نبيل جعفر عبد الرضا
لقد كان الهدف الأساس من عقود جولات التراخيص النفطية هوَ زيادة الطاقة الإنتاجية للحقول العراقية إذ جرى أعطاء جميع الحقول العملاقة المنتجة للنفط فضلاً عن الحقول المكتشفة غير المطورة إلى الشركات النفطية الاجنبية في مقابل مبلغ زهيد لا يتجاوز (2) دولار عن كل برميل أضافي ينتج فوق خط الشروع في حقول (الرميلة والزبير وغرب القرنة/1) وأقل من (1.5) دولارات عن كل برميل أضافي منتج في حقول (غرب القرنة/2 و مجنون والحلفايا والغراف)، في حين كشف المكتب الاعلامي لوزارة النفط في 2/3/2015 عن معلومات خطيرة قد تكون صادمة للبعض إذ أشار المكتب الاعلامي لوزارة النفط إلى تراكم مستحقات مالية للشركات الاجنبية خلال عام 2014 تقدر بنحو (9) مليار دولار, وأن المستحقات (الكلف + الربح) لعام 2015 تقدر بحدود (4.5) مليارات دولار لكل فصل من فصول السنة الاربعة أي نحو (18) مليار دولار وهوَ اكثر من ثلث الايرادات النفطية لعام 2015 , بسبب تراجع أسعار النفط الخام في أسواق النفط العالمية والذي أدى إلى تراجع العوائد المالية للموازنة العامة لعام 2015 , وبالتالي عدم كفاية التخصيصات المالية لتسديد المستحقات المالية للشركات الاجنبية والديون المتراكمة.
أن هذا التضخم الكبير في مستحقات الشركات النفطية الاجنبية متأتي أساساً من تخفيض حصة الشريك الحكومي من (25%) إلى (5%) وغياب الرقابة على نفقات هذه الشركات التي تسعى إلى تضخيم والمبالغة كثيراً في الكلف النفطية من أجل تعظيم أرباحها للتعويض عن المبلغ الزهيد الذي تتقاضاه عن كل برميل منتج أضافي.
ثغرات
لقد لوحظ من خلال المتابعة وتدقيق معظم المناقصات التي يجري اعدادها من قبل الشركات النفطية الاجنبية وجود محاولاًت لتضخيم الكلف النفطية ويعزى السبب إلى وجود ثغرات يمكن تلخيصها بما يلي:
1 – أن صلاحية الشراء المخولة للشركات الاجنبية هي لغاية (100) مليون دولار الا أن بعض الشركات تقوم بتجزئة بعض المناقصات المتشابهة ليكون مبلغ الاحالة ضمن صلاحية الشركة.
2 – تعد جميع الاجور والرواتب ومخصصات العمالة الاجنبية عالية جداً فضلاً عن أتباعها أسلوب أخفاء المعلومات الحسابية و اللجوء إلى مفاهيم حسابية غير مفهومة للكوادر العراقية مما أدى إلى المغالاة في منح أجور ورواتب الملاكات العاملة في الشركات الاجنبية والتي تصل في بعض الاحيان إلى ما يقارب (60) ألف دولار شهرياً.
3 – أحالة مناقصات خارجية إلى شركات من جنسيتها بأسلوب الاحالة المباشرة من دون أن تخضع للشروط التنافسية فضلاً عن احالة مناقصات محلية دون الاعلان عنها في وسائل الاعلام المعتمدة بسبب قوة المناورة والتلاعب التي تتمتع بها هذه الشركات.
4 – لوحظ من خلال المناقصات المعلنة للشركات الاجنبية عدم تثبيت مناشئ المواد و المعدات المشتراة المستخدمة من قبلهم مما يسمح بجلب مناشئ غير جيدة وغير معتمدة عالمياً وبأسعار وهمية.
5 –. عدم أقتناع الشركات الاجنبية بألاجراءات الامنية التي تنفذها الاجهزة الامنية العراقية لكون العراق ما زال يعد منطقة حرب مما دفع شركات المقاولة للجوء إلى شركات أمنية أجنبية وبكلف عالية جداً.
