في مثل هذا اليوم 9-9 من عام 2001 رحل الابن البار لمدينة الموصل القائد الوطني البارز عبد الرحمن القصاب. في دمشق منفاه الأخير رحل كما كان دائماً شامخاً ونقياً كقطرة المطر، لم تفلح بتلويثه كل انواع الحملات الظالمة التي شنت ضد سيرته الشخصية والعامة المترعة بكل ما يمكن ان يفخر بها البشر. هذا الانسان الذي يعرفه جيداً ابناء الموصل قبل غيرهم، الذي قال عنه المؤرخ الاميركي من اصل فلسطيني الاستاذ حنا بطاطو: (لقد انحاز غالبية سكان حي المكاوي في الموصل للحزب الشيوعي العراقي بسبب انتماء عبد الرحمن له). لقد انحاز مبكراً الى جانب قضايا شعبه العادلة خاصة الكادحين والمحرومين منهم، برغم انحداره من عائلة ميسورة الحال (تجار مواشي وخيول) الا انه وجد بالحركة الوطنية والديمقراطية، ذات المنحى الانساني واليساري ما ينسجم وقيم العدل ومواجهة الظلم بكل اشكاله، والتي تشرب بها منذ نعومة أظفاره.
نتذكر عبد الرحمن القصاب اليوم، ومدينته الموصل سلمت من قبل من عادوه حياً وميتاً الى أخس وأبشع ما عرفته المجتمعات البشرية من مخلوقات وقيم، الى ما يعرف اليوم بـ (الدواعش) هؤلاء الذين تصدى لهم عبد الرحمن ورفاقه ربيع عام 1959 أبان باكورة الغزوات التي شنت ضد أحلام العراقيين المشروعة (الجمهورية الاولى).
واليوم نشاهد كيف يفضح الراحل الكبير؛ محافظ الموصل الذي سلم المدينة التي اؤتمن عليها الى أحط البشر، من دون ان يكلف نفسه وارتال حمايته باطلاق ولو حجارة واحدة نحو من حول (حرائر) الموصل الى سبايا وجوار لحثالة المجتمعات الفاشلة. هذا الشخص (المحافظ) وبالرغم من كل العار الذي لحق به، لم تتحرر ذاكرته المسمومة وبعد أكثر من نصف قرن على غزوتهم الاولى من؛ محاولة الاساءة للضد النوعي لكل الاشكال الداعشية ورمز العراق المشرق الراحل الكبير عبد الرحمن القصاب. وهنا لا بد من التوقف كثيراً عند الاسباب التي تدعو مثل هذه المخلوقات لحمل كل هذه الكراهة والحقد ضد هذا الانسان الذي لم نعرف له مثيلاً، بالصدق والشجاعة والنزاهة وحب الناس من دون تمييز.
ان هذه المواقف اللامسؤولة تجاه حملات التشويه المنظمة والطويلة ضد خيرة ما انجبته هذه التضاريس القديمة من أحرار وثوار حقيقيين (لا مزيفين كما هو سائد اليوم) هو الذي اوصلنا الى ما نحن عليه من حال لا تحسدنا عليها كل دواب الارض.
في هذه الذكرى المؤلمة لرحيل هذا المناضل الانسان الذي كرس كل حياته ومواهبه، من أجل قضايا شعبه العادلة وكل ما يمكن للبشر الافتخار به. ادعو كل من لم يتعرف عليه وعلى امثاله من النجوم التي توهجت في عتمة ليلنا العضال الذي شرع ابواب وطننا المستباح لكل قوافل الهمجية والظلام، لان يرددوا ولو بقلوبهم هذه التعويذة المجربة:
امدانه.. امدانه.. امدانه.
وعسى ان تنتشلهم هذه المفردة العراقية النقية من الحال الذي ارتضوه لانفسهم ومستوطنتهم القديمة كحايط نصيص لنفايات الاقوام والامم.. أما الراحل الكبير وأمثاله فلهم المستقبل والأجيال غير المعطوبةوالقادرة على التعاطي مع.. ما يمكث في الأرض.
جمال جصاني