ديفيد ماكوفسكي
في تحوّل جذري نوعاً ما في مسار الأحداث السياسية في إسرائيل، رفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سقف المنافسة ضد خصم سياسي بارز، وأحبط الجهود التي كانت تُبذل لإجراء انتخابات مبكرة بدت حتميةً في الأسبوع الماضي.
والنتيجة هي بقاء حكومة نتنياهو في الحكم إلى حين وصول موعد الانتخابات النظامية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 – على الرغم من أن الأغلبية الضئيلة لائتلافه البالغة 61 مقابل 59 في البرلمان المكوّن من 120 عضواً تعني أنه لا توجد ضمانات باستمرار الحكومة حتى ذلك الوقت. وأياً كان الحال، سيشغل نتنياهو مؤقتاً مناصب وزير الدفاع ووزير الخارجية ورئيس الوزراء، وربما تكون هذه أقرب صيغة عرفتها إسرائيل عن نظام رئاسي فعلي.
وجاءت هذه الخطوة في خطاب بثّته المحطات التلفزيونية الوطنية في 18 تشرين الثاني/نوفمبر حين قرر نتنياهو تخطّي وزير التربية نفتالي بينيت والتخاطب مباشرةً مع المواطنين وقاعدة مناصريه اليمينية. فبعد أن وصف بينيت بالمتعنّت لأنه هدد بالاستقالة إذا لم يتسلم حقيبة وزارة الدفاع، قال نتنياهو أنه عندما أُسقِطت حكومتا اليمين من الداخل خلال الدورتين الانتخابيتين عامي 1992 و 1999، فإنهما مهّدتا الطريق أمام مجيء حكومتي اليسار اللتين انتهجتا سياسات عدائية مفترضة.
وفي أعقاب الخطاب، واجه الوزير بينيت وحليفته الرئيسة وزيرة العدل أييليت شكيد، ضغوطاً بسبب وضع طموحاتهما الخاصة قبل الهدف المتمثل بالحفاظ على حكومة يمينية، مما دفعهما إلى الإعلان عن تغيير موقفهما. ومع ذلك، ما يزال وزير المالية موشيه كحلون الذي يرأس كتلة تضم عشرة نواب في البرلمان، يدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة. وقد أثارت هذه التقلبات السريعة صدمةً في عالم السياسة الإسرائيلية.
والجدير بالذكر أن نتنياهو كان يتوسل لشركائه في الائتلاف من أجل إجراء انتخابات مبكرة منذ شهور، فما سبب هذا الانعكاس المفاجئ في موقفه؟ أولاً، تجدر الإشارة إلى أن نظرته العامة إلى السياسة الخارجية بقيت ثابتة: أي أنه يتفق مع قيادة «الجيش الإسرائيلي» على أن وقف إطلاق النار في غزة أفضل من أعمال التصعيد نظراً للأولوية الأكثر إلحاحاً المتمثلة بكبح الوجود الإيراني في سوريا. ومن شأن الانتخابات المبكرة أن تجعل من الصعب الحفاظ على وقف إطلاق النار.
كما يدرك نتنياهو جيداً أن اثنين من رؤساء الحكومة الثلاث الذين سبقوه قد أُخرجوا من الحكم بعد حدوث تصعيدات كبيرة في العنف بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. ويقيناً، تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن 74% من الإسرائيليين غير راضين عن ردّه الانتقامي المحدود على موجة الضربات الصاروخية الأخيرة التي شنتها حركة «حماس».
وفي الوقت الحالي، من غير المرجح أن يغيّر هذا النهج. وبدلاً من ذلك، يبدو أنه توّاقاً إلى منح نفسه المزيد من الوقت للتعافي من الأداء السيء الذي سجّله في استطلاعات الرأي وتجنُّب إجراء انتخابات مبكرة من شأنها أن تركز بنحو أكبر على احتدام الغضب في غزة. وبالطبع، لا يستطيع أن يتجاهل الاستياء الشعبي – فالتزامه بالجمود الحاصل أمر ضعيف وقد يتلاشى إذا أتاحت التطورات ذلك – ولكنه يعلم أن نتيجة الاستطلاع البالغة 74 في المائة لا تعني أن نسبة الناخبين نفسها – ولا حتى قريبة منها – تفضّل الاجتياح البري الشامل لغزة بسبب خطر وقوع ضحايا كبيرة في صفوف الإسرائيليين.
ويبدو أن نتنياهو يراهن أيضاً على نسيان استقالة وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان مؤخراً – الذي قال إنه يريد ردّاً أكثر صرامةً ضد «حماس» – إذا تم تأجيل الانتخابات إلى تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. إذ يدرك رئيس الوزراء أنه سيكون أكثر صعوبة على ليبرمان انتقاده من مقاعد المعارضة السياسية من قيامه بذلك عن طريق المؤتمرات الصحفية وعناوين الصحف التي تخصَّص بانتظام لوزراء الدفاع. وإذا انخفضت حدة قضية غزة في الأشهر المقبلة، فقد تضطر كتلة ليبرمان إلى الترشح للانتخابات كحزب للمهاجرين – وهو أمر من الصعب الترويج له لكسب الأصوات بعد مرور ثلاثين عاماً على الهجرة الجماعية لليهود من الاتحاد السوفييتي السابق.
وهناك عاملٌ آخر ربما كان قد غيّر رغبة نتنياهو في إجراء انتخابات مبكرة، وهو علاقته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي يبدو أنها تشهد بعض الفتور. فحتى الآونة الأخيرة، كان مساعدو نتنياهو يتوقون لإخبار المراسلين بأنه الزعيم الوحيد في العالم الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع كل من الرئيس دونالد ترامب وبوتين. ولكن في أيلول/سبتمبر، أسقطت القوات السورية طائرةً عسكرية روسية في أثناء محاولة تلك القوات التصدي للضربات الجوية الإسرائيلية، ومنذ ذلك الحين، رفض بوتين الاجتماع بنتنياهو مباشرةً، وتزايدت التكهنات بأن موسكو تريد تقييد قدرة إسرائيل على ضرب الأهداف الإيرانية في سوريا. وليس هناك شك بأن نقّاد رئيس الوزراء الإسرائيلي سيستعملون هذه التوترات ضده إذا ما جرت انتخابات مبكرة.
وفيما يتعلق بالسياسة الأميركية، فإن آخر التطورات في إسرائيل تفتح المجال أمام إدارة ترامب لطرح خطة السلام التي طال انتظارها عاجلاً وليس آجلاً. وقد يكون لهذه الخطة فرصة أكبر للنجاح إذا ما انتظر كل من واشنطن ونتنياهو تشكيل حكومة قد تكون أكثر وسطيةً. غير أن إدارة ترامب لا تستطيع الانتظار حتى تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، لأن مساعي السلام قد تمتد بذلك حتى الدورة السياسية المقبلة من الانتخابات الرئاسية الأميركية. وبالتالي، قد يقرر البيت الأبيض طرح خطته قبل ذلك بكثير. ومن جانبه، قد يعتمد نتنياهو على رفض «السلطة الفلسطينية» للخطة الأميركية بكونها غير كافية، وبذلك يتجنب نفسه مصارحة ترامب عن اعتراضه.
وباختصار، تَفوَّق نتنياهو على منافسيه من خلال توجّهه مباشرةً إلى الشعب. ولكن من المرجح أن يؤدي تناقص أكثريته البرلمانية إلى تشجيع أعضاء ائتلافه على ممارسة أقصى الضغوط لطرح جدول أعمالهم، مما يعني أن حكومته قد تُحلّ قبل انتهاء ولايتها. فعلى سبيل المثال، إذا ضغطت الأحزاب الدينية المتطرفة للحصول على مطالبها الدينية، فالسؤال هو متى يهدد الإذعان لهم بمعاداة الجماعات الأخرى من الناخبين الذين يحتاجهم نتنياهو للفوز في الانتخابات حين يترشح مجدداً عام 2019؟ وبالمثل، فإن الجمود بشأن غزة هشٌ للغاية وقد لا يصمد حتى الخريف المقبل، مما يضمن السير على طريق وعرة في المرحلة المقبلة.
ديفيد ماكوفسكي: زميل «زيغلر» المميز في معهد واشنطن، وساعد في إنشاء أداة رسم الخرائط التفاعلية «المستوطنات والحلول: هل فات الأوان لحل الدولتين؟»
معهد واشنطن