الكولاج يصنع من المبعثرات تشكيلا يحاكي الموسيقى

متابعة ـ الصباح الجديد:

الفن مثل العلم والتكنلوجيا، يتغير بتغير العصور، وتتنوع مزاياه واشكاله حسب الزمن وحسب رؤية الفنان وطبيعة اشتغالاته. ونشأت مدارس عدة في التشكيل وأيضا في الموسيقى، اسهم بزيادة المساحة التي يمكن ان يشتغل عليها الفنان، ومنها فن الكولاج الذي انتشر في القرن العشرين، وبرع به فنانون عدة.
والكولاج، تكنيك فني يقوم على تجميع أشكال متنوعة لتكوين عمل فني جديد.
إن استعمال هذه التقنية كان له تأثيره الجذري بين أوساط الرسومات الزيتية في القرن العشرين كنوع من الفن التجريدي، أي التطويري الجاد. وقد تمت تسميته من قبل الفنانين جورج براك الفرنسي، وبابلو بيكاسو الإسباني في بدايات القرن العشرين.
عمل الكولاج الفني قد يتضمن قصاصات الجرائد، الأشرطة، أجزاء من الورق الملون المصنوعة يدوياً، ونسبة من الأعمال الفنية الأخرى والصور الفوتوغرافية وما إلى ذلك. حيث يتم تجميع هذه القطع والقصاصات وتلصق على قطعة من الورق أو القماش.

نشأته
نشأ الكولاج أو فن لصق القصاصات في الصين، عندما اخترع الورق في القرن الثاني قبل الميلاد تقريباً. ومع ذلك فإن استعمال الكولاج ظل محدودا حتى القرن العاشر للميلاد، حين بدأ الخطاطون في اليابان باستعمال مجموعة من القصاصات من الورق ليكتبوا على سطحها إنتاجهم من الشعر. وارتبط ميلاد وتطور فن الكولاج الحديث بميلاد موجة جديدة في الفنون أطلق عليها الحداثة.
أما في أوروبا، فقد ظهرت تقنية الكولاج في القرون الوسطى خلال القرن الثالث عشر للميلاد، عندما بدأت الكاتدرائية Gothic Cathedrals باستعمال لوحات تصنع من أوراق الأشجار المذهبة، والأحجار الكريمة وبعض المعادن الثمينة في اللوحات الدينية. وفي القرن التاسع عشر للميلاد استعملت طرق الكولاج أيضا بين أوساط هواة الأعمال اليدوية للتذكارات مثل استعمالهم لها في تزيين البومات الصور والكتب.
واشتق مفهوم الكولاج من اللفظ collar والذي اخترعهGeorges Braque وبيكاسو Pablo Picasso في بداية القرن العشرين للميلاد عندما أصبح الكولاج جزء مهما من الفن الحديث.

المونتاج الفوتوغرافي
المونتاج الفوتوغرافي نوع من أنواع فن الكولاج. يعتمد على تكوين صورة جديدة من مجموعة من الصور، أو من أجزاء الصور الفوتوغرافية. وانتشر استعمال هذا التكنيك في الصحف والمجلات. وأصبح في أيامنا أسهل وأكثر انتشارا باستعمال برامج كمبيوتر متخصصة في تركيب الصور. أبرزها فوتوشوب.

الكولاج في الرسومات
كان الفنان بيكاسو Pablo Picasso أول من استعمل تقنية الكولاج في الرسومات الزيتية، حيث ألصق قطعة القماش “المشمع” في كرسي على قطعة قماش في عام 1912. أما فنانو “السريالية” وهي احد مذاهب الفن والأدب للتعبير عن العقل الباطن بصوره يعوزها الترابط، فقد استعملوا القصاصات أو الكولاج بشكل أكثر توسع، و Cubomania طريقة سرياليه كانت عبارة عن قصاصات صنعت بواسطة قص صورة إلى مربعات، ثم تجمع بطريقة مدروسة أو عشوائية. أما إن تقنية Inemage فهي اسم أطلقه René Passerson في الغالب على أحد الأساليب السريالية.
هناك طريقة مشابهة تقريباً أو مماثلة أطلق عليها ريتشارد جينوفيس اسم etrécissements مستوحاة أساساً من الفنان مارسيل مارين كما أن جينوفيس قدم لنا تقنية أخرى وهي إضافة طبقات من الصور بطريقة فيها نوع من الحركة النسبية في زوايا اللوحة الأصلية، ثم إزالة جزء من طبقة الصورة العلوية لتكشف لنا عن الصور التي تحتها أطلق عليهاexcavation.
أما بينولوبي روسمونت فقد ابتكر عدة طرق أخرى منها prehensilhouette و landscapade. وبالتالي كان الكولاج هو انموذج الفن في القرن العشرين، لكن لم يدراك ذلك في ذلك الوقت.

أسلوب لوحة الكولاج
ذكر محسن عطية في كتابه “التفسير الدلالي للفن” أنه في المرحلة التكعيبية أحدث بيكاسو بإسلوب الكولاج صدمة. والأوراق المقصوصة حولت الصور إلى أخرى أفرغت من معناها، وحلت فيها معانٍ أخرى. والصدمة يحدثها الانتقال المفاجئ من المعنى الشائع الذي بدأ منه الفنان، والمعنى الآخر المتزامن معه، حيث ينتقل المشاهد عبر نقطة بين عالم وآخر عبر وسيط حسي.
أيضاً هناك تقنية ” قصاصات القماش”، وهي عبارة عن لصق عدة رقع من القماش المطبوع بشكل متفرق على واجهة قطعة قماش أساسية. وقد برع الفنان البريطاني John Walker بهذه التقنية في رسوماته في أواخر السبعينيات، ولكن قصاصات القماش كانت أساساً جزءاً مكملاً لأعمال mixed media للفنان جان فرانك خلال الستينيات. أما الفنانة لي كراسنر الناقدة الذاتية الشديدة، فكانت تقطع لوحاتها إلى أجزاء فقط لتصنع منها لوحة جديدة.
عندما يتجاور شكلان منفصلان أو مجلوبان من نوعيتين مختلفتين من المواد في لوحة الكولاج على مسطح العمل الفني، مثلما في لوحة “آلات وخضرة” 1996 للفنان محسن عطية، ينتج الواقع الأشد قوة الذي هو العمل الفني “ما فوق الواقع”. وذلك يعنى أن الفنان قد اتبع منطق الكارثة في التعامل مع الانتقالات الشكلية. فقد تجاوز منطق التغيرات التدريجية الهادئة، لأن عملية القص واللصق تشبه فعل الزلزال الذي يحدث تغييراً غير معروف مسبقاً، بل يحدث صدعاً على سطح العمل الفني، وينتج صيغتين، إحداهما فوق الأخرى، ويبدأ عمل الاستعارة، “فيوحي الفنان بالتشبيهات، ويجعل الأشياء الجامدة مؤنسنة”.

الكولاج في الموسيقى
الموسيقى لا تعد من الفنون البصرية، لكن هناك ما يعرف بفن الكولاج الموسيقي. يعتمد على مزج أجزاء من أعمال موسيقية متعددة لتكوين عمل فني جديد. وقد انتشر هذا الفن في النصف الثاني من القرن العشرين نتيجة لتطور امكانيات تكنولوجيا التسجيل الضوئي. كما أن الموسيقى الإلكترونية من أكثر نماذج هذا الأسلوب.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة