محمد عبد الغني
يحاول هذا الكتاب لمؤلفه الدكتور خالد محمد عبدالغني الذي يقع في250 صفحة من القطع المتوسط، ومن خلال ثمانية فصول تقديم قراءة تطبيقية للنص الروائي تهدف إلى إضاءة النص وإبراز الجوانب التي تتعلق بعلم النفس والتحليل النفسي ، والإضطرابات النفسية ، حيث التعريف أولاً بالمصطلحات والمفاهيم النفسية التي ستدور حولها القراءة التفصيلية لكل عمل روائي ، وبعد ذلك عرض التطبيق التحليلي للنص من خلال الشخصية المحورية – بطل الرواية -، استناداً إلى تلك المصطلحات حتى لا تكون القراءة مجرد شرح وتفسير وعرض لخصائص النص الروائي بمجموعة من المفردات والعبارات البلاغية المغرقة في الغرابة. ويتناول الكتاب في فصوله الموضوعات التالية :
أولا: المؤثرات الأسطورية ومعالم النرجسية وتجلياتها في شخصية رادوبيس والفرعون الشاب – في رواية رادوبيس لنجيب محفوظ – وكيف انتهى بهما المطاف إلى تحقيق أبعاد الأسطورة وهي « الحب والعزلة والموت « رادوبيس اتجهت للانتحار عن طريق تناول السم ، والفرعون الشاب ثار عليه الشعب وقتله، وبهذه الثورة على الملك الشاب تحققت الرؤية القائلة بأن الأوليجارشيه نمط من الحكم تستعر فيه رغبة الحاكمين في الاستحواذ على الامتلاك والاستمتاع الشخصي بالحياة ، وهذا النمط من شانه أن يقسم المجتمع إلى حاكم محتكر للثراء وشعب من نصيبه الفقر والحاجة ، وعادة ما ينتهي حال الاستقطاب بين الغني والفقير إلى تفجر الصراع الغاضب الذي تميل فيه الكثرة المعوزة إلى الإطاحة بالقلة المترفة، وهذا ما حدث تماماً مع الملك الشاب.
ثانيا: «أَدِيب» في رواية طه حسين التي سميت أيضاَ باسمه ، وتتضح في شخصيته ملامح البناء النفسي لأعراض اضطراب جنون الاضطهاد والعظمة المعروف بالبارانويا، وكيف انتهى به الحال في إيداعه بإحدى المصحات العقلية في باريس، ومن ثم العودة لقريته في صعيد مصر ، ومما ميز أديب النظارية التي تعرف بأنها نزعة غريزية جزئية تقوم على تشبيق الأحاسيس البصرية، وعندما تكون مسرفة الشدة فهي تقاوم الانتظام تحت زعامة الإنسالية، والنظارية هى الوجه الموجب للاستعراضية، وقد يحدث تعالى بالنظارية فى اتجاه الفن بأشكاله المتعددة أو البحث العلمى، وقد نجد الغرائز الجزئية فى الحياة النفسية اللاشعورية لدى العصابيين ، وآنذاك فإن كل انحراف ايجابى سيصاحبه نظيره السلبي فمن يكون فى لاشعوره محباً للاستعراض يكون فى الوقت نفسه نظارياً وإن كان مظهر واحد فحسب هو الذى يقوم بالدور الغلاب فى الصورة المرضية. وقد كانت النظارية لدى أديب منذ تعرف على طه حسين.
ثالثا : الشيخ عصفور في يوميات نائب في الأرياف لـتوفيق الحكيم، والمجذوب هو الذي ينطق بالحكمة أوالهذيان وأبو صفارة الذي يمثل ضحايا الحروب في مجموعة حوريات الضوء لإبراهيم عطية ومعرفة كيف ظهرت اللغة الخاصة بالمجذوب وهي لغة مليئة بالرموز التي تكشف الحقائق وتنير الطريق للباحثين عن الحقيقة وها هي كلمات الشيخ عصفور المليئة بالايجاز الذي يسمح بكثرة التأويلات عندما يقول «:فتش عن النسوان تعرف سبب الأحزان» هل يمكن أن نذهب إلى أن الشيخ عصفور قد عرف القول الفرنسي- فتش عن المرأة – دائما – في المشكلات ، ويقيناً أن الشيخ عصفور لم يطلع على الثقافة الفرنسية ولا العربية ولكن بوعي وإلهام ولغة غير لغة العامة يستبصر عصفور بحكمة لا نقول فرنسية ولكن حكمة إنسانية تدعونا للنظر في الأحداث والوقائع وعن دور المرأة فيها ، ولعل عصفور قد استدمج في اللاشعور الحكمة القائلة وراء كل عظيم امراة ، ووراء كل فاشل عدة نساء ،،، وهنا نتأكد أن عصفور تصدر الحكمة عنه لا عن وعي بها ولكن عن لغة خاصة تتعلق بالجنون الذي يصبغ العقل والتفكير بلغة لها قانونها الخاص ذلك القانون الإلهامي البعيد عن المنطق تماماً.
رابعا: الدكتور شوقي ذلك الشاب الإخواني الذي توحد بالمعتدي، فأصبح عدوانيا وانتهازيا ، وكيف ذاب في الجماعة وضاعت هويته الشخصية، وعباس الزنفلي ذلك العسكري الأسود (الجلاد) الذي أصيب بالجنون حتى وصل لمرحلة أن يأكل لحم ذراعه بعد مرحلة الإدمان وترك الخدمة في الشرطة، وذلك في قصة العسكري الأسود لـيوسف إدريس وفي تفسير ذلك العدوان وتمزيق الجسد تصبح نظرية لاكان عن الاصل الخيالى للعدوانية قادرة على تفسير ذلك العدوان الموجه نحو الذات لدى عباس الزنفلي حيث تساعد – النظرية- فى شرح الصفة الواضحة والغامضة للتجربة البشرية المتعلقة بفكرة البعد الجسدى والتمزيق.
خامسا : فاطمة تعلبة الأم المصرية الحاكمة للأسرة والمتمرسة في العلاج النفسي كونها تحمل خبرات وتاريخ المرأة الريفية الأصيلة ، وكيف قامت بدور شهرزاد في علاجها النفسي لشهريار حين كانت تعالج زوجات أبنائها في رواية الوتد لخيري شلبي ، كما يعرض الكتاب جوانب الأمومة ممثلة في ديناميات العائلة المترابطة، والناجحة وشخصية الحاجة فاطمة تعلبه التي مثلت الوتد للأسرة المصرية في الريف المصري قديماً وحديثاً يتبين أن هذا العمل كان من الممكن أن يكون رواية أجيال، بحيث تكون شخصية كل ابن وزوجته وأبنائه محوراً للتصاعد الدرامي فيما قبل وبعد وفاة فاطمة تعلبة لنرى هل استطاعت العائلة المترابطة الاستمرار بعد وفاة الوتد الذي كان يربطهم في مكان واحد وبهدف واحد أم لا ؟.
سادسا : أحمد الرجل الذي أصابته أزمة منتصف العمر وهو على مشارف الستين عاما فأخذ يعاني من أعراضها ، ودنيا تلك الزوجة التي خانت زوجها فكان جزاؤها الإنتحار في عتبات البهجة لإبراهيم عبد المجيد ، وانتحار دنيا كان فعلا نفذته هي لرغبة أرادها أحمد في لاشعوره ( فالحقيقة النفسية أن الذي تمنى أو أوحى لشخص ما بفعل ما إنما في حقيقة الأمر مشارك له بل يعد الفاعل الأول من الوجهة النفسية) ولهذا نجد أن انتحارها كان بعد أن استفحل مرضه بالقلب وأصبح من الصعب أن يجمع بين العقاقير المنشطة والعقاقير الخاصة بعلاج القلب، ومن هنا فقد أدرك صعوبة استمراره في معاشرة دنيا المعاشرة التي كانت تجعلها حريصة على مصاحبته، وبدأ يتأخر عن مواعيده معها، وبدأت دنيا تصاب بنوبات من الإكتئاب نتيجة بعده عنها ، فأخذ أحمد يفكر في مشاهدة أفلام تشجع على الإنتحار لفتيات يعشن انحرافات جنسية مثلها ومن ثم تهيأت نفسياً للانتحار.
سابعا: خليل الموظف الذي بلغ سن المعاش ويعاني من أعراض الشيخوخة، وإحسان زوجته التي توفيت وتركته وحيداً في «حجرتان وصالة» لإبراهيم أصلان، وبهذا يكون إبراهيم أصلان قد عرض في هدوء وبلغة سهلة وبسيطة جمعت بين الفصحى والعامية لحياة المسنين من الطبقة المتوسطة ولهمومهم اليومية ولكيفية تغلبهم على حالات فقدان الأحبة والأهل ولمشكلات المجتمع المصري في الوقت الراهن مع تحذيره من شيخوخة الطبقة المتوسطة وموت بعض أفرادها وخطورة ذلك على بناء المجتمع. كما يمكن بقليل من التأمل الوصول إلى أن الأستاذ خليل يعبر عن الأستاذ إبراهيم أصلان وأن الرواية بها جزء من السيرة الذاتية لحياة أصلان بعد بلوغه سن المعاش.
ثامنا : خديجة الأم المتسلطة وتمرد ابنتها سوسن عليها في رواية خديجة وسوسن لرضوى عاشور ، وهي رواية عبرت بعمق عن ذلك الجدل بين السلطة والتمرد في شكلها الأولي المتمثل في علاقة أم بأبنتها ثم ما نلبث أن نكتشف بالتحليل الدقيق أنه جدل يمتد ليشمل السلطة في أوسع معانيها ، والتمرد في أوسع نطاقاته أيضاً ، فخديجة كانت طفلة محبطة ومقهورة ومن ثم ستلجأ إلى التوحد بالأم والأب في تسلطهما لكي تمر مرحلة النمو في الطفولة بسلام، ولكنها لا تدري بأنها ستكون على الصورة المستبدة للوالدين في المستقبل، وهذا ما كانت تسميه «آنا فرويد» بالتوحد بالمعتدي ، وهو استدماج قيم وصفات خصائص المعتدي في داخل الذات والتصرف مثله فيما بعد، كما تبين من الدراسات النفسية أن ما يساعد المراهق على الوعي بذاته هو التوحُد السوي مع شخص ذي أهمية في حياته.