شكيب كاظم
هو مقالي من طراز فريد، يكتب المقالة الفنية الرصينة المكثفة، التي تصل إلى هدفها بأقصر السبل، من غير جور على الهدف ومهمة التوصيل، فإذ كتب، أستاذنا الدكتور علي جواد الطاهر، المقالة الثقافية الرصينة، التي كتب بها المصريون في وقت سلف، مثل: الدكتور طه حسين وعباس محمود العقاد وأحمد حسن الزيات والدكاترة زكي مبارك، ففي العراق عرف من كتب المقالة إلى جانب الطاهر، مهدي شاكر العبيدي، حميد المطبعي، وماجد السامرائي، وشكيب كاظم، والدكتور حسن الحكيم، والراحل عبد الجبار عباس، ورزاق إبراهيم حسن.
هو مقالي يكتب المقالة بفنية عالية، فضلاً عن التكثيف غير المخل، كما أنه من أصحاب الأساليب، الأسلوب الرفيع الجميل في الكتابة الذي يجلب الانتباه إلى عطاءات هذا القلم الفريد، في وقت تلاشت فيه هذه المزية من أقلام الكاتبين، فقد هيمن عليهم الأسلوب الصحفي السريع، مثلما تلاشت الفروقات في وجوه عديد النساء بسبب عمليات التجميل الصناعية الجائرة.
قرأت كتابه الاستقصائي العلمي الجميل والرصين، الذي درس فيه فن المقالة لدى أستاذه وأستاذي الدكتور علي جواد الطاهر– رحمه الله- كما درسه ناقداً، هذا البحث ألقاه – بداية- في ندوة (اتجاهات النقد الأدبي الحديث) التي أقامها قسم اللغة العربية بكلية التربية بجامعة الموصل في شهر آذار من عام 1989، ونشر هذين البحثين في كتابه هذا الذي وسَمّهُ بـ (علي جواد الطاهر. الناقد المقالي) صدر عام 2006، من غير ذكر مكان الطبع، نقرأ فتعجب لهذا الاستقصاء العلمي الرصين، فضلاً عن إمتاع وإيناس، متعة الأسلوب، وفرادة اللغة، وطلاوة العبارة، ورصانة العلم الأمر الذي يذكرني بأساليب كتاب لبنان الجميلة، فأنا أعزوها إلى جمال لبنان وطبيعته الخلابة الساحرة، فجمال المنظر- كما أرى- ينعكس على جمال الروح ويبهجها ومن ثم على اسلات الكتاب.
وإذ اعثر على كتابه الاكاديمي الرصين (الاتجاهات الفلسفية في النقد الأدبي عند العرب في العصر العباسي) والذي تولت نشر طبعته الأولى دار الرائد العربي في بيروت عام 1407هـ – 1987م والذي أهداه إلى (أستاذي الدكتور علي جواد الطاهر – مثلاً اعلى في الفكر والسلوك) ولعلها رسالته لنيل درجة الماجستير، وفيها شكر سابغ لأستاذه وأستاذي الدكتور عناد غزوان- رحمه الله- لتوجيه هذه الدراسة ووضع منهجها فتقرأ، ويبهرك النقاش والتوصلات والآراء التي يطلقها، وتدارس التأثيرات الفلسفية على النقاد العرب القدامى الذين وضعوا اللبنات الأولى لطراءق النقد الأدبي، بدءاً بالجاحظ مروراً بابن قتيبة الدينوري وابن طباطبا العلوي وانتهاء بحازم القرطاجي ومن قبله عبد القاهر الجرجاني وليدرس ثانياً المنهج النقدي عند الفلاسفة الإسلاميين مثل : الفارابي وابن سينا ومسكويه والغزالي وابن رشد، وإنها لمناسبة ان اذكر ان عديد الدارسين يطلقون على مسكويه اسم (ابن مسكويه) فجاء الأستاذ الدكتور سعيد عدنان ببحثه الرصين هذا ليؤكد صحة الاسم، وليؤكد علو كعبه علماً واستقصاءً فهو يذكر (مسكويه)، كذلك أستاذي الطاهر، وما زالت في الذاكرة مقالته القيمة التي نشرها أول مرة في مجلة (الأديب) اللبنانية الرائعة، التي تولى إصدارها صاحبها ومنشؤها البير أديب، وعلى مدى نحو أربعة عقود من الزمن وحتى وفاته سنة 1985، وعنوانها (لأبي شجاع وليس لمسكويه) نشرتها (الأديب) في شهر كانون الثاني من عام 1968، وكان أستاذنا الطاهر، يراسلها من الرياض العاصمة السعودية، يوم ذهب للعمل في جامعتها أثناء السنوات (1963-1968) وأعاد نشرها في كتابه (كلمات) الذي أصدرته دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد عام 1997، بعد سنة من وفاته – رحمه الله- وفي المقالة تصويب لما وَهَمَ فيه الدكاترة زكي مبارك في كتابه الرائع (النثر الفني في القرن الرابع) إذ نسب نصوصاً على أنها لابن مسكويه من كتابه (تجارب الأمم) فجاء أستاذنا الطاهر ليوضح أنها للوزير أبي شجاع محمد بن الحسين الملقب ظهر الدين الروذراوي المتوفى سنة 488هـ في كتابه (ذيل تجارب الأمم) وأشير إلى أن الدكاترة زكي مبارك يطلق عليه اسم (ابن مسكويه) وهذه مسألة إشكالية أي التسميتين هي الصحيحة؟ ويذكر الطاهر في مقالته آنفة الذكر (هو أبي علي أحمد بن محمد يرد اسمه على (مسكويه) وعلى (ابن مسكويه) وقد يكون الأول أصح)، و(قد) هنا تفيد التقليل لدخولها على مضارع (يكون) ولا تحمل معنى التوكيد والإبرام لو دخلت على فعل ماضٍ!.
قلت نقرأ للدكتور سعيد عدنان مقالات رصينة مكثفة، نقتطعها من الجريدة اليومية التي لا تحيا أكثر من ساعات قليلة، لتأخذ طريقها نحو النسيان، أو الاستخدام الجائر لورقها، أو العيش مع ما تراكم لديك من جرائد ومجلات تمثل أرشيفك الورقي، الذي تحاول تبويبه ما أمكن ليسهل لك الوصول إليه عند الحاجة، فتقتطع المقالة أو الصفحة الثقافية التي نشر فيها الدكتور سعيد عدنان هذه المقالات الرصينة، فتقرأ تحت عنوان (في مدارات الثقافة) التي نشرها في جريدة (العالم) اليومية العراقية، إضاءات لأسماء شاخصة في ثقافة العرب (شكري فيصل… الناقد) وأخرى عنوانها (شاكر مصطفى وأدب التأريخ) و(أمين نخلة … وفرح الكتابة) و( سيد بن علي المرصفي….. شيخ شيوخ الأدب) و(محمود محمد شاكر… الناقد) و(علي النجدي… النحوي الأديب) و(أمين الخولي… الشيخ المجدّد) نقرأ ذلك وغيره كثير، مما فاتك الحصول عليه وقراءته، ويسرك هذا الجهد الثر الثري، وهذا الإخلاص للكتابة والبحث والرصانة، والبعد عما يتعارك عليه المتعاركون من أجل وجاهة زائلة، وشهرة لا ثلبت ان تذروها الريح في يوم هادئ أو عاصف أو كما تقرأ له على موقعه في (الحوار المتمدن) فتزداد بهجة ورضى ويتأكد لديك ان الدنيا، دنيا البحث الرصين والكتابة المقالية الفنية ما زالت بخير، ولن يضرها ويضيرها الطارئون، وتهمس له ان أطبع هذه المقالات الرصينات وغيرها في كتاب، ولا تتركها ثاويات في الصحائف.