فاخر محمد: رضا فرحان وعقيل خريف يلتقيان في الرؤية الابداعية لموضوعة عاشها الانسان العراق
رضا فرحان: الانسان ذكريات أحلام تباع في عالم الخردة
عقيل خريف: لا قيمة للإنسان في عالم تقوده آلة الخراب
الصباح الجديد ـ فهد الصكر:
كتب الفنان فاخر محمد عن معرض « نشيد الفجيعة» للنحاتين رضا فرحان وعقيل خريف قائلا:
رضا فرحان، وعقيل خريف، فنانان يفصلهما فارق زمني بالعمر، ولكنهما يلتقيان في الرؤية الابداعية لموضوعة عاشها الانسان العراقي خلال السنوات الماضية ومازالت آثارها نعيشها يوميا، الحرب والإرهاب، والوجود الإنساني المهمش والمضطرب، في محيط، وبيئة، تتساوى من خلالها قيمة الانسان ومصيره، مع قيمة علبة الكولا، اعمالهما نابعة من مشاهدات ومعايشة، ذاكرة مستعادة لأحداث حصلت.
وكل حسب طبيعة رؤيته واسلوب تقنيته، فرضا فرحان قدم عمله من خلال استعمال تقنية البرونز واضعا رأسا بشرية في عربة خشبية، تستعمل كثيرا في الاسواق الشعبية العراقية، فالأسواق كانت مسرحا مفتوحا للعبوات الناسفة والسيارات المفخخة، والفنان هنا استعمل العربة الخشبية للدلالة على ما وصلت اليه قيمة الانسان، ووجوده، واقعية صادمة، لا تزويق فيهـا، واقعيـة عراقيـة بامتيـاز.
عقيل في عمله هذا يقدم رؤية فردية للفن الجاهز، والمستهلك، علب الكولا جمعها لتكون مشهدا بصريا لصرخة موحدة، علامات مرمزة لأفواه مفتوحة صرخات سمعناها كثيرا خلال الـ٤ سنة الماضية، وازداد صدى المها خلال الـ١٢ سنة الماضية، صرخات الضحايا على الأرصفة، والشوارع والأسواق، تقنية عقيل في العمل قدمها برؤية متقدمة، فهو من الفنانين الشباب المؤمنين بالخطاب البصري الموازي للتحولات الكبرى التي حصلت في العالم والمنطقة العربية، قناني الكولا التي جمعها عقيل في عمله هذا، تقترب كثيرا من سعر الرصاصة التي انهت حياة الكثير من العراقيين .
يقول الفنان فاخر محمد: معرض الفنانين ( رضا وعقيل ) هذا، جزء من نشيد الفجيعة، الذي مازال يتردد صداه في كل شارع ورصيف ومقهى وبيت ومدرسة يوميا .
ذلك ما ندركه ونعيش تفاصيله بكل ذهول ودهشة في المعرض المشترك للفنانين (رضا فرحان وعقيل خريف) والموسوم « نشيد الفجيعة « والذي أقيم أخيرا على قاعة الفنون التشكيلية في جاليري «برج بابل».
ضم المعرض عملا لكل واحد منهما، جسدا فيه شكل الحزن الدامي في تداعياته المبثوثة في كل الأماكن التي يهرب اليها الكائن البشري، وهو يتوجس خيفة من شيء ما، يرافقه ظلا صارخا من حوله ومن خلفه، كل الجهات صار شكلها لوح « فجيعة « ولا يرسم قادمها أي صورة للأمل، أو معنى للسلام المختبئ خلف جدارية «فائق حسن».
يقول رضا فرحان عن وجع وامثولة عمله والذي هو عبارة عن رأس محمول في عربة كتلك التي يستعملها الفقراء في الأسواق الشعبية كمثال للعيشة: الرأس هنا رمز الانسان، ذكريات أحلام، وطموحات، وألم، وفرح، هي ذاته، القليل يهتم بما يتركه من يغادر الحياة، وفي النهاية ترمى أو تباع أو تكون ملك شخص جديد.
ويضيف فرحان: شاهدت هذا في أسواق الخردة وأسواق الهرج، تباع الكثير من السلع أو المكتبات والكتب والأنتيكات أو لوحات عزيزة، دفاتر ذكريات هي لأناس في يوم كانوا يعشقون ما يملكون ولا يفرطون به أبدا، ولكن هي سنة الحياة، تباع في عربات تحت جسر النهضة «.
إذن فقد عبر بنحو قاطع ما آل اليه الكائن البشري حين صارت أحلامه وأمانيه وأعز ممتلكاته في باحة، أو مزاد خرب، لقوته اليومي وسط هالة من الخراب كما صورها رضا فرحان في الرأس، وقد تدلى من أشرطة مسطحة، وأخرى متدرجة في جمجمة لا تحمل غير الذهول والدهشة.
فيما جاءت جدارية عقيل خريف، وهي بقايا « علب الكولا « أو ما يشبهها، وهو ذات المعنى المشترك مع زميله رضا فرحان، لكنه جاء برؤية وتماثل آخر.
يقول عقيل عن عمله: لا قيمة للإنسان في عالم تقوده آلة الخراب، وهي تحوله الى سلعة يباع ويشترى، يرفع الظلم رأسه، ويصغر أمامه الإنسان، وهذا العالم أصبح كئيب، التعصب الديني والعرقي أصبح عبء على البشرية، أصبح سعر الفرد يساوي قنينة كولا، وهو سعر الرصاصة التي اخترقت رأسه، ليستقر به الأمر في مكب النفايات، ما لهذا العالم المجنون يقتل فيه الانسان على الهوية لتستمر الحروب «.
هذا الجانب المعتم الى حد ما وكنا قريبين منه، هو رسالة احتجاج على كل صور الحروب ومن يقودها منزويا في مكان المراقب الذي لا يخسر سوى لحظات المتابعة لفعله الشائن بحق أجمل المخلوقات، وهي لا تحمل ولا تريد ولا تتمنى غير (السلام) والذي باتت الاشارة اليه بين قوسين وربما أدنى.