لماذا تصاعدت حدة التوترات الدينية عبر ارجاء العالم؟

بقلم نويل سوان *

اورد تقرير صدر عن مركز بيو للابحاث إن صور العداء الدينية بما فيها القيود التي تفرضها الحكومات على ممارسة الافراد لعقائدهم الدينية و الصراعات بين الطوائف الدينية المختلفة, إنما وصلت الى مستويات غير مسبوقة من قبل.
و حسب الدراسة التي صدرت الاسبوع الماضي, فأن ما يقدر بالثلث من بين 198 من الدول تفرض قيودا دينية عالية مع تأثرها بقدر اكبر من العداوات الاجتماعية المبنية على الاختلافات الدينية التي تشتمل على الاساءات الفعلية و جرائم الكره العلنية و القتل.
و عن هذه الدراسة, يعلق السيد براين غريم الذي ساهم في 5 دراسات سابقة عن هذا الموضوع, يعلق بالقول «إن هذه تعد الدراسة الاولى التي تتوصل الى إن العداوات الاجتماعية تتضمن تأثيرات دينية اوسع على شعوب العالم من قيود الحكومات على الحرية الدينية.»
لكن برغم اشارة المراقبين الى حركة الهجرة العالمية الاكبر و التكامل ما بين الشعوب التي تتوفر على معتقدات دينية مختلفة كسبب جذري, فأن هؤلاء اقترحوا إن الامتزاج من هذا النوع إنما يمكن في النهاية إن يخفف من حدة التوترات الدينية.
منذ إن بدأ مركز بيو بدراسته الاولى لتحديد حجم و مساحة الحريات الدينية في العالم عام 2007, فقد خلص المركز الى إن المضايقات الدينية موجودة في 185 دولة. و حسب الدراسة, فأن المسيحيين يواجهون القدر الاكبر من المضايقات, فيما يأتي المسلمون بالمقام الثاني من بعدهم. و قد اوردت الدراسة إن المستويات الاجمالية للعداوات الدينية تصاعدت في كل مناطق العالم فيما عدا الاميركيتين.
و في الحقيقة, فأن العديد من العلماء و الباحثين في الشأن الديني يقولون إن الابحاث المستقلة خلال السنوات الماضية إنما افترضت إن «مسيرة التعصب مستمرة,» الامر الذي يعزونه الى عدم الاستقرار السياسي و الترابط الدقيق الكبير.
اما ميروسلاف فولف, و هو بروفسور من جامعة يال, و يدير مركز يال للثقافة و الاديان, فيقول من جانبه «إن افضل ما يمكن إن ادركه من ذلك إن العولمة تعمل على تصغير حجم العالم و وضع الناس في حالة اهتزاز, بعضهم امام بعض, في مقابل حدود واقعية لا يمكن تحريكها و إن كان ممكنا تجاوزها افتراضيا.»
في الوقت الذي قدم فيه سقوط الاتحاد السوفيتي و نهاية الحرب الباردة, قدم فرصة لحرية دينية جديدة للعديد من الافراد, الا إن ذلك فتح الباب امام توترات جديد و متصاعدة.
فالبروفسور فولف الذي ترعرع في يوغسلافيا السابقة شهد بنفسه هذا التحول بالدرجة الاساس. فتحت حكم النظام الشيوعي العلماني, كان الكاثوليكي و البروتستاني يعيشان جنبا الى جنب من دون حوادث, حيث يعود ذلك الى شعور الجميع بالقمع المتساوي. و لم تظهر صور العداء الا بعد إن انتهى قمع الحكومة لتبرز الاحقاد الدفينة بين المجموعتين.
يميل الناس للتفكير بخصوص الحقوق الديمقراطية في ضوء حرية ممارستهم لمعتقداتهم الدينية, و ليس بالضرورة من خلال توسع حقوق الحرية لباقي الافراد الاخرين حينما يمارسون معتقداتهم الدينية, حسب البروفسور فولف.
و في السياق ذاته, فأن سيناريو مشابها يدور حاليا في الشرق الاوسط و شمال افريقيا, هاتين المنطقتين التي وجد تقرير بيو انهما يتوفران على اشد و ابرز صور العداء الديني.
تقول البروفسورة دانا روبرت المتخصصة في شؤون اللاهوت و الدينيات من جامعة بوسطن, و التي تدير مركز بي يو للمسيحية و الارسالية العالمية, تقول عن موضوع العداوات الدينية معلقة «حينما تنظر الى الفشل الذي يعتري امة-دولة, فانك تجد الناس يبحثون عن سبب اوسع و اكبر و اكثر قوة من الفشل الذي يختبرونه جراء سياسات حكوماتهم.» و تضيف روبرت كذلك «لذلك, يمثل الدين مجموعة مرنة جدا من التقاليد التي يمكن البناء عليها اثناء ازمنة الضغط و التوتر. و ليس من المفاجئ إن ما يبدأ على شكل علماني و معتدل إنما ينتهي به الحال الى ديني و ديني عميق اذا ما لم يحصل التغيير بالطريقة التي ينشدها الناس.»
و يقول كلا البروفسورين, فولف و روبرت, إن زيادة الروابط العالمية عبر المعمورة إنما ساعدت على تغذية الحس بأن الاديان الاخرى عبارة عن جماعات مشؤومة مكونة من «آخرين» اكثر من مجموعة افراد غير مترابطين و إن كانوا يتشاركون بعض القيم.
و حسب البروفسورة روبرت, فمع نمو ذلك الادراك, بدأ الناس برؤية العائلة في اخر الشارع و ليس كجار, و إنما كعضو في مجموعة دينية عالمية ذات اجندة دولية.
فيما يقول البروفسور فولف إن التكامل الاكبر الذي يجمع الدين مع السياسة إنما يمكن إن يكون ساما بالقدر ذاته. و يضيف فولف كذلك «إن اسوء شيء حصل لأديان العالم كان حينما تم ربطها بقوة السياسة. و بمجرد إن يصبح الارتباط واقعا, فأن من السهولة بمكان رؤية كيفية اساءة استخدام ذلك. إن تلك الاساءة يمكن إن تستخدم في الانظمة التسلطية او حتى الانظمة الديمقراطية على حد سواء.»
لكن في الوقت ذاته, فأن العولمة و الهجرات إنما يمكن إن تحمل معها مفاتيح الحل للمساعدة على محاربة الخوف المستمر من الآخر.
فعلى سبيل المثال, حينما يعمد مسلمون من خلفيات ثقافية متنوعة إن يلتقوا في مكان مثل مدينة نيويورك, فأنهم سيكتشفون إن هنالك اكثر من طريقة لممارسة عقائدهم و التعبير عن ايمانهم, حسب رأي فولف. و بالطريقة ذاتها, فانهم سينفتحون على افراد ممن يعتنقون عقائد مختلفة يمكن إن تفاجئهم لو عرفوا كيف إن تلك المعتقدات تشاركهم بعض القيم برغم اختلافها الظاهر مع المعتقدات خاصتهم.
و يضيف فولف الى انه حينما تصبح الحدود ما بين الايمان و الثقافة اقل صرامة, فأن «الدين يصبح روحانيا اكثر من منه ملزما للاخرين للوقوف على نقاط معينة من خطوط الاختلاف و الانقسام.» و يضيف كذلك, «شخصيا, فأنني اشعر بالامل في ذلك. و ارى الامل في ذلك بالنسبة للاسلام, و معه باقي الاديان الاخرى كذلك.»
من جانبها, تشير البروفسورة روبرت الى إن ذلك يحصل طوال الوقت ضمن البيئة التعليمية. و تقول روبرت انه حينما يتعرض الطلاب الى الغوص في الثقافات الاخرى من خلال الادب و سياق العمل و التفاعل المباشر, فأن هؤلاء سيبدأون بتطوير حس متوسع من الاعتماد الذاتي على الاخر. و لكن التعليم لا يمثل الحل الشامل لكل الامراض و حسب. وتشير روبرت الى «أن الناس الاكثر عنفا احيانا ما يكونون القادة الاكثر تعليما كونهم يتوفرون على المهارات اللازمة للتلاعب بالجماعات.»
اما السيد غريم, فيقول من جانبه «إن من المهم الاشارة الى إن هذه القيود الدينية و العداوات إنما تؤثر على الناس من كل الاديان و حتى على الناس الذين لا يدينيون بشيء محدد.» و يختم غريم كلامه بالقول «إن القضية ليست طائفية او حزبية او فؤية او سياسية, و إنما هي قضية انسانية تؤثر علينا جميعا.»

* ترجمة الهادر المعموري عن جريدة كرستيان ساينس مونيتور

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة