التشكيلية عادلة فاضل الإبراهيمي لـ « الصباح الجديد «:
حاورها ـ فهد الصكَر:
في العزلة يتيه الأنسان في دروب ومجاهل نسيان مرتفع ضجيجا، وتسقط تفاصيله في قاع يسدل الستار عن المحطة التي توقف عندها أثرا، ربما حادث ما.
وتبدأ أوراقه الزائدة تنسلخ من على شجرة العمر واحدة تتلو واحدة، وفي الحب يصبح هاجس الاستمرار نقيض العزلة والنسيان، ليصبح طاقة مضافة بالحيوات وهي تدفع الى الحضور كشاخص حضاري لا يمكن نسيانه أو التخلي عنه حتما.
بل أزعم أن هذه الحياة وهذا التوقد، توقظ حيوات كانت غافية في قاع كائن واستحضرتها قوته لبلوغ وتجاوز المحنة استمرارا.
تلك لذائذ هواجس أدركتها ولمستها في فضاءات حوار اقتحمت فيه شجاعة امرأة تحدت كارثة المحنة لتقف على بوابات ضفتها الأخرى وتعلن عن حضورها مرة اخرى وتقول تلكم هي ورقة محنتي وقد مزقتها الى الأبد.
وأزعم أن محيطها بكل تمفصلاته كان سببا في بقاء جذوة الحب ومعانيه وجماليته يقظا في قلبها، لتدخل مرابعها الفنية من جديد بمعنى الإنسانة. الفنانة الصبورة المتحدية محنة كادت أن تودي بحياتها.
ويقين الصبر منحها قدرة التحمل والعبور الى ضفة الحب والجمال واللون.
أنها التشكيلية الرائدة عادلة فاضل الإبراهيمي، مقتربا من محطاتها وهواجسها في حوار، ربما هو الأول الذي تكشف فيه ما لم تقله في سابقات حوارية نشرت في صحف ومجلات محلية وعربية:
*كيف كان التحدي في ظروف ندرك هالة النسيان وقد أصبحت مظلة على الجميع؟
– لم أنتمِ الى واحات النسيان والضعف والانزواء أبدا، منذ الوهلة الأولى للصدمة كان أفق الأمل شكل هالات من الإشعاع في قلبي، وكان لون الحب ماردا، قويا صمدت عواصفي وعواطفي باتجاه جبال الضعف، فصار التحدي عنوانا رئيسا في كل تفاصيل إيامي، وشعرت بالمقدمة انتصارا داهمني وأنصهر معي حد التوحد.
*وكان معرضك الشخصي الأخير « حياة، فن، تحدي « تعبيرا عن كل هذه الهواجس وقوة الحضور؟
– هو واحة تأكيد معناي، ومحاكاة واقع أذهلني المؤلم فيه، وصار نقطة الارتكاز للتعبير عن انتمائي للحظة التغيير وإيجاد مخرجات للتواصل مع المشهد الذي شهد حضوري فنا ودرسا، ولذا ضم المعرض محطات من سيرتي الفنية، وصولا الى لحظات المحنة والتحدي مع لوحات الصراع اللوني التي جسدت فيها انتصاري على العزلة والنسيان، ويقين وجودي حية أسابق الضعف بما أحمل من قوة لون وفكر وبيان أدواتي المعرفية وقد حافظت عليها بكل أبعادها، وأزعم هي في داخلي كوليد لا أريد له أن يغادرني.
*في أعمالك متسع من الانتماء لموضوع التراث سيما وأنت من مدينة تمتلك مشتركا في التراث مع العاصمة بغداد؟
-شغفي بالتراث منذ نعومة أظفاري وقد عشت في البصرة «تراث وفن وحواري «تشبه الى حد ما بعض شواخص بغداد، وهذا التراث بشواخصه العلامة البارزة في مدن الجنوب، وهذه الموضوعة صارت لدي هدف واحتجاج على ما أصاب الكثير من المواقع التراثية للعبث الاستثماري التجاري الذي أسقط عنها هويتها الأصيلة، وهي رسائل لكل مهتم بالتراث في صورة الشناشيل سواء في البصرة أو أي مكان أخر، فكانت القباب المزركشة حكاية في أعمالي لون ومعمار، ولا تخلو منها أبدا، بل صارت مصدرا لبحثي الدائم عنها ، فنا ودرسا ، وكان لها أن تتطور كتجربة عند انتقالي الى بغداد لتنضج وتتفاعل مع الحكايات الكبيرة وهي تنتشر كالشعر في ملاذات بغداد.
*هناك اختلاف في ماهية الرؤى الفنية في تناول موضوعة التراث، من أي زاوية تتفرد التشكيلية عادلة عن الأخرين؟
-جيلنا نشأ وهو يملك الموهبة في تخصص صار هدفه في الدرس الأكاديمي ويطلع على تجارب الأخرين، وتكون قراءاته ذات وعي أزعم أنه يختلف ومغاير عن تجارب من سبقوه، ولذا صار فعلنا ورؤانا تختلف نوعا عن الأخرين، وكانت تجربتي هي الإحاطة بمفاهيم التراث الشعبي برؤى حداثوية كما عبر عنها الكثير من النقاد ممن تناولوا تجربتي الفنية، وهي ذات فعل تطوري يمتلك عنصر التجريب باستمرار، ولذا هي تنسجم الى حد ما مع الحارة البغدادية بكل حميميتها.
*كيف تنظرين الى التراث العراقي وهو العلامة الفارقة في كل مدنه؟
-أراه وقد شدني التراث العراقي بثراء معناه، ودفق روحيته الأصيلة، وهو زاخر بتفاصيل المفردات العراقية والأهلة والشناشيل التقليدية والمرموزات والوجوه السومرية، كما الحلي التراثية التي تستعملها المرأة، أنظر الى المرأة العراقية كمحور تدور وتنضج بل وأبني عليه غالبية أعمالي التشكيلية، وهو باختصار قصيدتي اللونية التي أتغنى بها في فرشاتي.
*مرة قالت عادلة «ما أزال هنا، وفني ما يزال يزهو» الى ماذا تبوحين بذلك المعنى قوة؟
-لأنني وقفت عند مفترق طريق، واحد يؤدي الى العزلة والنسيان، والآخر يؤدي البقاء والتحدي، لذا أخترت الثاني لأنتصر وبيدي فرشاتي التي تلون طريقي الجميل الذي أخترته بوعي وروح تحدي وايقاع حضور، وكان مثار أعجاب من البعيد قبل القريب، وهم غير مصدقين هذا التحدي في زمن صار قاحلا منه، ووجدت أنني أخترت الدرب الصح لأستمر في فضاء الفن والتشكيل واللون، ولم تغب عني حيوات البحث عن المغاير فيما أختاره من أعمال تدلل على هذا التحدي.
*أشعر أن الأسلوب الانطباعي يشكل حالة مشتركة لدى الكثير من الفنانين، كيف تتخذ الفنانة عادلة بعدها المغاير؟
-هنا يكمن الوعي والفهم للمدرسة الانطباعية، وكيفية توظيفها بشكل مختلف عن الأخر، وحتى في طبيعة اللون وتدرجاته هناك رسائل نفسية أتحكم فيها لأثارة المتلقي وأبقيه بجانبي حتما، ولكل فنان أسلوبه الذي يدونه من خلال اللوحة في متنها الحكائي لتفاصيل المدرسة الانطباعية، ولذلك تجد هناك اختلافا في «الفيكرات» والألوان.
* كيف تنظرين الى ملحمة نصب الحرية لجواد سليم؟
-هو حلم مؤجل لقادم نحلم به ونتمناه، ونريد أن يكون له تماثل في مخيلة الشعراء والأدباء والفنانين لملحمة دونت صورة العراقي في تحديه وبطولته وانتصاره، باعدا عنه كل تلك الانكسارات والخسارات اليومية، هو نوع الخلود الشاخص كمعلم من عجائب الدنيا في لغة النحت الحديث.