6 – محدودية معرفة الكوادر العراقية بأليات الشراء والبحث والاستقصاء الحديثة عن أسعار المستلزمات السلعية والاجهزة الدقيقة التي كلفت العراق مئات الملايين, فضلاً عن عدم توفر قاعدة بيانات دقيقة في هذا المجال نتيجة لتوقف حركة تطوير الحقول ومحدودية العمليات النفطية المنفذة لعدة سنوات خلال مدة الحرب والحصار الاقتصادي على العراق.
7 – أن بعض الشركات النفطية الاجنبية تتولى عملية الشراء بواسطة دوائرها في بلدانها الاصلية وتدفع أقيامها مباشرة من دون أية رقابة خاصة فيما يتعلق بأسعار تلك المواد.
8 – ضعف واضح في تدريب الكوادر النفطية العاملة في أقسام المشتريات والعقود و أستشراء حالات الفساد في العقود والمناقصات النفطية التي تبلغ قيمة صفقاتها عشرات الملايين من الدولارات, فضلاً عن عدم أختيار أساليب الاعلان والتعاقد المناسبة وحسب طبيعة العقد أو البضائع المطلوبة وكذلك الخلل في أحتساب الكلف التخمينية.
نستنتج من ذلك أن الشركات الاجنبية العاملة في الحقول النفطية تسعى إلى تضخيم التكاليف البترولية لكون هذه التكاليف تستردها من أيرادات الحقول بأعتبارها تكاليف بترولية, فضلاً عن كون معظم التكاليف وأن صحت مصدرها لا قدرة للكوادر العراقية على متابعتها بدقة، كما أن كلف العمالة الاجنبية مرتفعة جداً وجميع ذلك يصب في مصلحة الشركات الاجنبية و يسبب خسارة للعراق لذا يمكن القول أن هذه العقود هي مجحفة بحق العراق مقارنة مع ما قدمتهُ تلك الشركات من معدلات إنتاج واطئة والتي أثبتت علمياً أنها أسوأ بكثير من عقود المشاركة.
كلف الإنتاج
إما كلف الإنتاج ومستحقات الشركات وعوائد الحكومة فنفضل تقديمها عبر بعض الارقام التي طرحتها دراسة السيد مدير عام العقود والتراخيص تحت عنوان “الحسابات المالية للشركات للفترة 2011-2015″، يتضح من الارقام المثبتة فيها ان كلفة استخراج البرميل الواحد في العراق في ظل جولات التراخيص وحسب المعلومات الرسمية قد بلغت نحو 8 و10 دولارا للبرميل الواحد (من خلال قسمة مجموع الكلف النفطية والاضافية واجور الربحية التي تم دفعها للشركات خلال ست سنوات وللمدة 2010 – 2015 على الانتاج الكلي) وهذا الرقم هو اعلى من كلفة استخراج برميل النفط في السعودية الذي وصل الى 9و9 دولارات وفي الكويت 5و8 دولارات واقل مما هو موجود في الامارات 3و12 دولارات وايران 6و12 دولارات حسب البيانات التي اوردها مركز الرياض للمعلومات والدراسات الاستشارية الذي يذكر ايضا بأن اعلى كلفة لاستخراج برميل النفط في العالم في بريطانيا بنحو 5و52 دولارا ثم البرازيل 8و48 دولارات ثم كندا 41 دولارات فالولايات المتحدة 2و36 دولارات. غير اننا نتحفظ على هذه الارقام اذ انها لو كانت دقيقة لتوقف انتاج النفط على الاقل في الدول الاعلى كلفة وهي بريطانيا والبرازيل وكندا وهو ما لم يحصل بالرغم من انخفاض سعر النفط الخام الى ما دون كلفة الاستخراج واذا ما اضفنا النفقات الاخرى يصبح انتاج النفط في هذه الدول عديم الجدوى من الناحية الاقتصادية. ومن جهة اخرى فقد تحفظ السيد مدير عام العقود والتراخيص على هذا الرقم (8 و10دولارات للبرميل المستخرج في العراق) ويقول (ان الكلف الرأسمالية التي تم انفاقها لحفر الآبار وبناء المنشآت السطحية بمختلف انواعها والخزانات ومنظومات الانابيب وغيرها سيستمر استخدامها طيلة مدة العقود وليس لمدة ست سنوات فقط والصحيح ان تحتسب نسبة من الكلف الرأسمالية تتراوح ما بين 20% الى 25% اعتمادا على مبدأ الاندثار وهذا يؤدي الى تقليل الكلف الرأسمالية) والمعروف ان مرور زمن طويل على استخدام الآلات والمعدات والمنشآت يقلل من كفائتها وستدخل مرحلة الصيانة الشاملة المكلفة جدا، علما ان توزيع الكلف الاستثمارية استنادا الى المعايير التي استخدمت في تطوير حقل الحلفاية تتوزع على الحو الآتي : 40% لكلف الحفر واستصلاح الآبار و 50% لمحطات الانتاج و 10% كمصاريف اخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي منع السيد مدير عام العقود والتراخيص من احتساب قسط الاندثار السنوي ضمن الكلف الكلية وتعامل مع الكلف الرأسمالية بوصفها كلفا تشغيلية ؟ الاتوجد في وزارة النفط والشركات التابعة لها حسابات حقيقية للكلف ؟ كما ان السيد المدير العام لم يفرق بين الحقول المنتجة للنفط والحقول المستكشفة وغير المطورة اذ ان الاولى تنتج معظم النفط العراقي وانفقت عليها مليارات الدولارات قبل التوقيع على عقود التراخيص واستفادت الشركات الاجنبية منها سواء بالنسبة للآبار المنتجة ام المنشآت السطحية او غيرها ولم يحسب لها اقساطا للاندثار! وسترتفع هذه الكلفة على نحو كبير عندما تضاف اليها كلف النقل والتصدير ومد الانابيب وغيرها مما سيرفع الكلفة الاجمالية للبرميل الواحد في العراق. وفي خط التفكير ذاته يقول الخبير النفطي ثامر العكيلي في مقاله المنشور في شبكة الاقتصاديين العراقيين بعنوان تقديرات كلف الانتاج المضاف من عقود التراخيص (بأن هناك خمسة مليارات متبقيات من عام 2015 ينبغي ان تضاف الى الكلف البترولية والاضافية كمستحقات للشركات الاجنبية). وبذلك سترتفع مستحقات الشركات الاجنبية الى 094و54 مليار دولار، وبذلك ستصبح كلفة استخراج برميل النفط في العراق بعد تخفيض الانتاج المضاف وزيادة مستحقات الشركات الى نحو 12 دولارا للبرميل الواحد من خلال قسمة مجموع المستحقات المالية المدفوعة للشركات المقاولة على الانتاج الكلي للحقول المشمولة بعقود التراخيص (094و54 / 497و4 = 12 دولارا).
كلف استثمارية
وبالرغم من ذلك فإن هذه التكلفة تفوق أعلى تكلفة مقدرة للبرميل في حقول النفط العراقية كما يقول الاستاذ جبار اللعيبي وهي بحدود 5 – 5و5 دولار للبرميل في عام 2003 متضمنة 2 – 5و2 دولارات ككلفة تشغيلية و 3 دولارات دولار تمثل الكلفة الاستثمارية. وهو رقم غير دقيق ايضا إذ ان ميزانية شركة نفط الجنوب لعام 2009 بلغت نحو 750 مليار دينار للانفاق التشغيلي و 160 مليار دينار للانفاق الاستثماري اي ان اجمالي الموازنة بلغ نحو 910 مليار دينار عراقي. وكانت شركة نفط الجنوب تنتج في عام 2009 حوالي 608 مليون برميل/ السنة، وبمعدل 669و1 مليون برميل يوميا. ولذلك تصبح كلفة استخراج برميل النفط من الحقول الجنوبية ما يعادل 1500 دينار/ برميل اي نحو 34و1 دولارا/ برميل (بإفتراض اولا : ان شركة نفط الجنوب قد انفقت فعليا كل موازنتها لعام 2009 بما فيها الموازنة الاستثمارية وثانيا: ان الكلف الاستثمارية قد عدت كلفا تشغيلية اذ انها لا تزيد عن 18% من اجمالي الكلف) مقارنة بنحو 8و10 دولار / برميل خلال المدة 2010 – 2015 حسب الارقام الرسمية لوزارة النفط و12 دولارا حسب ما توصلت اليه هذه الدراسة، وهو يعني ان كلفة استخراج البرميل في العراق قد تضاعفت اكثر من تسعة مرات في ظل جولات التراخيص النفطية. وهذا ما يشير بجلاء إلى النهب المنظم الذي تمارسهُ الشركات الاجنبية للأموال والثروة النفطية العراقية مقارنة مع ما قدمتهُ تلك الشركات من معدلات إنتاج واطئة.
ان كلفة تطوير الحقول العراقية حالياً قد تجاوزت كل التوقعات، اذ دفع العراق للشركات الاجنبية اكثر من 54 مليار دولار (التكاليف واجور ربحية الشركات) ومع ذلك لم يزد انتاج النفط العراقي إلا بحدود 415و1 مليون برميل يوميا في عام 2015 بالقياس الى عام 2010، وهي زيادة قليلة جدا و تتلاءم على المعايير العالمية المعروفة في صناعة النفط اذ ان زيادة الطاقة الانتاجية بمعدل مليون برميل يوميا بالمعايير العالمية تتطلب مبلغا قدره 15 مليار دولار، وينخفض هذا الرقم في العراق على رأي الخبير النفطي العراقي حمزة الجواهري الى 5 و13 مليار دولار. وهذا يعني ان التكاليف الكبيرة التي تكبدها العراق كان يمكن لها ان تطور طاقته الانتاجية بمقدار اكثر من 5 و3 ملايين برميل يوميا مما يؤشر الخسارة الكبيرة التي تعرض لها العراق بسبب عقود الترخيص.
هامش ربح
ويتضح من الارقام الرسمية لوزارة النفط ان معدل الارباح للشركات النفطية الاجنبية كان اقل من 5%، وهو معدل نعترف جميعا بأنه متواضع جدا لكنه غير منطقي وغير مقبول من الشركات الاجنبية المستثمرة في قطاع النفط لان معدل سعر الخصم لوحده في الصناعة النفطية هو 12% فكيف تقبل هذه الشركات المتعددة الجنسية بهذا الهامش البسيط من الارباح؟ الاجابة ببساطة ان الشركات النفطية تقبل بهذا المستوى المتدني من الارباح لانها تعوضه من خلال تضخيم تكاليفها. فضلا عن ان هيمنة الشركات الاجنبية على النفط العراقي وتحكمها باحد اهم السلع الاستراتيجية في العالم.
الملاحظ على موازنة 2016 انها خصصت 13 ترليون دينار لوزارة النفط أي نحو 12 مليار دولار كنفقات استثمارية و67 و3 ترليون دينار للنفقات التشغيلية أي انها خصصت اكثر 67و16 ترليون دينار لوزارة النفط على الرغم من ان الوزارة قد سلمت معظم الحقول النفطية العراقية الى الشركات الاجنبية ولم يتبق سوى اربع حقول صغيرة في البصرة لا يزيد انتاجها مجتمعة عن 120 الف برميل يوميا وهي حقول الطوبة وارطاوي ونهر عمر واللحيس, فضلاً عن حقول كركوك المتوقفة عن الانتاج حاليا. الامر الذي يؤشر حالة من الفوضى المالية والادارية والازدواجية في الانفاق في قطاع النفط العراقي. ويبدو ان جزءا كبيرا من الاموال المخصصة لوزارة النفط ستخصص لتطوير البنية التحتية وبناء وتطوير مجمعات الخزن ومد الانابيب والارصفة لتطوير القدرة التصديرية للنفط العراق وإكمال شبكات توصيل النفط إلى الموانئ العراقية في البصرة، وإكمال الموانئ الجديدة وتأهيل الموانئ القديمة.