته وهي تصب في الثقافة الانسانية في خلاصاتها النهائية، فالمحتفى به استاذ وفنان وانسان ومنظر جمالي وناقد وممثل ومخرج ورئيس قسم وعميد لكلية الفنون الجميلة وكان الوزير المقترح للثقافة قبل عام من الآن.
كل هذا ولكنه يلتحف التواضع عنوانا لسلوكه الانساني اليومي من خلال ارتباطه بمشاغل الناس وهمومهم وقضاياهم ويعد نفسه جزءا منهم في اللحظة التي يتطلع فيها الى صياغة خطاب متعال يرتقي به وبهم الى مستوى الجمال الخلاق، يتنقل بعجلة (البيك آب) العتيقة عندما كان عميدا او مع أحد اصدقائه او الزملاء، لم تشغله المهام الادارية عن مواصلة التمثيل والاخراج والبحث والكتابة المتواصلة. لا يشغل نفسه ببهرجة المنصب وهيلمانه لأنه منشغل بالبحث عن الجديد والمسكوت عنه في اروقة المعرفة الانسانية بوصفها عنوانا لكينونته واشتراطات وجوده سواء اكان ذلك في حقل النص المسرحي المؤلف عندما يختلف فيه مع الآخرين بحدود بحثه في الواقعية الشعبية او في خطاب السيرة معتمدا على تثوير الحادثة والنظر اليها من زاوية مختلفة وقراءة موضوعية معاصرة ليصنع ظاهرة في تجليات النص من خلال هذا المسار.
تبعه المتحدثون الدكتور سعد عزيز الذي ذكر: في طلعة عقيل مهدي ما يغنيك عن اساطين اخرى في المسرح العراقي، ساذهب وانفتح على سيرة ذاتية لعقيل مهدي وتشكلاتها السياسية والاجتماعية التي كونت عقيل مهدي الفنان الالمعي في جميع الاختصاصات وسأبدأ بالواقعية بالمسرح العراقي لان جذر المسرح العراقي، المسرح الواقعي وقد يكون الطبيعي، تتخذ تجربة المسرح العراقي بالانفتاح على الواقعية، اتجاهات وتيارات عديدة، ومنذ بواكير فرقة المسرح الفني الحديث والفرقة الشعبية وشواغل يوسف العاني وابراهيم جلال وسامي عبد الحميد وجعفر السعدي وقاسم محمد ومن ثم فاضل خليل وعبد الوهاب الدايني وجواد الاسدي المبشرين بالافكار اليسارية الحاملة لنبض الشارع اليومي بانعكاسات التجربة السوفيتية بالفن والمسرح بشكل خاص تحت مضمون الواقعية الاشتراكية ومرجل ساخن للثقافات اليومية ولواعجها والذي كانت تقوده البروليتاريا الاممية في مستهل ستينيات القرن الماضي .
ثم تلاه الناقد والاعلامي عدنان منشد بالقول: عند الحديث عن تجربة عقيل مهدي هناك الكثير من المسائل التي لا يمكن تجميعها وانا من خلال كتاباتي عنه في المجلات والصحف وحتى في كتابي الاخيرين عن اعماله ومسرحياته وعن جهده الاكاديمي البارز لأنه في تقديري يمثل الخطاب المعرفي والجمالي وهو من الجيل الثالث من المخرجين في المسرح العراقي اذا اعتبرنا الجيل الاول يضم ابراهيم جلال وجاسم العبودي وسامي عبد الحميد وغيرهم، اما الجيل الثاني فيضم محسن العزاوي وسليم الجزائري وعوني كرومي وقاسم محمد ، الجيل الثالث يمثله عقيل مهدي وصلاح القصب رائد مسرح الصورة في العراق والوطن العربي، وفاضل خليل، هؤلاء مثلو الخطاب المعرفي والجمالي في المسرح العراقي.
اما الدكتور رياض موسى سكران فقال: اعمال عقيل مهدي تحتاج الى متلقي من طراز رفيع كما يسمى في نظريات التلقي، متلقي عليم يحمل هما ثقافيا وانتماء وطنيا لهذا كان ما يقدمه عقيل مهدي من عروض مسرحية وشكل مسرحي وصورة مسرحية ليس تقليديا وانما كان يحمل عمقا فلسفيا، فالصورة المسرحية لم تكن صورة مجردة للمتعة والتسلية والترفيه وانما كان هذا العمق الفلسفي متأتي من ذلك العمق الجمالي للنص الجمالي والرؤية الجمالية التي اسس عليها فضاء العرض فتجربة عقيل مهدي تتفرغ عن كل التجارب التقليدية او التجارب المسرحية في المسرح العراقي بوصفه يؤكد على قيم انسانية ووطنية وهذه القيم قلما نجدها في مسرحيات عراقية وان كانت تحمل قيما جمالية الا ان الجانب الوطني كان جانبا مهما في تجربة عقيل مهدي المسرحية.
آخر المتحدثين عن الضيف كان الدكتور زهير البياتي وقال: مر المسرح العراقي بمراحل خلال سنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي وبرز خلال هذه الفترة عدد من المخرجين والفنانين المعروفين من ضمنهم الراحل فاضل خليل وصلاح القصب وعوني كرومي وعقيل مهدي، كل واحد من هؤلاء اختط لنفسه اسلوبا معينا في العمل سواء كان مخرجا ام ممثلا، عقيل مهدي عرف بمسرح السيرة وهو مسرح جديد على المسرح العربي ولا يشبه تجربة عقيل مهدي سوى مخرج فلسطيني اسمه راضي شحاذة، لكنه كان يعرض مسرحيات السيرة من خلال مسرح الدمى وقدم سيرا لشخصيات تاريخية وشعبية مثل عنترة بن شداد وكذلك وظف بعض قصص السيرة وقدمها كمسرح دمى للأطفال، عقيل مهدي في مسرح السيرة حاول سحب الشخصية من واقعها المعاش او الواقعي الى الواقع الافتراضي، هذا الواقع الافتراضي لم يتخل عن المحطات المهمة التي مرت بها هذه الشخصية بل ركز على اهم ما يميز هذه الشخصية مثلا علي الوردي في علم الاجتماع وجواد سليم في التشكيل ويوسف العاني بالمسرح وبدر شاكر السياب في الشعر إضافة الى انه عمل ايضا على ما نطلق عليه بتلاقح الرؤى عندما يكتب النص كمدونة ادبية وعندما يخرج هذا النص ويقدمه كعرض مسرحي للمشاهد ،لكن هذه الرؤى يتماهى معها المشاهد او المتلقي مما يجعله يندمج مع العرض المسرحي او الفكرة او من خلال ما يقدم من عروض مسرحية نجح فيها عقيل مهدي نجاحا كبيرا.
وأعرب الدكتور عقيل مهدي عن سعادته وامتنانه وقال: انه يوم استثنائي ومميز ان اكون وسط اناس يشتغلون على مستوى أكاديمي رفيع ورافقوني في الكثير من اعمالي المسرحية وكتبوا عنها ومنهم من قام بدور رئيس باكثر من عرض مسرحي مختلف الاتجاه والجو والموضوع ورافقوني في لجنة النقد التي اتشرف برئاستها منذ عقد من السنين وبالتالي هم أدرى بشعاب هذا الموضوع. قدمت على مستوى الكوميديا مسرحيات السحب والضفادع لاريستوفانيس واوديب ملكا لسوفوكليس وابتداء من الاغريق وانتهاء بجان انوي وغيره من ممثلي الحداثة ولي الشرف انني اقترحت هذا الاقتراح فيه نوع من التجريب والتنظير فيما يسمى بمسرح السيرة الافتراضية.
شهدت الجلسة مداخلات للدكتور حسين علي هارف والدكتور جبار خماط والدكتور سامي عبد الحميد والدكتور صلاح القصب وتحية من الفنان كريم الرسام بأغنية فرد عود.