يوسف عبود جويعد
للنص الروائي إكتشافات كبيرة، بعيداً عن الاحداث التي تدخل ضمن أدوات السرد لتكون حكايتها، فقد تكون تلك الأحداث ممراً مهماً للولوج الى عوالم وأفكار يضعها الروائي لتسير مع المسيرة السردية، لتشكل محاور متعددة وآفاقاً واسعة تساهم في تغيير تكوين النص، وجعله مغايراً شكلاً ومضموناً، عن بقية النصوص الروائية التي تعتمد الاحداث أساساً في تدوينها، دون أن نجد هذه الاضافات الفنية التي هي، سحر السرد، وعي السرد، ثيمات السرد، وثقافة وخبرة الروائي في تجاربه الحياتية، وفي رواية (وهَمّتْ بهِ) للروائي السيد حافظ، التي تقدم لنا حالة عشق بزوجة، وحالة عشق بعشيقة، يصل حد الاحساس بالخطيئة بل يتعدى ذلك الى الخيانة الزوجية، الا إننا سوف نجد من المبررات ما يجعلنا نتعاطف مع بطل هذا النص، إذ أنه لم يكن زير نساء، ولا باحثاً عن العاهرات، ولا شهوانياً نهماً يفتش عن جسد المرأة، بل أن تلك العلاقة تأتي ضمن السياق الطبيعي لحياة بطل النص (فتحي رضوان)، الذي يجد أن الزوجة تقوم بمهامها الصحيحة والمطلوبة منها كربة أسرة تعتني بصغارها، وتوفر لهم أسباب الراحة والمأكل والملبس في البيت، وتكون مع زوجها في حياته المهنية، ورغباته النسائية، ولكنه يجد أن العشيقة الملهم الثاني الذي لابد منه من أجل مواصلة العطاء في عمله في الصحيفة، فهو يعمل محرراً صحفياً في أحد الصحف المصرية، وله عمود يومي ثابت وحر وهذه التفاعلات الحياتية يجدها ضرورية للمواصلة من أجل العطاءالثر، هكذا نجد النص في وجهه الاول، أما الوجه الثاني فهو هذا الخزين الفكري الكبير الذي يتحلى به الروائي السيد حافظ، كوننا لو رجعنا الى رحلته الادبية فسوف نكتشف بأن له أكثر من مائة كتاب في المسرح والرواية وفي شؤون الفن المختلفة،وكذلك سوف نكتشف ومن خلال النبذة عن المؤلف بشكل مختلف بقلم ابنته غيداء السيد حافظ، والتي كتبت بهاجس الابنة المولعة بحب أبيها، والمتابعة لكل تفاصيل حياته منذ ولادتها وحتى بلوغ أبيها سن السبعين، وهي واحدة من السير الجميلة التي كتبت من إبنة الى ابيها، فقد ضمنتها تفاصيل تصل حد البكاء، وتفاصيل تمدنا بمعلومات تساهم في سبر أغوار هذا النص الروائي، عندها سوف نكتشف بأننا أمام نص متشعب ويدور في أكثر من محور فكري مهم، وكذلك سوف نجد معالم التجديد الواضحة في السرد الروائي ماثلة أمامنا، منها حرية الكتابة وعدم التقيد بالاطر التقليدية الثابتة لفن صناعة الرواية، فقد إستفاد الروائي من خبرته الطويلة وتجاربه الطويلة أيضاً في مضمار الكتابة الادبية، من أجل أن يجد له مسار جديد يدخل فيه في عالم الحداثة والتطور في هذا المجال، منها أن كتاباته المتعددة إنضوت في هذا النص لتأخذ منه حيزاً مهماً، إذ نجد بعض الادوات التي التي تدخل ضمن اطار النص الروائي قد تعيق إنسيابية الاحداث وتدفقها لضرورة حضورها في متن الوصف، فعمد الروائي هنا الى التخلص من هذه الهيمنة، وجعل الزمان والمكان هامش كل فصل، أي أنه يقوم بتدوينها كما يفعل كتاب السيناريو في مقدمة الفصل وبهذا ضمن حضورها وبقاءها متقدة في ذهن المتلقي وليست هنالك ضرورة في اقحامها في متن الوصف،كذلك تخلص من كل الزوائد والترهل، ووظف العمود اليومي الذي يكتبه بطل النص كعمل يومي في الصحيفة ضمن مسار النص الروائي دون أن يخل بحركة السرد، او يخل بإنسيابيته، بل أنه جاء منسجماً مع تدفق الاحداث، كما أنه أقترح لكل فصل أكثرمن عنوان زين برسومات توحي بمضمون كل عنوان،ولم يثبت على عنوان واحد بل جعلها عناوين مقترحة من اجل اشراك المتلقي معه والمساهمة في أختيار عناوين مقترحة منه،ولكي نقف على مايحتويه هذا النص من أنساق ثقافية وفنية وفكرية وحالة من الوعي الكبير، فعلينا أن نمر بالمقدمة التي توضح ذلك:
( يقول ابن خلدون مؤسس ورائد علم الاجتماع في العالم في مقدمته الشهيرة في القرن الرابع عشر الميلادي .
يقول فيها:
عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون.. والمنافقون والمدّعون.. والكتبة والقوّالون.. والمغنون النشاز والشعراء النظّامون.. والمتصعلكون وضاربو المندل… وقارعو الطبول والمتفيقهون.. وقارئو الكفّ والطالع والنازل…. والمتسيسون والمدّاحون والهجّالون وعابرو السبيل والانتهازيون….. وتختلط المعاني والكلام ….. ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل.
عندها تنهار الدول.. يسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف.. وتظهر العجائب وتعم الاشاعة….. ويخفق صوت الحق… وتظهر على السطح وجوه مريبة.. وتختفي وجوه مؤنسة…وتشح الأحلام ويموت الأمل.. وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه… ويصبح الانتماء الى القبيلة اشد التصاقاً….. وإلى الأوطان ضرباً من ضروب الهذيان ويضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء….. والمزايدات على الانتماء.. ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة واصول الدين….. ويتقاذف أهل الييت الواحد التهم بالعمالة والخيانة….. وتسري الإشاعات عن هروب كبير….. وتحاك الدسائس والمؤامرات….. وتكثر النصائح من القاصي والداني… وتطرح المبادرات من القريب والبعيد.. وبتدبر المقتدر امر رحيله والغني امر ثروته…ويصبح الكل في حالة تأهب وإنتظار…….. ويتحول الوضع إلى مشروعات مهاجرين….. ويتحول الوطن الى محطة سفر… والمراتع التي نعيش فيها إلى حقائب….. والبيوت إلى ذكريات والذكريات إلى حكايات..)
وهذا ماسوف نكتشفه في ثنايا النص، إضافة الى ذلك إن الروائي انتهى من تدوين روايته في عام 2017 وصدرت عام 2018، وهذا يعني أن الخراب الذي حل بقلب الامة، والبلدان التي شهدت هذا الربيع الفاشل المخزي، كانت ضمن منظوره الفكري، وكذلك أن فتحي بطل هذا النص من مصر، وزوجته تهاني مصرية أيضاً وعشيقته (سهر) سورية الأصل، وعشقيته الثانية التي دخلت خضّم الاحداث من العراق، وهو واسرته يعيشون في دبي،وكلها دلالات رمزية تساهم في هذا النص الذي يظهر للعيان على أنه حكاية علاقات عاطفية نشأت بينهم، الا أن ما يضيء من خلف الاحداث هو اوسع واكبر من هذا المنظار، لانا سنعيش هذا الخراب من خلال سير العملية السردية النابعة من اصل فن صناعة الرواية، ومن خلال العمود اليومي الذي يعده فتحي يومياً والذي يضع فيه كم كبير من المعلومات، حيث سنجد ذلك واضحاً فعندما تلد تهاني طفلاً، وكذلك تلد سهر طفلها والذي هو من صلب فتحي وليس من زوجها، فتطلب زوجة فتحي إختيار اسم له:
( – ماذا تريد أن نسميه؟
- ثائر.
قالت شهرزاد:
شو… لالا يناسب..
ضحك حامد: - سمه لينين احسن.
نظرت شهرزاد: - لا تسميه جمال عبد الناصر ولا حافظ اسد ولا صدام حسين ) ص 29
ونستمر بملاحقة الاحداث بتشوق ونحن نتابع حركة المسار السردي وهي تتصاعد وتتوتر وتحتدم،بعد نشوء العلاقة الثالثة مع الزميلة العراقية حياة التي الهبت مشاعره هي الاخرى بجمالها المبهر، وهذه الاحداث التي تطفوا على السطح هي حلقة من سلسلة احداث متداخلة اخرى تتعلق بشؤون حياة البلاد العربية، والخراب الذي حل بها:
( آه يا تهاني وطن يمر وليس له بر للمستقبل ولا بحر معرفة.. وطن العبيد والفرعون.. هدم الرسول محمد لهم التماثيل في مكة فصنعوا تماثيل داخل كل منهم.. ثنائي لا حل لها.. شعب لصوص ويصلي.. شعب يكذب ويسمع القرآن والإنجيل.. شعب يزني ويحج.. يسكر ويكره ان تسب الدين امامه.. شعب في شهررمضان يصوم النهار ويحشش في الليل) ص 132
وهكذا نعيش مع الاحداث في كل وجوهها، حيث نجد العلاقة بين المرأة بجمالها كاملة، حب الروح والجسد، وكذلك الليالي الحمراء المتخيلة، التي يعيشها فتحي مع عشيقته حياة وهو حلم يستيقظ منه مبلول الملابس،ونجد أن الحس الدرامي الذي إجتاح هذا النص تفاعل بشكل مذهل لتماسك الاحداث وشدها، ونتفاجأ بوجود حياة وفتحي في ذات المقهى التي يتواجد فيها منقذ زوج سهر مع سهر وامها شهرزاد، ليفتضح امرهما، بعد ذلك تحاول سهر من خلال هذا الموقف أن تنسى سهر فتحي بإقترحها العمل، بينما تنتهي الرواية، بإستقبال مكالمة هاتفية من حياة الى سهر، ليجعلها نهاية مفتوحة تاملية.
رواية ( وَهمّتْ به) للروائي السيد حافظ، نص سردي متماسك يقدم لنا حياة الانسان العربي وسط خراب كبير لايمكن إصلاحه،ونكتشف من خلاله هول ما نعيشه، من تفكك في البنى التحتية التي وصلت حد الاسرة الواحدة، ونعيش علاقات حب رائقة حالمة جميلة.
السيد حافظ روائي من مصر
من إصدارات مركز الوطن العربي0 رؤيا- الشارقة مويلح لعام 2018