مسرحيات عراقية.. الباب

«الباب» من المسرحيات المهمة في ذاكرة المسرح العراقي واهميتها تأتي من كونها انتجت وعرضت في زمن مرتبك، مضطرب، حيث الحرب العراقية الايرانية تأكل الاخضر واليابس، ما أثر على الثقافة والفنون، كما كان اشد تأثيرا على الواقع العراقي.
الاهمية الادبية والفنية لهذه المسرحية انها كانت المحاولة الاولى للشاعر الراحل يوسف الصائغ بالكتابة للمسرح.
المسرحية عرضت شهر أذار عام 1986 على مسرح المنصور في بغداد لحساب شركة بابل للإنتاج الفني اخرجها المخرج الراحل قاسم محمد وصمم ديكورها الفنان نجم حيدر وجسد ادوارها الفنانون محمود ابو العباس واحلام عرب والدكتور عقيل مهدي.
الشاعر يوسف الصائغ كتب عن تجربته هذه في كتيب العرض: منذ سنوات وانا اعاني الطموح الى الكتابة المسرحية، ويقعدني عن ذلك تهيب حقيقي، كنت وما زال احسب ناجما عن احترامي للعمل المسرحي وحبي له وقناعتي بصعوبته ثم بأهميته، واذا كنت قد غامرت الآن بإنجاز اول تجربة لي في هذا المجال، فذاك عندي يعني انني بطريقة ما وجدت نفسي اقرب من اي وقت لقبول هذا النوع الصادق من التحدي، والنص الذي احتكم به الآن يضع امتحان ليس بصيغته الادبية كمجرد نص ادبي بل نص اسلم نفسه تماما وبتواضع للفن المسرحي وللفنانين المسرحيين العراقيين بالذات محاولا من خلال ذلك الاشارة الى حاجة مسرحنا الى جمهور الادباء في بلورة مستوى نص مسرحي عراقي متطور.
ويضيف: هل ثمة في هذه الاشارة شيء من الادعاء ربما، لكن الرهان يبقى مفتوحا، لن اتحدث عن «النص» بل ساترك له ان يتحدث عن نفسه منفصلا ثم داخل الصياغة المسرحية بانتظار ان اكتب نصا آخر، او يكتب ادباؤنا نصوصا اخرى تغني هذه المرحلة ولمراحل لاحقة تطور المسرحية في العراق».
اما مخرج المسرحية قاسم محمد فيكتب: هذا العرض المسرحي، مسعى آخر نحو تأصيل المسرح العراقي ونحو كشف عمقه وضرورته الروحية، نحو الاضافة في جانب التأثير منه، في الانجاز الثقافي والحضاري لفن المسرح، وهذا المسعى هو ردنا الايجابي على تلك الموجة الطائشة والسطحية لظاهرة المسرح التجاري التي بدأت تغزو مسرحنا العراقي، وما اسهام الشاعر المبدع يوسف الصائغ في مجال المسرح بهذا النص الرصين والعميق، الا الطريق الصائب لجعل المسرح العراقي ظاهرة ثقافية عميقة ومؤثرة ومتجددة في حياتنا الاجتماعية والفكرية المعاصرة «.
الفنان الدكتور عقيل مهدي احد ابطال هذه المسرحية تحدث لـ(الصباح الجديد) عن المسرحية وتجربته فيها: في زمن طغت فيه عروض المسرح التجاري واكتسح الكثير من منجزات مسرحنا الجاد كنت ذاهبا لإيصال مقال لي لإحدى الصحف، واذا بي اسمع صوتا يناديني، فالتفت فاذا هو قاسم محمد قال لي انه يبحث عني منذ ثلاثة أيام، وان لديه نصا مسرحيا كتبه يوسف الصائغ وكلفت بإخراجه، والآن استكمل خطته لتوزيع الادوار ما بيني وبين الفنان محمود ابو العباس للشخصيات الرجالية، والفنانة احلام عرب للشخصية النسائية، وقال لي بانه سيدمج شخصية المدعي العام والمحقق في شخصية واحدة سألعبها انا، اما الشخصية الرئيسة والمحورية، فهي شخصية الرجل التي مثلها الفنان ابو العباس، حكاية المسرحية مأخوذة من حكايات الف ليلة وليلة باسم (مدينة النحاس) التي تقضي تقاليدها بان تدفن الزوجة حية حين يتوفى زوجها، وكان علي ان اقوم بالفعل نفسه مع الزوج الذي تموت زوجته ايضا «.
ويضيف « حاول السينوغرافر الفنان نجم حيدر ان يبني هيكلا من رموز بقضبان حديدية عمودية ومستوية وفيها كف بشري تجريدي من هذه القضبان ليدل من خلالها على العدالة في زمن يبرز فيه طغاة ياتمر بهم سواد الناس اجمعهم وكان الحوار والالقاء يذكرني بمصدر طقسي مقدس وقلت للمؤلف «هل انك اتخذت مقاطع مجتزأة من نص انجيلي مقدس ام ماذا؟ فابتسم وقال لي بان النص بالكامل وكأنه في شحناته ينبيء بمرجعية مقدسة، كان قاسم محمد متفاعلا بالكامل مع مرجعيته الخاصة بالمسرح السوفييتي بكل منجزاته العريضة والملتزمة وكان مثله مثل الكاتب يريدان الانتصار الى الولادة حتى اني اندهشت لهذه الرهافة التي يحملها المؤلف والمخرج التي تخص عالم المرأة ومشاعرها وهي تعاني من الحب الذي يقود الى الانجاب فالطفل يمثل ديمومة لهذه الحياة ورمزا للمستقبل المتطور لكل شعب من الشعوب.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة