الفن التشكيلي في أغلفة الكتب..اول ما تقع عليه العين

قراءات من المواقع العربية
رحاب البارودي

يقع على الغلاف مسؤولية كبيرة في جذب القارئ لكتاب ما، فهو مرآة حقيقية تقدم انعكاسًا بصريًا لمحتوى الكتاب، فضلاً عن دوره في لفت انتباه القارئ له، والتعبير عن نوع الكتاب ومادة المحتوى، تقع عليه ايضا مسؤولية أن يفوز بثقة القارئ في المنافسة الثقافية مع بقية الكتب المجاورة له بالمكتبة، فمهمته الرئيسة المساعدة في تسهيل بيع الكتاب، وتوفير البيانات التي يحتاج القارئ معرفتها عن المحتوى والكاتب ودار النشر.
تحتفظ مكتبة «بودليان» في أكسفورد ببريطانيا بغلاف أقدم كتاب معروف حتى اليوم، وهو غلاف كتاب «تقدمة الصداقة» والغلاف منسوج من خيوط الحرير الأبيض، ومكتوب عليه العنوان باللون الأسود، كما طرزت أطرافه الأربعة بالأشكال الزخرفية، في حين توجد مجموعة أخرى من أغلفـة الكتـب القديـمة فـي المكتبة البريطانية ويعود تاريخها إلى فترة 1919م، وتعد من أقدم الأغلفة المعروفة المحفوظة حتى الآن.
أما في عالمنا العربي فقد انطلقت من مصر فنون الكتاب، وازدهرت مع نشاط الحركة التشكيلية المصرية، وتعد ستينيات القرن العشرين، نقطة انطلاق حقيقية لتصميم أغلفة الكتب، وكان أهم فناني هذه الفترة جمال قطب» الذي صمم أغلفة كتب أشهر كتّاب المرحلة (نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس، ثروت أباظة، يوسف السباعي، …وغيرهم)»، والفنان «محي الدين اللباد» الذي استلهم أغلفة كتبه من الرموز البصرية المتوفرة في الحياة اليومية المصرية.
وكان المصمم يعتمد على قراءة متأنية واعية للكتاب ثم البدء في ترجمته ترجمة بصرية تضيف للنص ما قد يكون خفيًا على القارئ، وتعتمد هذه المدرسة على معالجة سطح الغلاف معالجة تشكيلية، عكس فناني المدرسة الحديثة الذين يكتفون بقراءة ملخص للكتاب، ويعتمد منهجهم على التجديد التشكيلي.

عالم «حلمي التوني» الزخرفي
تنقلك تصميمات «حلمي التوني» إلى عالم زخرفي ذي لمحة طفولية، ومفردات مغرقة في المحلية مستمدة من موروثنا البصري العربي، كما أن أغلب تصميماته يحيط بها إطارات سميكة تحدد الفكرة وتدفع القارئ دفعًا للغوص في مضمون الكتاب، كما أن أسلوبه الفني يرتكز على دعائم تشكيلية بحتة، فهو يعالج مساحة سطح الغلاف معالجة تشكيلية ولكأن الغلاف هو لوحة متحفية، فخطوط الفكرة الرئيسة دائمًا سميكة مركزة، كما في غلاف كتاب «ثلاثية غرناطة» لرضوى عاشور، فنجد الغلاف تتصدره صورة لفتاة أندلسية ذات ملامح عربية، فالعيون واسعة والشعر ليلي مجعد بينما الملابس وتبرج الفتاة أسباني الطراز، يحيط بها إطار سميك من اللون الأحمر الداكن وكأنما الفتاة المورسكية الجميلة مسجونة في إطار دموي لا فكاك منه.

