الجهل بالأمن خطير

في اثناء عودتي من معرض الكتاب الدولي المقام في أربيل لفتت انتباهي حالة لطالما تحدثنا عنها وارقتنا في يقظتنا قبل نومنا تتعلق بالأجهزة الأمنية، وسبب الخروقات التي تحدث بين مدة ومدة أخرى.
كان سائق الباص السياحي الذي اقلنا من بغداد الى أربيل طوال درب الرحلة يكتفي عند مروره بالسيطرات الأمنية بإلقاء التحية والسلام، والمزاح مع افرادها، وفي بعض الاحيان كانت الشتائم تتخلل حوارهم السريع، لإثبات انهم على معرفة وطيدة ببعضهم البعض.
هناك من افراد الشرطة من ترجل عن سيارته ليصافح شخصا، ترجل هو أيضا من مركبته ليرد التحية بأحسن منها، وكأنهما التقيا بحديقة عامة، وليس مكانا باعتقادي انه محرّم، بوصفه أحد أسس بناء السلام والأمن في وطن مشبع بالفوضى سياسيا وامنيا واجتماعيا..الخ.
اعمال إرهابية كثيرة حدثت في وقت سابق، وكنا نتساءل كيف استطاع صاحب السيارة المفخخة، او من يحمل عبوات ناسفة لفها حول خصره مثلما تلف الراقصة حزام الرقص متباهية بما ستقدمه من متعة للجمهور، مع الفارق ان حزامه يقدم الموت لكل من حوله، كيف استطاع هؤلاء المرور عبر السيطرات، مثلما يمر الجدول ليشق طريقه عبر الأرض، بوجوم تام، من دون ضجة او صخب. ويبدو ان الامر كان يحدث بهذا الشكل، فرد من افراد السيطرة يساعدهم ليس بقصد مشاركتهم ، بل لأنه يجهل أسس التعامل من موقعه كأحد حماة الوطن، بسبب عدم تلقيهم التدريب المطلوب قبل توزيعهم على السيطرات.
هناك حالة أخرى تحدث عنها الكثير، ولم يلق أحد بالا لها، وهي ان افراد تلك الأجهزة غالبا ما يكتفون في اثناء واجبهم بإمساك هواتفهم، والتحدث من خلالها الى آخرين، لتمر السيارات قربهم، من دون ان يكترث لها، وبنحو لا يوحي ابدا انه أحد افراد جهاز أمن.
المفارقة ان البعض الاخر من افراد الأجهزة الأمنية كان على النقيض من هؤلاء “الغالبية” حيث حملوا امن الوطن على اكتفاهم، ورفعوا معه حياتهم واسكنوها اكفهم، فلم يبالوا بحتفهم غير المستبعد، وهم يواجهون وحوش الإرهاب وجها لوجه، بصلابة، نسوا معها أنفسهم وعائلاتهم وظل الوطن فحسب، امام اعينهم. كيف لمثلهم الا يكونوا اسوة حسنة؟ برأيي ان التأديب والمجازاة احدى الطرق التي يمكن ان يكون لها تأثير ملموس يجعل الكل يسعى لإتمام التزامه وتعهده بحماية الوطن والافراد بالشكل الصحيح.
هناك حالة أخرى تتعلق أيضا بأفراد الحمايات، شهدتها انا شخصيا، ففي احدى المرات توجهت الى نادي العلوية، وكانت هناك احتفالية كبرى حضرها وزير النفط وقتذاك، وشخصيات عامة كثيرة، وكنت قد هيأت نفسي للرد على أسئلة افراد “الحماية” الواقفين عند مدخل النادي. لكن المثير للجدل والاستغراب انهم اكتفوا بسؤالي هل انت هنا لحضور الاحتفالية الخاصة بوزارة النفط!! فأخبرتهم بنعم، وسمحوا لي بالدخول.. هكذا بكل بساطة، الدخول الى ناد عريق ومهم، لحضور احتفالية كبيرة ومهمة يحضرها شخصيات كبيرة بالحكومة.
المشكلة التي يعاني منها العراق، ان الغالبية لا تعي حجم مسؤوليتها تجاه نفسها والوطن، فلا المعلم يعرف خطورة مسؤوليته بالنسبة لجيل المستقبل، ولا الاهل يفقهون أهمية اتمام واجبهم بالنحو الأمثل تجاه أولادهم، أعمدة المستقبل، ولا من شغل منصبا بالحكومة يحترم مسؤوليته تجاه الرعية، ولا حتى الأجهزة الأمنية تعي جسامة وأهمية ان يكونوا على قدر التزامهم الذي اصطفوه. فكيف لنا ان نؤمّن مستقبلا مشرقا للبلد، ان كان أبناؤه يتعاملون تجاه التزاماتهم الجليلة باللامبالاة، وما هو موقف او موقع القانون من كل هذا التهاون؟
أحلام يوسف

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة