بسام فرج.. ستون عاماً من التحدي

لندن – ابتسام يوسف الطاهر:

استضاف المقهى الثقافي العراقي في لندن الفنان التشكيلي الكاريكارتيريست بسام فرج، في أمسية مميزة بالحضور الكبير للمثقفين والمهتمين بالفن من العراقيين.

قدم الامسية الفنان التشكيلي فيصل لعيبي معرفا بالفنان الضيف، وبتاريخ فن الكاريكاتير في العراق، وقال: بسام صديق وزميل وفنان، عملنا معا منذ الستينيات، فهو علامة فارقة بالرسم الساخر العراقي، وهذا الفن له إمتدادات منذ الثلاثينيات والعشرينيات من القرن الماضي.
ثم استعرض الفنان لعيبي الصحافة الكاريكاتيرية في العراق، وابرزالرسامين فيها مثل: «مرقعة الهندي»، «كناس الشوارع» و»قرندل»، وغيرها، إنتهاء بـ «المجرشة».. والرسامون منهم سعاد سليم شقيق جواد سليم، ومصطفى طبرة، وفائق حسن، وعطا صبري، وحافظ الدروبي، الذين استعانوا بالرسم الساخر في صحيفة «حبزبوز».
وتابع: جاء بعدهم الرسام الساخر غازي الرسام، وغازي عبدالله، وصاحب المجموعة التي رسم فيها الأمثال والأغاني الشعبية بأسلوب شيق ورائع جدا .. وبسام فرج جاء بمنعطف وصل فيه الرسم الساخر في العراق حدة.. هناك خطوة يجب ان تحدث، فكان بسام هو رائدها وبطلها ومنفذها حقا، فأعماله تتمثل بالرسم الساخر العراقي الحديث».
وأضاف: ان رسوم بسام امتازت ببساطة في الخطوط، والتوسع في المساحات، والإختلاف في الألوان، وممارسة تقنيات تواكب التطور التقني، وتميزت رسوم بسام بالسخرية الجادة، لان صاحبها فنان صاحب موقف وقضية وناقد اجتماعي جاد ويسبر أغوار المشكلة السياسية والثقافية والإجتماعية، كما في «معالجة قرارات (والي) بغداد السابق ابان فترة النظام المباد في قمع حريات الناس الشخصية مثل صبغ سيقان الفتيات وقص شعور الشباب، انتقدها بسام برسوم ساخرة، برغم قوة النظام وتسلطه وعنفه، أتذكر انه رسم شرطيا يمسك فرشاة صبغ عريضة ويحدق بسيقان امرأة تمر امامه، فكان ذلك الرسم رصاصة صوبها بسام الى تلك القرارات القرقوشية.

عرف فن الكاريكاتير منذ القدم، فقد عرفه المصريون القدماء والآشوريون، ويرجع تاريخ أقدم رسم كاريكاتوري إلى عام ١٢٥٠ق.م، اكتشف في مقابر وادي الملوك بمصر القديمة.
كانت بداية انتشاره في وسائل الإعلام الأوروبية والأميركية في القرن الـ١9.. ويعد هذا الفن من الفنون النادرة والصعبة، فيجب أن تتوافر في الفنان اضافة لموهبة الرسم، التقاط الحدث بدقة وتميزه بالشجاعة وبروح السخرية والبديهة لإيصال فكرته للمتلقي. فقد يكون الكاريكاتير ابلغ من مقال مطول وأسرع وصولا لذهن المتابع بل وأكثر تأثيرا بالمتلقي. والكاريكاتير بالإمكان عده لغة عالمية يمكن فهمه والاستمتاع به من دون اللجوء الى لغة مباشرة. مثل الكاريكاتير السياسي، والاجتماعي، والفني.
وكان العديد من الفنانين قد تعرضوا للاعتقال والسجن وحتى القتل، لأنهم رسموا صورا ابلغ وأكثر تأثيرا من أي منشور سياسي. اليوم أصبح فن الكاريكاتير اكثر انتشارا وفعالية لتعدد وسائل الاعلام وسهولة وسرعة الانتشار من صحافة الى انترنيت وتلفزيون. وبقدر ما يمنحه فن الكاريكاتير من متعة وجمال وفكاهة تدخل احيانا السرور الى نفوس الناس، بقدر ما يحفز فيهم روح النقد والرفض لبعض السلبيات.

