الصباح الجديد – متابعة:
من الأغاني العراقية التراثية والتي قام بأدائها أكثر من مطرب، حتى ضاع اسم مطربها الأصلي، اغنية يردلي، وكانت مثار تساؤلات عدة، اذ ان الكلمة ليست متداولة باللهجة العراقية ولا يعرف معناها الكثير، فما هي حكاية الاغنية؟ وما معنى كلمة يردلي؟
تقول الحكاية كما يرويها الباحثون
أن شابا مسيحياً من مدينة ماردين كان عشق صبية من عائلة غنية جدا، لذا كان من الصعب أن يتزوجا، ونتيجة لهذا نتجت الأغنية وانتشرت كالنار في الهشيم في ماردين لتنتقل بعد ذلك إلى سهل نينوى ومن ثم لمدينة الموصل. بعض الرواة يقولون إن “يردلي” هو اسم الفتاة.
وثمة من ذهب إلى أن المفردة تركية وتعني “الفتاة المدللة” (يارـ دلي) ما يغلّب الظن أنها كانت من عائلة غنية عكس العاشق المنحدر من بيئة فقيرة. وقد تكون تلك القصة من صنع الخيال، اذ انها لا تختلف كثيرا عن قصص العشاق الخالدة على مر الازمان، والتي انتهت بالفراق، بسبب خلاف مثل روميو وجولييت وقيس ابن الملوح، او قصص أخرى كان الفارق الاقتصادي بينهما هو الحائل دون إتمام زواج العاشقين.
بعض الباحثين يرجحون أيضا أن زمن القصة يعود لعام ١٨٧٥ على وجه التقدير وأول من غنى الأغنية مطربٌ أرمني هاجر من ماردين جنوب ديار بكر إلى الموصل واسمه (جبّو) سنة ١٩١٦.
ويقال أن المطرب المزعوم اعتاد غناءها في ما يسمونه هناك بـ”الروبال”، وهو مجرى الماء المحاط بالأشجار حيث ينصب الموصليون “العرزال” أي السقائف المصنوعة من جذوع الأشجار وأغصانها او كما هو معروف اليوم بيت الشجرة، أي بيت مصغر يصنع على اغصان الشجرة من الخشب فقط، ويستعملونها الناس صيفا في أثناء نزهاتهم العائلية.
يقال أيضا إن الأغنية انتشرت في منطقة حمام العليل بفضل مطرب اسمه توفيق محمد، وكان هو الآخر مهاجرا من ماردين شأنه شأن ابن علي الصفو وسيد سلمان قندرجي وسيد سلو الجزمجي وغيرهم.
واختلفت الروايات بشأن القصة التي نتج عنها تلك الاغنية الجميلة، وبشأن اول من قام بغنائها، والظروف التي أحاطت بالأغنية وبصاحبها، لكن يبدو ان كل مصادر المعلومات اتفقت على انه من ماردين. وبين هذه المعلومة وتلك تبقى الاغنية من اجمل الأغاني التراثية التي ابدع الشاعر خلالها بالوصف الحسي ورسم الصور الشاعرية التي تأخذنا الى حيث عاش العاشقان المفترضان، والى حيث البيئة التي أسهمت بقطع الوصال بينهما.
تقول كلمات الاغنية:
شرباتكم باغده.. وسطوحكم عالي.. عيني قتلني العطش.. بالله ارحمو حالي.. مريت من بابها.. تتنفس الوردي.. راس ابغتا من ذهب.. وابريسمه هندي.. لدعي من رب السما ليلة غدا عندي.. لفرش فريش الهنا ومخدته زندي.
وقد كتب حرف الغين بديلا عن حرف الراء حيث ان سكان مدينة الموصل ينطقون حرف الراء كما ينطقه الفرنسيون.