الفن.. طريق الحياة

أحلام يوسف

لو أمعنا النظر والتركيز على كل ما حولنا من ابداعات الرب لوجدنا انها تشكل دائرة زاخرة بكل تنوعات الفن ومعاييره واشكاله، هناك اللوحات الكثيرة المتحركة التي تشدنا وتبهرنا بجمالها وتناسق الوانها.
هناك مسارح وقصائد شعرية والحان وجمل موسيقية، يمكن لنا ان نستمتع بها مع سقسقة عصفور، او خرير ماء، او حفيف أشجار، هناك قصص وحكايا لكل منها، فليس البشر وحدهم من يملكون قصصا وحوارات مع بني جنسهم، بل لكل شجرة، ولكل قطرة ماء حكاية لا ندركها نحن، لكن من يشاركنا الأرض من بقية الكائنات يعرفونها جيدا.
مع كل تلك الصور نعرف ان الرب هو الفنان الأعظم، الذي وفر لنا كل هذا الجمال، لنتعلم منه، ولنستقي منه شيئا لارواحنا وحيواتنا. الفن هو كل ما يحيطنا من تفاصيل، قد لا ننتبه اليها وسط زحمة الحياة، والبحث عن وسيلة عيش تضمن لنا مستقبلا مرتاحا، بعيدا عن الخوف والقلق. لكن هذا لا ينفي وجودها، ولا يلغي استمتاعنا بها وان لم نشعر بطعمها الحلو بنحو مباشر، بسبب ايغال الأشياء المرة في حياتنا.
اهتمامنا بالفنون لا يرجع فقط لأهميتها الروحية، بل هي مهمة لتعزيز الصفات الإنسانية، او لنقل الجانب الملائكي لكل منا، اذ يولد كل فرد حاملا تناقضات الكون داخله، الخير والشر، الشيطان والملائكة، القبح والجمال، الفن هو ما يعزز جانب الخير، الجانب المشرق على وفي دواخلنا.
في حياتنا العديد من الأمثلة الشعبية يمكن لنا ان نسقطها على الفن او لنقل نسقط الفن عليها، فالمثل القائل ان كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب هو بالحقيقة فن، فهناك فن الحديث، ان تعرف متى تبدأ به، ومتى تنتهي منه، ومتى تقحم نفسك بحوار ومتى تنسحب، وهناك فن الصمت، ان نعرف متى نختار السكوت جوابا، ومتى علينا ان نتدخل، الفن هو معرفة وإدراك سبل التعاطي مع ما حولنا، ومع من حولنا.
هناك مثل صيني يقول مثلما عليك ان تتقن أداء الأمور عليك ان تتقن عدم أدائها، فان حكمة الحياة تتضمن عدم أداء ما ليس ضروريا، الفن هو اتقان ما عليك ازاء البيت ومكان عملك، وحتى إزاء ذاتك، وهو بذا يدخل بكل تفاصيل حياتنا، اذ لا ينحصر دور الفن على تعلمنا أداء اغنية ما، او اجادة لحن ما، او معرفة المعايير التي يرتكز عليها مشروع كتابة مسرحية، بل هو كل ما لنا في هذه الحياة، كي تستحق حياة ان نعيشها بكل تفاصيلها حتى المؤلمة منها.
الحزن فن والسعادة فن، وقد نحتاج الى حرفية بصورة ما، من اجل ان يتخذ أي منهما، صورته الصحيحة، من دون تخطيطات او ترنيمات تنتهك ذلك الجمال خلف تراجيديا الرؤية من داخل الذات.
الفن كوة يفتحها الفنان على ذاته حين يبني عملا يتجسد بلوحة، او قصيدة شعر، او عملا دراميا، او لحنا لأغنية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة