اتفاق “أوبك +” حدد انتاج الدول الأعضاء
الصباح الجديد ـ وكالات:
إلى أين تتجه أسواق النفط في 2019، وإلى أي مدى سيتمكن اتفاق «أوبك» والمنتجون خارجها الأخير من امتصاص التخمة النفطية التي تكونت في السوق؟.
تساؤل يشغل بال المستثمرين في أسواق الطاقة من مصارف وتجار نفط، كما يؤثر على ميزانيات الدول المنتجة وربحية شركات النفط العالمية وأسهم الطاقة في أسواق المال التي خسرت نحو ترليون دولار خلال دورة الانهيار الأخيرة، بين تشرين الأول وتشرين الثاني.
حتى الآن لم تستجب أسواق الطاقة بدرجة كافية لاتفاق منظمة «أوبك» والمنتجين خارجها الذي وقع الأسبوع الماضي في فيينا وقرر خفض الإنتاج بنحو 1.2 مليون برميل يومياً ابتداءً من كانون الثاني المقبل، إذ راوحت أسعار النفط حول مستوياتها قبل الاتفاق.
واعلن العراق التزامه الكامل باتفاق خفض انتاج النفط الذي توصلت الیه منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) وشركاؤها ودخل حیز التنفیذ في الاول من كانون الثاني.
وقال وزير النفط ثامر الغضبان، ان «الوزارة اتخذت اجراءات تطبیق خفض الانتاج بنسبة ثلاثة في المئة والتي تشكل نحو 140 الف برمیل يومياً من مجمل انتاج العراق بحسب النسبة المقررة لاتفاق (اوبك) وشركائها».
واضاف ان «الوزارة حریصة على استقرار الانتاج في العراق عند معدل 513ر4 ملیون برمیل یومیا في الاشهر الستة المقبلة بعد احتساب نسبة خفض حصة العراق الشهریة».
واعرب عن الامل «في تحقیق الاهداف المخطط لها من الاتفاق وبما یدعم اسعار النفط ویعید الاستقرار للسوق النفطیة العالمیة».
مضاربون
يقول مصرف «غولدمان ساكس»، وهو من كبار المضاربين على أسعار النفط، في تعليقه على الاتفاق: «إن الاتفاق سيخفف الضغوط التنازلية على أسعار النفط، ولكن الأسعار ربما تهبط مستقبلاً بسبب الاضطرابات».
من جانبه، يرى مصرف «ستاندرد تشارترد» البريطاني في مذكرة للعملاء «أن قرار خفض الإنتاج سيقود إلى توازن السوق».
وتوازن السوق يعني في اللغة الحسابية أنه سيوقف الانهيار الجاري في أسعار النفط، ولكنه لا يعني أن أسعار النفط سترتفع.
وفي هذا الصدد، يقول تاماس فارجا، من مؤسسة «بي.في.إم أويل أسوشيتس»، إنه عدا تراجع الدولار قليلاً، لا يرى أي سبب يبرر ارتفاع السوق النفطية في الوقت الحالي.
ويلاحظ أن المعدل الضئيل للارتفاع الذي شهدته أسعار النفط حدث لأسباب أخرى غير الاتفاق النفطي، من بينها إغلاق حقل الشرارة الليبي الذي سحب نحو 315 ألف برميل يومياً من الأسواق، حسب ما ذكرت مؤسسة النفط الليبية، الثلاثاء.
ويرى العديد من المحللين أن هذا الخفض غير كافٍ لامتصاص الفائض في السوق والسماح للأسعار بالارتفاع وسط عوامل النزاع التجاري المتوتر بين واشنطن وبكين، كما أن فيه العديد من العيوب، من بينها أن خفض 1.2 مليون برميل (800 ألف برميل من دول أوبك و400 ألف برميل من روسيا ودول أخرى غير أعضاء بالمنظمة)، يقل عن التخمة التي تكونت في السوق بأكثر من 1.4 ملايين برميل يومياً.
وحسب تعليقات نشرة «أويل برايس»، فإن على منظمة أوبك إذا كانت ترغب فعلاً في انتعاش الأسعار، أن تخفض الإنتاج بين 1.4 و1.8 ملايين برميل يومياً.
أما العيب الثاني في الاتفاق النفطي الأخير، فحدث بسبب إنتاج دول «أوبك» في شهر تشرين الأول، الذي رفعت فيه السعودية الإنتاج إلى أكثر من 1.2 مليون برميل يومياً، وكذلك دولة الإمارات التي رفعت إنتاجها بشكل كبير. يضاف إلى ارتفاع إنتاج النفط الروسي الذي تسيطر عليه شركات، ومن الصعب تلبية الخفض في الشتاء.
وجرى رفع إنتاج النفط في شهري تشرين الأول وتشرين الثاني الماضيين، تلبية لضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي كان يتخوف من تأثير ارتفاع أسعار الوقود في أميركا على نتائج حزبه، الحزب الجمهوري، وبالتالي فإن الخفض الذي أقرته «أوبك» لم يكن خفضاً حقيقياً وإنما تم من الإنتاج الإضافي الذي كان سبباً في التخمة. ويذكر أن هذا الخفض الذي أقره المنتجون سيبدأ في كانون الثاني المقبل.
توقعات
أما على صعيد توقعات أسعار النفط في العام المقبل، 2019، فيلاحظ أن هنالك ثلاثة عوامل رئيسية ستسهم في تحديد الأسعار، أهم هذه العوامل هو الطلب العالمي على النفط والذي سيحدد وفقاً للنمو الاقتصادي العالمي.
وحتى الآن يؤثر التوتر التجاري بين بكين وواشنطن والشكوك حول توجهات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو ما يعرف بـ»بريكست»، إضافة إلى اضطرابات فرنسا ومشاكل إيطاليا المالية على النمو العالمي.
ويقدر تقرير مصرف «غولدمان ساكس» للنمو الاقتصادي في 2019، أن ينخفض معدل النمو العالمي في العام المقبل من 3.8% الحالي إلى 3.5%، وفي أوروبا من 1.9% إلى 1.6%، وفي الصين من 6.5% إلى 6.3%، كما يشير كذلك إلى احتمال تباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي.
يذكر أن الطلب النفطي العالمي المقدر حالياً بنحو 100 مليون برميل يومياً، حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، يعتمد بدرجة كبيرة على نمو الاقتصادات الكبرى، خاصة الصين وأميركا وأوروبا، وبالتالي فالتقديرات تشير إلى احتمال انخفاض الطلب العالمي على النفط من مستوياته الحالية.
أما العامل الثاني المؤثر في توقعات أسعار النفط، فهو مستوى إنتاج النفط الصخري في أميركا. ومنذ ثورة «الحفر الأفقي» و»التكسير الصخري»، لإطلاق النفط المحبوس في الصخور، أصبح النفط الصخري الأميركي اللاعب الرئيس في أسعار النفط، بل أصبح يلعب دور»المنتج المرجح» بدلاً عن السعودية.
النفط الصخري الأميركي
تشير مؤسسة المسح والجيولوجيا الأميركية في إحصائيات أطلقتها هذا الأسبوع، إلى ارتفاع كبير في تقديرات النفط الصخري المؤكد في حقل «برميان» بولاية تكساس الذي يعد الأغنى والأكبر في أميركا، حيث رفعت الاحتياطات المؤكدة إلى 46.3 مليارات برميل من النفط و20 مليار برميل من النفط السائل، كما أن نشرة «أويل برايس» ترى أن كلف الإنتاج في حقل برميان ستقل كثيراً بعد هذه الاكتشافات.
من جانبها، ترى وكالة الطاقة الدولية أن إنتاج النفط الأميركي مرشح للارتفاع حتى العام 2025. وترى وكالة الطاقة الدولية أن إنتاج الخامات الصخرية في أميركا سيتضاعف من مستوياته الحالية إلى 9.2 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2025. وستمثل زيادة إنتاج النفط الأميركي «التقليدي والصخري»، نسبة 75% من إجمالي زيادة الإنتاج العالمي من النفط، وبالتالي تتوقع أن يرتفع إنتاج النفط الأميركي بنحو 1.3 ملايين برميل يومياً خلال العام المقبل، 2019.
أما العامل الثالث، فهو احتمال الغش في حصص الخفض الذي اعتادت عليه دول «أوبك» وروسيا واحتمالات الضغوط الأميركية على السعودية.
الأزمة الفنزويلية
في مقابل هذه العوامل السالبة التي من المتوقع أن تعوق حدوث أي ارتفاع في أسعار النفط خلال النصف الأول من العام المقبل، هنالك من يرى أن أسعار النفط ربما ترتفع بنحو 10 دولارات، لأسباب تعود إلى الاضطرابات السياسية في ليبيا والعصابات في نيجيريا التي تتخصص في سرقة النفط ومنع الشركات الغربية من الإنتاج، وكذلك تطور عدم الاستقرار السياسي في فنزويلا.
ويقدر مصرف «بانك أوف ـ أميركا ـ ميريل لينش»، أن تسهم هذه العوامل في سحب 500 ألف برميل يومياً من السوق النفطي، ولكنها تظل احتمالات. والمصرف، من بين المصارف القليلة التي ترى أن الاتفاق سيرفع أسعار النفط بنحو 10 دولارات في أحسن الأحوال، وهو ما يعني أن خام برنت سيرتفع في العام المقبل إلى 70 دولاراً.
أما العامل الآخر المتوقع أن يسهم في ارتفاع سعر النفط، فهو تواصل انخفاض سعر صرف الدولار. وكان الدولار، الذي ارتفع 5% منذ بداية 2018 بفضل صعود أسعار الفائدة الأميركية، عاملاً معاكساً للنفط أيضاً وغيره من السلع الأولية المُستخدمة في الصناعة، والتي عادة ما تستفيد من انخفاض العملة الأميركية.
يذكر أن النفط يباع بالدولار، ولذلك كلما ارتفع سعر صرف الدولار، كلما أصبح سعر النفط مرتفعاً على الدول الناشئة، وبالتالي تقلل المشتريات منه، والعكس صحيح.
الموقف الروسي
قالت روسيا إنها لا تستطيع خفض إنتاجها بشكل حاد، وذلك في أعقاب انتقادات سعودية بأن تخفيضات موسكو تسير بشكل أبطأ، في حين أعلنت منظمة أوبك أن سوق النفط ما تزال تواجه صعوبات.
ونقلت وكالة إنترفاكس للأنباء عن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك قوله إن موسكو ليس بمقدورها إجراء خفض حاد في إنتاجها النفطي، لكنها ستحاول أن تفعل هذا بخطى أسرع، وذلك بعدما انتقدتها السعودية بشأن وتيرة تخفيضاتها.
وأضاف نوفاك أنه توجد قيود تقنية في خفض إنتاج النفط في روسيا.
وفي وقت سابق، قال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح إن روسيا تخفض إنتاجها النفطي بشكل أكثر بطئا مما كان متوقعا.
وقال نوفاك إن روسيا ستخفض إنتاجها هذا الشهر بنحو خمسين ألف برميل يوميا، وستصل إلى المستوى المستهدف في الربع الأول.
صعوبات
في هذه الأثناء أكد الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) محمد باركيندو أنها تسعى لتفادي زيادة مخزونات النفط فوق متوسط خمس سنوات من خلال اتفاق جديد مع شركاء غير أعضاء في أوبك لكبح الإمدادات في 2019.
ويأمل باركيندو أن يظل الطلب على النفط قويا في العام الجاري، وأن يلتزم تحالف المنتجين -المعروف باسم «أوبك بلس»- بتعهداته.
ومع قلقهم من انخفاض أسعار النفط وزيادة في الإمدادات، اتفقت أوبك وحلفاء -بينهم روسيا- في كانون الأول الماضي على العودة إلى تخفيضات في الإنتاج عام 2019.
وتعهد المتفقون بخفض الإنتاج بنحو 1.2 مليون برميل يوميا، إذ سيكون نصيب أوبك من الخفض 800 ألف برميل يوميا، في حين قالت روسيا إنها ستخفض إنتاجها بمقدار 228 ألف برميل اعتبارا من كانون الثاني الحالي.
وقال باركيندو «ما نزال نواجه صعوبات.. الهدف الأساسي تقديم مساعدة طوعية لأسواق النفط حتى تظل متوازنة في 2019، من خلال ضمان تفادي زيادة المخزون فوق متوسط خمس سنوات».
وفي إشارة إلى هبوط سوق النفط بين عامي 2014 و2016، أضاف باركيندو أن «قطاع النفط لا يتحمل العودة إلى الهبوط مجددا بعدما مر بأطول وأصعب دورة».
وتابع «لا نزال متفائلين بأن الطلب سيظل قويا أثناء العام.. أثبتت الدول المشاركة (في اتفاق خفض الإمدادات مع منتجين غير أعضاء بأوبك) التزامها بالعمل سويا لدعم استقرار السوق».