رباعيات الخيام

تطرق الصديق العزيز الأستاذ رياض الجعفري في محاضرة جميلة له ذات مساء إلى تراث الشاعر عمر الخيام، وقرأ بعض الرباعيات التي ترجمها إلى العربية عنه الشاعر الكبير أحمد الصافي النجفي.
والخيام رجل عاش جل حياته في القرن السادس الهجري. وهو فلكي ورياضي لم يكن له ولع بالشعر ولم يشتهر به. بل إن الإيرانيين لم يعرفوه إلا حينما ترجمت رباعياته إلى الإنكليزية في القرن التاسع عشر الميلادي.
وقد طبعت ترجمة الصافي (ت 1977) ست مرات، إحداها – كما نقل هو – نشرت دون علم منه. وقد رفض عرضاً من دار نشر بيروتية للموافقة على طبعة سابعة لقاء ما يعادل (1200) دينار عراقي عام 1965. وهو مبلغ هائل في تلك الأيام كما لا يخفى. وكان الرجل يعيش على الكفاف، غريباً وحيداً، بلا بيت أو أهل، أو ولد، أو معين. ولكنه كان قد ندم على ترجمة هذه الرباعيات لأنها تدعو إلى الإلحاد والخمر والشك، وهو رجل يشعر «بالواجب والثورة».
إن صدور ست أو سبع طبعات من ترجمة الصافي دليل على دقة الترجمة، ومكانة المترجم، واحتفاء الجمهور. ولكن السؤال الآن: أين هي هذه الرباعيات، وهل طبعت بعد وفاة الصافي، وهل يشعر القارئ العربي بالرغبة في اقتنائها؟ أو أنه عزف عنها بسبب تغير الظروف والأحوال في القرن الحادي والعشرين؟
إنني لا أشك أن إعادة طبعها ستلاقي نجاحاً ملحوظاً. فالمزاج العام لدى السواد الأعظم من القراء في البلاد العربية ما زال يميل لمثل هذه الأجواء. ويرى أن تغير رأي المترجم بها جاء متأخراً بسبب تقدمه في السن.
ولكن من الذي سيتولى طباعة الرباعيات وليس للصافي وريث يهمه أمرها، ويحرص على عدم غيابها عن الأنظار.
لقد كان الصافي رجلاً مقروءً على نطاق واسع في البلاد العربية. فقد طبعت دوواينه الأحد عشر مرات عديدة بطبعات أنيقة. وكانت الإذاعة اللبنانية تبث له مقطوعات شعرية بصوته في عقد الستينيات بشكل منتظم. وكان له أصدقاء في الأوساط الأدبية آنذاك، وجدوا فيه نموذجاً غير قابل للتكرار، حتى وصفه الجواهري ذات يوم بقوله «هذا يجول في ميادين لا يجرؤ أحدنا أن يجول فيها»!
المشكلة ليست في الصافي وحده، بل هي مشكلة جميع الأدباء المعاصرين، الذين لم يعد لديهم أبناء يكترثون لتراثهم الفني. ويحرصون على استمرار حضورهم في الساحة الثقافية. ففي الغالب لا يفضل الأدباء أن يرث أبناؤهم مهنتهم. ويفضلون عليها الهندسة أو الطب أو المحاماة أو غيرها من المهن التي تدر دخلاً جيداً. ولا يحرص هؤلاء على تراث آبائهم الفكري، إلا إذا كان يدر عليهم مالاً!
فمن يتولى هذه المهمة في زمن أصبحت الكتب المنشورة غير قادرة على تغطية تكاليف طبعها وتوزيعها ونشرها على الملأ؟
محمد زكي ابراهيـم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة