الصباح الجديد – متابعة:
لو قمنا بزيارة أي معلم تاريخي من مساد الى بنايات اثرية تاريخية لجذب انتباهنا دقة الزخارف التي جملت المكان، واضفت اليه رهبة ودهشة بكون الانسان وعلى مر التاريخ استطاع ان يحفر نقوشا وزخارف على الحجر بأدوات بدائية جدا.
تُعرف الزخرفة على أنّها مجموعة من الخطوط والنقاط والأشكال الهندسيّة، وعدد من الكلمات المتداخلة والمتناسقة، والتي تعطي في النهاية شكلاً مميّزاً يُستعمل لتزيين الكنائس والجوامع والمباني والمدافن وغيرها. وقد نجد ذلك مجسدا في المراقد المقدسة، وأيضا في المقابر العالمية الشهيرة مثل مقبرة الملوك في العاصمة الفرنسية باريس، حيث نجد زخارف ونقوش مذهلة في مدخلها إضافة الى مقابر أخرى لا تمتلك شهرة مقبرة العظماء لكننا نجد نقوشا وزخارف على بوابتها الامامية.
وتُعد الزخرفة أحد علوم الفنون التي تهدف إلى البحث في فلسفة النسبة والتناسب والتجريد والكتلة والفراغ والتكوين والخط واللون، وهي إما أن تكون وحدات طبيعيّة آدميّة، أو نباتيّة، أو حيوانيّة أو وحداتٍ هندسيّة تحوّلت إلى أشكالٍ تجريديّة، وتركت فيها المجال لخيال وإبداع وإحساس الفنان، وقد تمّ وضع الأصول والقواعد لها، بعد التعريف الموجز للزخارف سأتطرّق بالحديث عن أنواع الزخارف، وتحديداً أنواع الزخارف الإسلاميّة.
أنواع الزخارف الإسلاميّة
الزخارف النباتيّة
أبدع الفنانون باستعمال الأشكال النباتيّة، كفروع الأشجار والأوراق والثمار والأزهار بتشكيل زخرفة المنتجات الفنيّة كالعمائر والتحف، حيث جرّد الفنانون وحوّلوا جميع العناصر المستعملة من شكلها الطبيعي، اذ كان الفنان يميل إلى شغل المساحات وملء الفراغات.
وازداد استعمال هذا النوع من الزخرفة في القرن التاسع للميلاد، وكانت الذروة في الفترة الممتدة بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر للميلاد.
ويقصد بالزخرفة النباتية الزخارف التي تتكون من رسومات مستمدة من عناصر الطبيعة التي تعد مصدر إلهام لفنانيها. اذ يُستعمل فيها أنواع كثيرة من النباتات والورود والأزهار (كالقرنفل والكرز والرمان وزهرة التوليب والخزامى والسوسن وزهرة النسرين)، وتتكون من الأغصان والسيقان والأوراق وغيرها.
وتعد الزخرفة النباتية جزء من الزخرفة الإسلامية التي تنقسم إلى زخرفة نباتية وزخرفة هندسية.
تنقسم الزخرفة النباتية إلى قسمين هما:
الزخرفة النباتية التجريدية
وهي الزخرفة التي ترسم من فروع وأوراق فقط من دون الزهور بحيث تعطي شكل تجريدي.
الزخرفة النباتية الـزهـرية
حيث أن يستعمل فيها الزهور والورود بشكل واسع بشتى أنواعه كالقرنفل والخزامى والنسرين والسوسن…الخ.
القواعد والأسس المتّبعة في الزخرفة النباتية
التوازن: قاعدة أساسية يجب توفّرها في كل تكوين زخرفي
التناظر أو التماثل: من القواعد المهمّة التي تقوم عليها معظم الزخارف الذي ينطبق نصفها على نصفها الآخر بواسطة مستقيم يُسمّى المحور
التشعّب: معظم التكوينات الزخرفية لا سيما النباتية منها تتضمّن التشعّب
التناسب
وهو من أهمّ قواعد الجمال، فمجال الطبيعة يتمثّل بتناسب كل جزء لجزء الآخر، وليس له قاعدة، إنما يتوقف على الذوق الفني، ودقّة الملاحظة وقوّة التمييز.
التكرار
وهي من أهم قواعد الزخرفة، ويوجد بكثرة في الطبيعة مثل أغصان الأشجار، والتكرار من أبسط قواعد تكوين الزخارف.
الزخرفة الكتابيّة
استعمل الفنانون الخط، حيث كان العنصر الاساس في هذا النوع من الزخارف، وبعد أن كان الخط العربي وسيلة للعلم والمعرفة، أصبح في هذا النوع من الزخرفة مظهراً من مظاهر الجمال الذي ينبض بالحياة والسحر، وما زال هذا النوع ينمو ويتطور ويتعدد بأساليب تحوير أجزاء حروفه المركبةِ والمفردة، وقد عد هذا التحوير من أنواع الزخرفة، وبلغت أنواع هذه الزخرفة بمفردها ما تجاوز الثمانين نوعاً، وبلغت كماليتها في العهد العباسي، وتعد نوعاً من أنواع الترف الفني الذي لم تبلغه أي أمةٍ من الأمم سابقاً.
وهناك العديد من الفنانين الخطاطين الذين اقاموا معارض خاصة بفن الزخرفة الكتابية، وقد أبدعوا برسم الكلمات بالآيات القرآنية او بعض الجمل الشهيرة والحكم المعروفة.
الزخرفةِ الهندسيّة
بدأ التوجه لاستعمال الزخرفةِ الهندسيّة في العصر الأموي، وأُبدع فيها بنحو ليس له مثيل في أي حضارةٍ أخرى، بالرغم من بساطتها لاستعمالها الأشكال الهندسيّة الأساسيّة، المربعات والمستقيمات والدوائر والمثلثات، وكان لهذه الأشكال المختلفة دورٌ أساسي ومهم في الزخرفة العربيّة، اذ أصبحت أساساً لأشكال الزخرفةِ الإسلاميّة، وقد تميّزت بطابعها القوي الذي يظهر جليّاً باستعمال تكوينات الأطباق النجميّة التي ازدانت بها المصنوعات الفنيّة وأسطح العمائر.
استعاض فنانو الزخارف الإسلامية عن التشخيص بتطويرهم لأنماط الزخارف الهندسية الإسلامية متعددة الأشكال عبر القرون. وغلب على التصاميم الهندسية في الفن الإسلامي تكرار استعمال مجموعات من المربعات والدوائر، التي يمكن أن تتداخل وتتشابك كفن الأرابيسك، كما اشتملت على أشكال متنوعة من الفسيفساء.
تدرج تعقيد وتنوع الأنماط المستعملة بدءًا من النجوم والمعينات البسيطة في القرن الثالث الهجري إلى مجموعة متنوعة من الأشكال ذات الست إلى الثلاث عشرة جانب في القرن السابع الهجري، ثم النجوم ذات الأربع عشرة والست عشرة جانب في القرن العاشر الهجري. استعملت الزخارف الهندسية في أشكال متعددة في الفن والعمارة الإسلامية.
انتقلت الزخارف الهندسية الإسلامية إلى الغرب، وانتشرت بين الحرفيين والفنانين بما في ذلك إيشر في القرن العشرين، كما انتشرت بين علماء الرياضيات والفيزياء بما في ذلك بيتر لو وبول ستنهاردت الذي أثار جدلاً بزعمه في سنة 2007 م أن بلاط ضريح إمام الدرب في أصفهان يمثّل تكرار شبه دوري مثل تبليط بنروز.
يقول هنري فوسيون: ما أخال شيئًا يمكنه أن يجرّد الحياة من ثوبها الظاهر، وينقلنا إلى مضمونها الدفين مثل التشكيلات الهندسية للزخارف الإسلامية، فليست هذه التشكيلات سوى ثمرة لتفكير قائم على الحساب الدقيق، قد يتحول إلى نوع من الرسوم البيانية لأفكار فلسفية ومعانٍ روحية،غير أنه ينبغي ألا يفوتنا أنه خلال هذا الإطار التجريدي تنطلق حياة متدفقة عبر الخطوط، فتؤلّف بينها تكوينات تتكاثر وتتزايد، متفرقة مرة ومجتمعة مرات، وكأن هناك روحًا هائمة هي التي تمزج تلك التكوينات وتُباعد بينها، ثم تُجمّعها من جديد، فكلّ تكوين منها يصلُح لأكثر من تأويل، يتوقف على ما يُصوّب عليه المرء نظره ويتأمله منها، وجميعها تُخفي وتكشف في آنٍ واحد عن سر ما تتضمنه من إمكانات وطاقات بلا حدود>
كما زعم كيث كريتشلو أن الزخارف الإسلامية صممت لجذب الناظر إليها لفهم الحقائق الضمنية، وليس فقط الزخرفة الظاهرية. وقال ديفيد ويد أن: معظم الفن الإسلامي سواء في العمارة أو الخزف أو المنسوجات أو الكتب هو فن زخرفة. كما زعم ويد أن الهدف الخفي من الزخرفة تحويل المساجد إلى هيئة جميلة ومشرقة، كما أن زخرفة صفحات القرآن تجعلها مدخلاً إلى اللا نهاية.
وعلى النقيض، قالت دوريس بيرنز-أبو سيف في كتابها «الجمال في الثقافة العربية» أنه هناك فارق كبير بين التفكير الفلسفي في أوروبا العصور الوسطى والعالم الإسلامي، اذ أن مفاهيم الجمال والجودة في الثقافة العربية ليست واحدة. كما زعمت أن الاستمتاع بالجمال سواء في الشعر أو الفنون البصرية كان استمتاعًا بالجمال ذاته، من دون التطرق إلى المعايير الدينية أو النفسية.
الزخرفةِ التصويريّة
كانت الكائنات الحيّة وسيلةً تستعمل كمادة في الأعمال الزخرفيّة، اتخذها الفنانون قديماً كأحد الأشكال الأسطوريّة، ولأن استعمال الكائنات الحية وسيلة للتصوير يُعد شكلاً من أشكال الوثنيّة، فقد رغب الفنانون المسلمون بالابتعاد عنها للقضاء على المظاهر الوثنيّة، وأخذ هذا النوع يتلاشى تدريجيّاً، وحلت الرسوم الجداريّة بديلاً عن هذا النوع من الزخرفة.