عرض خلال الامسية فيلم قصير أعده المقهى عن فن بسام وحياته. عرفنا من خلاله انه ولد في ١٩٤٣ في محلة رأس القرية ببغداد، لأب كان يعمل في مجال النفط، ولذلك تنقل بسام للعيش في أماكن عدة، أينما كان يتنقل والده، فعاش في البصرة والرمادي وكركوك وبغداد، وهذا ما يفسر دراية بسام العميقة لكل جزء من تراب الوطن.
وصف الفيلم الفنان بأن بسام صياد ماهر للنكتة والسخرية والنقد اللاذع، كما عرض الفيلم حقلا آخر من اعمال الفنان، فقدم مشهدا من مسلسل عربي للرسوم المتحركة بعنوان (زعتور) .
بعدها شكر الضيف الجمهور، وقال انه يحاول إيصال فكرة بسيطة، وان رسام الكاريكاتير يجب ان يعبر عن طموحات الناس في بلادنا خصوصا واضاف: معاناة اليوم أصبحت مضاعفة، ورسام الكاريكاتير يعاني من ضغوطات من الحكومات المتعاقبة، لان المسؤول يخشاه، وليس هناك من مسؤول رسمته، لم يفتعل مشكلة معي، وأغلب زملائي الرسامين في بلدنا يعانون، وأضطر الكثير منهم الى الهجرة، لكثرة التقييدات عليهم، وقبل مدة وجيزة أعتقل الرسام عبد الحليم ياسر وأودعوه السجن لأنه رسم كاريكاتيرا لم يعجب المسؤولين، ولم يطلق سراحه إلا بعد احتجاجات عمت وسائل التواصل الاجتماعي، وجرى اعتداء على الفنان سلمان عبد الذي أقام معرضا، فدخلوا المعرض عنوة، مما أضطر بعض الناس الى تهريبه من الباب الخلفي، لكن المهاجمين كسروا لوحات المعرض، بعد فشلهم بإعتقاله، ورسام آخر، الراحل أحمد الربيعي، هجموا على الصحيفة «الصباح الجديد» التي يعمل فيها بالسلاح وأرادوا قتله لأنه رسم كاريكاتيرا لشخصية إيرانية، مما أضطره الى الهرب الى شمالي العراق وبسبب معاناته من مرض القلب وافاه الأجل هناك.

وذكر بسام فرج ان السلطات دائما تحذر وتتخوف من رسام الكاريكاتير لأن رسومه تثير القاريء وافكاره النقدية وتصل بسرعة الى الجمهور، ولأنه يسهم في نشر الوعي بين الناس ويحثهم على المطالبة بحقوقهم، في حين تسعى السلطات الى تجهيل الناس.
عرض المقهى فيلما آخر تضمن نماذج من الرسوم الكاريكاتيرية لبسام فرج احتوت على مواضيع سياسية وطنية مثل المحاصصة والطائفية ونقص الخدمات والأمية والبطالة ونقص الخدمات الصحية والماء والكهرباء واستشراء الفساد المالي والإداري والمحسوبية والرشوة ونهب المال العام وتردي التعليم …الخ.
كما تحدث عن تجربته مع فنانين آخرين في رسوم الأطفال في «مجلتي» و»المزمار» وكيف استقبلها أطفال العراق. وعقب الفنان لعيبي ان نجاح «مجلتي» تجلى في تميز رساميها بعدم تقليدهم للمجلات الغربية.
في نهاية الامسية كانت هناك مداخلات عديدة منها لعبد الرحمن أبو زينة بشأن البيئة الخطرة التي يعمل بها الفنان، وتساءل على ماذا يركز الفنان لجلب المشاهد، هل اللون ام الفكرة ام الهدف؟ فأجابه بسام: انه كثيرا ما يطرح عليه هذا السؤال، اين يجد الفكرة؟ وانا اجيب دائما ان البيئة تطرح كل الأفكار التي هي نفسها تنادي الفنان لكي يتناولها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة