داود كتاب *
كان بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب بين إسرائيل وفلسطين في الشهر الماضي مهيباً لافتاً للنظر. ففي تزامن شبه كامل، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس نهاية الحرب في غزة في بث تلفزيوني من مقره في رام الله، في حين دعا قادة حماس الفلسطينيين في غزة للنزول إلى الشوارع للاحتفال بنصرهم المفترض.
بطبيعة الحال، مع مقتل أكثر من 2200 من الفلسطينيين ــ أغلبهم من المدنيين ــ وإصابة أكثر من عشرة آلاف، وتدمير الآلاف من المساكن والمدارس والمساجد ومرافق البنية الأساسية، يصعب أن نسمي هذه النتيجة نصراً. ومع ذلك فإن هذه هي المرة الأولى التي يتمكن فيها الفلسطينيون من الإتيان بشيء أقرب إلى الردع المتبادل مع الإسرائيليين.
لقد تعزز موقف فلسطين بفضل اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بها دولة مراقبة غير عضو، وهو ما يستطيع أن يستعمله الدبلوماسيون الفلسطينيون لفرض ضغوط سياسية على إسرائيل لحملها على التعامل بجدية مع طموحاتهم الوطنية. كما ساعدت عضوية فلسطين في هيئات الأمم المتحدة، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، في تعزيز قدرة قادتها على المساومة.
وكل أدوات النفوذ هذه ــ ناهيك عن حصول الفلسطينيين على قدر هائل من التعاطف والدعم من قِبَل المراقبين الدوليين ــ سوف تشكل ضرورة أساسية لضمان أن الثمن الباهظ الذي تكبده الفلسطينيون خلال الحرب التي دامت 51 يوماً لم يكن عبثا. ولكن هذه الأدوات لن تكون مجدية إذا فشل قادة الفصيلين الفلسطينيين المهيمنين، حماس وفتح، في الحفاظ على جبهة موحدة.
كانت فعالية هذا النهج التعاوني واضحة في المحادثات غير المباشرة مع إسرائيل والتي أديرت برعاية مصر. وكان الوفد الفلسطيني الموحد مناسباً لمصر وإسرائيل، وكلاهما يعد حماس منظمة إرهابية، وبالنسبة لفلسطين، لأنه ساعد في وضع حد لأعمال العنف. وكان بمنزلة الهدية السياسية لعباس الذي تمكن من تشكيل وفد يترأسه أحد المقربين منه، عزام الأحمد، وبالتالي ادعاء الحق في إعلان وقف إطلاق النار.
وبعد أن صمدت أمام اختبار الحرب، فسوف تصبح حكومة الوحدة الفلسطينية التي تشكلت قبل أقل من شهرين من اندلاع الصراع الأخير الأداة الرئيسة لإعادة بناء غزة. ولكن رئيس الوزراء رامي حمد الله سوف يواجه تحديات كبيرة ــ بداية بغزة حيث سلطته التنفيذية محدودة للغاية.
ومن منظور أكثر اتساعاً، يعتمد نجاح حكومة الوحدة على قدرة حماس والحكومة الفلسطينية بقيادة فتح ــ وحركة الجهاد الإسلامي بالقدر الذي قد يكون ممكناً ــ على تعزيز أواصر التعاون من خلال الاتفاق على مسار نحو التحرير والحرية. وسوف تكون الاستراتيجية الواضحة الواقعية جزءاً لا يتجزأ من الجهود الفلسطينية الرامية إلى الفوز بالدعم من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية الحريصة على إنهاء الصراع الذي دام عقوداً من الزمان مع إسرائيل.
وسوف يتطلب هذا بطبيعة الحال تقديم التنازلات من الأطراف كافة. فيتعين على حماس أن تعيد النظر في رفضها الاعتراف بإسرائيل. ومن جانبها، يتعين على القيادة الفلسطينية أن تواصل المقاومة النشطة جنباً إلى جنب مع المفاوضات مع إسرائيل، في حين تدافع بقوة أكبر عن حق الفلسطينيين في العودة، والذي كثيراً ما تجاهلته في محاولة لاسترضاء الإسرائيليين.
ولكن وضع استراتيجية موحدة ليس سوى خطوة أولى. فلابد من إشراك الفلسطينيين الاعتياديين الذين سوف يضطرون حتماً إلى تقديم تضحيات ــ وخاصة في ضوء الثمن الباهظ الذي تكبدوه خلال النزاع الأخير، الذي لم يكن لهم رأي فيه.
ومن خلال دعم شعبي عريض، سوف تتمكن حكومة الوحدة الفلسطينية من حشد المجتمع الدولي وراء مطالبها العادلة والمعقولة من أجل دولة مستقلة حقاً، بلا حصار أو حواجز فاصلة أو مستوطنات أجنبية ــ وهي المطالب التي تقع مباشرة ضمن مجال حقوق الإنسان الأساسية. وكما عزل المجتمع الدولي دولة جنوب أفريقيا إلى أن تخلت عن الفصل العنصري، فبوسعه أن يفرض الضغوط على إسرائيل من خلال المقاطعة، وسحب الاستثمارات، والعقوبات، مع توجيه الدعوة إلى حلفاء إسرائيل بالتوقف عن تزويدها بالمساعدات والسلاح.
إذا كان زعماء فلسطين راغبين حقاً في إنهاء دوامة العنف في غزة، فيتعين عليهم أن يستهلوا جهودهم بحل الخلافات الداخلية بينهم وتقديم أنفسهم كطرف مفاوض متماسك وجدير بالثقة. وينبغي لهم أن يتكاتفوا معاً حول الهدف البسيط والقوي الذي أعرب عنه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أمام الجمعية العامة في نيويورك: «سوف نبني مرة أخرى، ولكن لابد أن تكون هذه آخر مرة نعيد البناء».
وبالنسبة لحكومة الوحدة الفلسطينية، فإن وقت البدء بعملية إعادة البناء هو الآن. وإذا كانت الرغبة متوفرة لدى فتح وحماس للقيام بما يلزم لتحقيق السلام، فقد تكون هذه هي أفضل فرصة تسنح لهما.
*داود كتاب، وهو أستاذ سابق في جامعة برنستون ومؤسس والمدير السابق لمعهد الإعلام العصري في جامعة القدس في رام الله، و ناشط في مجال حرية الإعلام في الشرق الأوسط