«أحمد اللباد» جامع
المفردات البصرية
على درب والده الفنان «محي الدين اللباد» سار «أحمد اللباد» بخطوات ثابتة، فأثرى المكتبة العربية بمجموعة غنية من أغلفة الكتب المهمة، التي اعتمد فيها على مخزونه البصري المستمد من الحياة اليومية. وعلى الرغم من انتماء أحمد اللباد للمدرسة القديمة التي تهتم بدراسة النص جيدًا قبل العمل على الغلاف، إلا أنه يختلف عنها في اعتبار الغلاف دعوة لاقتناء الكتاب، وليس لوحة تشكيلية يتحكم فيها إنجاز المصمم نوعًا من الوسائط.
ويعد الغلاف هو معرض مفتوح لمفردات أحمد اللباد البصرية التي يجمعها من البيئة المحيطة ليختزلها في مساحة سطح الغلاف، وتتميز مفردات اللباد البصرية بأنها غير متوقعة وأحيانًا صادمة كتلك التي تتصدر تصميمه لغلاف ديوان «حبة تراب»، حيث قسّم مساحة السطح لنصفين مائلين وتصدرت النصف العلوي صورة فوتوغرافية ملونة لدمية مخلوعة الثياب مبعثرة التكوين حيث وجهها لظهرها، بينما في النصف السفلى وضع صورة فوتوغرافية إخبارية مظللة لسيدتين ورجل من عامة الشعب في مشهد يومي، وهو مشهد العودة من السوق بشكل يبدو وكأنهم ظل للدمية ويفصل بين الجزأين علامة النقاط والمقص (رمز لقص كوبونات مسابقات المجلات).

«وليد طاهر» من الخط
يبدأ كل شيء وينتهي
الخط هو البطل الأساسي في تصميمات أغلفة كتب «وليد طاهر»، فبأقل الخطوط المجردة يعالج طاهر أعقد الأفكار الفلسفية التي يتناولها النص، مبسطًا إياها في خطوط بسيطة ولكن عميقة، كما في تناوله الفني لغلاف كتاب «محال»، فقد اعتمد فيه على النقلات الحادة بين المساحات اللونية ذات التضاد اللوني الصارخ (البرتقالي والفوشيا)، حتى يؤهل القارئ لفكرة التنقل بين المحال والبلاد التي يناقشها النص، ثم بخطوط بسيطة باللونين المحايدين الأكثر صراحة (الأسود والأبيض) يصدر عنوان الكتاب في منتصف التصميم.
في حين يعالج المساحات اللونية معالجة مبسطة جدًا في غلاف كتاب «جوانتامو»، إذ يتوسط التصميم شخصية مرسومة بخطوط مختزلة محاطة بمساحات لونية مربعة متدرجة في المساحة واللون، فالمربع الكبير أسود اللون يعكس دلالة عن المعتقل الكبير الذي يعيش فيه البطل المرسوم بخطوط مزدوجة (تعطي الانطباع باهتزاز شخصية البطل نتيجة التعذيب)، ثم تتدرج المساحات اللونية المربعة فتضيق أكثر حول كتفي البطل وتتنوع الألوان بهذه المساحة الأقل دلالة على التغيرات التي مر بها بالسجن، ثم المساحة الأخيرة والتي تضيق جدًا لتحاصر رأس الشخصية المرسومة والتي تعكس دلالة أن البطل لم يكن سجين المعتقل فقط ولكنه أصبح سجين أفكاره أيضًا.

«كريم آدم» يقتطف
من كل بستان زهرة
يعد «كريم آدم» من أنجح فناني تصميم الغلاف حاليًا وأغزرهم إنتاجًا. وعلى الرغم من هذا، إلا أنه لم يخلق عالمه الخاص به حتى الآن، وبنظرة متأنية لتصاميمه نلاحظ تأثره بالكبار أمثال «محي الدين اللباد» في تصميم كتاب «زمن الغم الجميل»، فقد اتبع أسلوب صانع الكتب الكبير في استلهام مفردات بصرية من الحياة اليومية وجمعها بصورة عشوائية في مساحة سطح الغلاف، و»حلمي التوني» في تصميم غلاف كتاب «كمين القصر العيني»، حيث استلهم أسلوبه في تأكيد عناصر التصميم بخطوط سميكة واستخدام خامات تصويرية على أسطح خشنة.

عبد الرحمن الصواف
يعد «عبد الرحمن الصواف» من مؤسسي موجة تصميم الأغلفة الجديدة، ويعتبر من أنجح أبناء جيله حيث قام بتصميم عدد من أغلفة الكتب لأدباء كبار أمثال «إبراهيم عبد المجيد»، و»أمير تاج السر»، وكتاب شباب أمثال «شيرين هنائي»، و»عمرو المنوفي»، و»حسن الجندي»، ويتميز الصواف بلغته الخاصة والمتفردة في معالجة سطح الغلاف، فنجده مثلاً يلجأ لحلول تشكيلية مثل تقسيم الغلاف عدة أقسام ليحتوي كل قسم عدة عناصر أو عنصرًا واحدًا يعبر بصورة تجريدية عن فكرة معينة، أو مشهد مما يحتويه النص الأدبي، برز هذا في غلافين هما «برج العذراء»، و»ريمورا»، واستطاع أن يقدم فيهما تجربة بصرية مختلفة.

«أحمد مراد»: عندما يتحول تصميم الغلاف إلى أفيش سينمائي
يعد الكاتب ومصمم الأغلفة «أحمد مراد» من أنجح المصممين الشباب تجاريًا، وتصميماته تلقى رواجًا بالغًا في عالم النشر الحديث، ولكن على الرغم من ذلك إلا أن تصميمات أحمد مراد تبتعد بالغلاف عن وظيفته، وتقترب أكثر من عالم البوستر أو أفيش السينما.
ولعل دراسة أحمد مراد للتصوير السينمائي هي ما تتحكم في رؤيته لتصاميمه، فعينه تعودت دائمًا الترجمة البصرية للنص من خلال عدسة كاميرا السينما، وبالتالي نقل رؤيته هذه لتصميماته التي لم تضف لعالم الأغلفة جديدًا بل لعلها انتقصت منه، فلكل من الغلاف والملصق أبعاد وطبيعة وتكوين وحلول بصرية مختلفة عن الآخر، وهذا الخلط بينهما أثّر سلبًا على أغلفة كتبه مثل تصميم «الهول»، و»1919»، و»أرض الإله»، فنحن هنا أمام بوستر أو ملصق فيلم، حتى أن تصميم غلاف «الهول» يتشابه حد التطابق مع أفيش فيلم الرعب الأميركي الشهير «Thr ring».

وللنساء نصيب
برغم سيطرة الرجال على مجال تصميم أغلفة الكتب إلا أن الشاعرة والفنانة «غادة خليفة» استطاعت أن تكسر هذه السيطرة وتفسح لها مكانًا مهمًا، وتمكنت بتصميماتها العميقة والمعبرة أن تتصدر المشهد وترسخ لنفسها مكانًا ثابتًا مساويًا للرجال في عالم الأغلفة.
وعالم غادة خليفة مبهج وملون وتشكيلي للغاية، فبتجريدية رقيقة يتحكم فيها الخط الذي أفسحت له المجال ليتصدر مساحة سطح الغلاف بحرية، قدمت تصميم كتاب «هلاوس» الذي يعد قطعة فنية من قطع الترجمة البصرية العميقة لنص ما، في حين قدمت في غلاف ديوان «عارف يا حسين» تجربة بصرية مشبعة.
إن الفنانين الشباب استطاعوا تحريك المياه الراكدة وإحداث تدفق إبداعي جديد أعطى انتعاشه لروح تصميم الأغلفة، ولكن على الرغم من ذلك ما زال الطريق أمامهم طويلاً ليكتسبوا مزيدًا من الخبرة وخوض تجارب فنية أخرى يرتادون فيها عوالم جديدة؛ لتفرز أعمالاً إبداعية تمتع القارئ وتثري المكتبة العربية.

* اضاءات

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة