ثلاث مسرحيات لممثل الواحد

تأليف يان فابرَ
ترجمة حازم كمال الدين*

  • يان فابرَ (أنتورب، 14 كانون الأول ديسمبر 1958) واحد من أهم الفنانين الأوروبيين المعاصرين. هذا الفنان البلجيكي متعدد التخصصات. فهو مخرج مسرحي، ومخرج أوبرا، وفنان عرض، وكوريوغراف، وسينوغراف، وفنان إنستاليشن، ورسام، ونحات، ومنتج سينمائي،وهو معروف داخل بلجيكا وخارجها كواحد من أكثر الفنانين ابتكارًا وتنوعًا في جيله، ومعروفٌ أيضا بسعيه لتوسيع آفاق كل نوع فني يطبقه وفقا لرؤيته الفنية، تخرّج يان فابرَ من معهد الفنون الزخرفية والأكاديمية الملكية للفنون الجميلة.
    عام 1982 أصبح معروفًا دوليًا لأول مرة من خلال مسرحيته «إنه مسرح كما هو متوقع وكما يُنتظرُ منه» وفي عام 1984 ترسّخ حضوره الدولي من خلال مسرحيته «سلطة الغباء المسرحي» التي عرضت في بينالي فينيسيا.
    على الصعيد المسرحي قدّم هذا الفنان من عام 1987 حتى عام 2018 أكثر من أربعين عرضا مسرحيا منها ما يعتمد على ممثل واحد ومنها ما هو قصير وما هو طويل جدا.
    ولقد امتد عرضه المسرحي «جبل الأولمبيك» المقدم عام 2016 لمدة 24 ساعة، ولعل هذا العرض هو أطول عرض مسرحي في تاريخ المسرح.
    تنشأ إنتاجاته المسرحية وعروضه المتنوعة، وفقا لما يقول، بسبب الرغبة الرومانسية في تشكيل عالم بصري بطريقة خاصة وشخصية. غالباً ما يكون جوهر حكاياته مؤسسًا على ممثل يمشي ذهاباً وإياباً على خشبة المسرح، أو ممثل يقفز أو يقاتل أو يرقص. كما أنه غالبا ما يتعامل مع الألم الجسدي الفعلي الذي يعاود الظهور في عروضه المختلفة.
    يصف يان فابرَ أعماله بأنها مديح «لخيال الكذابين» وتشكل أعماله الفنية كلها سوية شكلا من أشكال دفتر اليوميات.
    في هذا الكتاب نقدمه كمؤلف مسرحي.
    وبما أن التأليف المسرحي هو نتاج عضوي للعملية المسرحية، وليس العكس، تقتضي الضرورة أن نقدمه كرجل مسرح ثم كمؤلف.

رجل المسرح
أواخر سبعينات القرن المنصرم، أثار يان فابرَ وهو في مقتبل العمر ضجيجا كبيرا كفنان أداء فأثناء العرض الذي قدمه تحت عنوان «النقود» جمع نقودا ورقية من الجمهور وأشعل فيها النار، جمع رماد النقود وانطلق يرسم بالرماد، وفي عام 1982 في عرضه المسمّى «إنه مسرح كما هو متوقع وكما يُنتظرُ منه» وضع قنبلة كاذبة في المسرح وأشعل الرعب ثم أكّد أسلوبه الفني هذا بعد عامين في مسرحية «سلطة الغباء المسرحي» بتكليف من بينالي فينيسيا. ومنذ ذلك الحين، توهّج يان فابرَ واعتبر واحدا من أكثر الفنانين تنوعا على الساحة الدولية.
إنه يعلن القطيعة مع أعراف المسرح المعاصر من خلال إدخال مفهوم (العرض في الزمن اللا مسرحي أو الزمن الطبيعي) الذي يسمى أحيانا (الانستاليشن الحي) وهو يستكشف وبتطرف الإمكانيات الكوريوغرافية كوسيلة لإحياء الرقص الكلاسيكي.
نصوص يان فابرَ تشكل مجموعة استثنائية من المصغّرات أو المنمنمات، إذا صحّ هذان التعبيران، بأسلوب يخلو من أي انغلاق، وتعكس نصوصه مفاهيمه عن المسرح الذي يراه مثل وعاء يلمّ كل الفنون جنبًا إلى جنب: الكلمة والرقص والموسيقى والأوبرا وفن العرض الحي والارتجال، الفوضى والانضباط والتكرار والجنون والمسوخ والمجهول كلها عناصر لا غنى عنها في مسرح يان فابرَ،
الحدة والاقتصاد اللذان يستخدم بهما اللغة يقتضيان حلولا مبتكرة دفعت المخرجين الذين اشتغلوا على نصوصه للبحث عنها خارج المنظومات المسرحية التقليدية
إلى جانب الطقوس القديمة والمسائل الفلسفية، يتعامل يان فابرَ مع ثيمات العنف والشهوة والجمال والإيروتيك فالجسد في جميع تجلياته هو الموضوع في بحوثه منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي.

المؤلف
كتب يان فابرَ مسرحياته في الأساس لغرض إنتاجها على خشبة المسرح في أوائل السبعينات وكذلك كتبها لرغبته في وضع خياله المتوقد منذ ذلك الحين في النسق الذي يريد ولم تصل تلك المسرحيات الأولى إلى الجمهور إلا بعد سنين، وذلك عندما عمد المؤلف بنفسه إلى إخراجها على المسرح.
مسرحياته التي تلت تلك المرحلة كُتبت بناءً على البروفات والارتجالات مع الممثل إبان التمارين المسرحية في بعض الحالات، ثمة مزيج ما بين كتابات يان فابرَ المسبقة والنصوص المرتجلة أثناء البروفات العديد من هذه المسرحيات هي مونولوجات وكثيرٌ منها كتبها المؤلف لممثلته المفضلة ألس دَكُوكلير Els Deceukelier. لكن ما يلفت الانتباه هو أن مسرحياته ذات الشخصيات المتعددة شبيهة أيضا بالمونولوجات،من الصعب على المرء أن يجد في أعمال يان فابرَ حوارات واقعية أو حكايات مستمدة من الحياة فمسرحياته يغلب عليها الطابع المفاهيمي والطابع الشعري وهي تمنح شكلا للطقوس القديمة والمواضيع التي يحبها المؤلف فضلا عن المسائل الفلسفية التي تستحوذ عليه.
لكننا نعثر في أعماله على العنف والمتعة في الحياة، نعثر على التجربة الجمالية الغزيرة والمعتمة في بعض الأحيان، وعلى الإيروتيكية والاحتفالية.
نصوص يان فابرَ الأدبية هي في الواقع نصوص تصوّر طريقة تفكيره المسرحي: فالمسرح بالنسبة له هو فنٌّ يشتمل على كل الفنون، وتأخذ الكلمة فيه مكانا وظيفيا مدروسا إلى جانب الرقص والموسيقى والأوبرا وعناصر العرض والارتجال،
إن الطريقة المقتصدة التي يستخدم فيها يان فابرَ عنصر النص تدفع إلى تبني طرائق مبتكرة في صناعة المسرح.

لماذا هذه المسرحيات الثلاث؟
على الرغم من التفاوت الزمني في كتابة هذه المسرحيات الثلاثة، وعلى الرغم من استقلالية هذه النصوص عن بعضها البعض إلا أن المؤلف يعدها ثلاثية مترابطة
هذه المسرحيات الثلاث كتبها المؤلف خصيصا للممثل البلجيكي درك روفتهوف
يُنظر إلى مسرحيات «قيصر الخسارة» و «ملك الانتحال» و «سادِن الجمال» على أنها مانيفستات عن الفن وموقع الفنان في العالم، حيث يأخذ يان فابرَ على الفور تعريف عقيدته الفنية لكامل حياته الفنية من جديد.
تتناول مسرحية «قيصر الخسارة» مهرجا يجرؤ على القول (كلا) بوجه النظام ويتطلع إلى الأفضل،مسرحية «ملك الانتحال» تتناول فنانا دجالا يدافع عن التقليد باعتباره أداة للجمال وأداة لسرعة التأثر vulnerable لكي ينتج نفسه وينتج الفن،
وأخيراً يسعى «سادن الجمال» إلى تحقيق حلمه النهائي من خلال الوصول إلى حالة من اللامرئية الكاملة لأجل خدمة سيده الجمال.

لماذا مسرحيات الممثل الواحد؟
ليس الغرض من هذه المقدمة أن تكون أكاديمية، وإنما غرضها هو أن تعطي مفاتيحَ رأيناها ضرورية للقارِئ العربي فمن ملاحظاتنا عبر مشاهداتنا الكثيرة للمسرح العربي توصَّلنا إلى استنتاج يفيد بأن ثمة حاجة للتواصل ما بين نصوص الممثل الواحد المعاصرة ونصوص الممثل الواحد التي يكتبها المؤلفون العرب.

ملاحظات تخص الترجمة..
لجأنا إلى إضافة بعض الملاحظات الإخراجية، معتمدين على العروض المسرحية التي شاهدناها لأكثر من مرة بدون هذه الملاحظات قد تستعصي إمكانية متابعة القراءة للقارِئ العربي احتراما لجوانيات النص بلغته الأصلية تخلينا أحيانا عن الترجمة المباشرة لما تعنيه الكلمة من دلالات وفضلنا التمسك بالمعنى الجواني تماشيا مع الفروق البيّنة في طريقة التلقي بين القارِئ العربي والقارِئ الأوربي لجأنا إلى عدة حلول منها تكرار كلمة هنا أو هناك ومنها إضافة كلمة إيضاحية صغيرة هنا أو هناك.
راعينا في طريقة كتابة الترجمة طبيعة التلقي العربي. في النص الأصلي يكتب المؤلف أحيانا في سطر مستقل جملة أو نصف جملة ثم ينتقل إلى سطر آخر، هذا يخلق التباس لدى القارِئ العربي لعدم معرفته سبب كتابة المؤلف بطريقة تبدو وكأنها قصيدة نثر، ويشيع لدى القاريء أسئلة خارج سياق النص. وهذا قد يدفع القارِئ العربي إلى العزوف عن مواصلة القراءة كما لاحظتُ ذلك عندما أرسلت المخطوطة لبعض المثقفين العرب.
توجد داخل النصوص مقاطع بالإنجليزية لشكسبير وفرقة البيتلز وغيرهم وتوجد كلمات وجمل بالفرنسية وأحيانا بالألمانية وقد طلب المؤلف منا أن نبقي على النصوص المكتوبة بلغات غير الهولندية بلا ترجمة ذلك أنه يتعامل بطريقة قصدية مع اللغات وبما أن المتلقي العربي غير معتاد على تداخل اللغات فإنه سيواجه صعوبة في القراءة إذا صادفته حوارات مكتوبة بلغة أجنبية لهذا قررنا بالتشاور مع المؤلف اللجوء إلى كتابة النص باللغة العربية وإلى جانبه اللغة الانجليزية أو الفرنسية أو الألمانية وتركنا الأمر للناشر وتقديراته.
ملاحظة أخيرة: اعتمدنا في الترجمة، إلى جانب النصوص المطبوعة، والعروض الحية، على فيديوات العروض المسرحية الثلاثة.
تنويه: طلبنا من الدكتور صلاح نيازي مراجعة النصوص التي ترجمناها عن الانكليزية فقام بذلك مشكورا وجاءت تقويماته كلها في مكانها الصحيح، شكرا صلاح نيازي.

  • فنان مسرحي عراقي مغترب في بلجيكا

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة