أحمد حسن علي
تهدف بيئة النافذة الواحدة إلى تسريع تدفق المعلومات بين القطاع التجاري والحكومة وتسهيله لتحقيق مكاسب مفيدة لجميع الأطراف المشاركة في التجارة عبر الحدود. ومن الناحية النظرية، يمكن وصف النافذة الواحدة بأنها منظومة تسمح للمتداولين تقديم المعلومات عبر هيئة واحدة؛ لتحقيق جميع المتطلبات التنظيمية الخاصّة بالاستيراد أو التصدير. أما من الناحية العملية، فإن بيئة النافذة الواحدة توفر فرصة فريدة سواء أكانت ورقية أم إلكترونية لتقديم جميع البيانات ومعالجتها لإصدار المستندات ذات العلاقة.
إن بيئة النافذة الواحدة هي تطبيق عملي لمفهوم تسهيل التجارة، وتقليل الحواجز التجارية غير الجمركية، وتحقيق منافع فورية لجميع أعضاء المجتمع التجاري. ومن أجل تنفيذ بيئة النافذة الواحدة، ينبغي للحكومة أولاً تتسير تدفق المعلومات الخاصّة بالتجارة الدولية. ولتحقيق هذه الغاية ينبغي لها تنسيق متطلبات البيانات القانونية ذات الصلة بالتجارة، وتقليلها إلى الحد الأدنى بمجرد أن تكون متطلبات للمعلومات الرسمية والتجارية، ويمكن ترشيد هذه المجموعات من البيانات بحيث توحّد فيما بعد لصالح المجتمع التجاري.
ويمكن للحكومة زيادة تعزيز تدفق المعلومات من خلال تحديد تكنولوجيات مناسبة للمعلومات والاتصالات واعتمادها. ويمكن للتطبيق الفعال لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أن يساعد في زيادة تدفقات البيانات إلى أقصى حد؛ مما يؤدي إلى تداول أسرع وأيسر وأقل تكلفة. وعلى مدار السنوات العشر الماضية، طوّرت العديد من برامج “النافذة الواحدة” وعرضها بنحو فعال، وفيما يأتي مجموعة مختارة من هذه النماذج:
أنموذج السلطة الواحدة: تنسّق الجمارك جميع الضوابط الخاصّة بالحدود. على سبيل المثال: يقوم موظفو الجمارك في السويد وهولندا بالعديد من المهام من قبل السلطات الحكومية الأخرى.
أنموذج النظام الواحد: يجمع بين التجميع الإلكتروني واستخدام بيانات التجارة التي تعبر الحدود ونشرها. على سبيل المثال: أنشأت الولايات المتحدة برنامجاً يسمح للمتداولين بتقديم البيانات القياسية مرة واحدة فقط، ويقوم النظام بتوزيع البيانات على الوكالات التي لها مصلحة في المعاملة.
أنموذج النظام الآلي: يمكن من خلالها أن يقدم التاجر بيانات التجارة الإلكترونية إلى مختلف السلطات (المراقبة) للمعالجة والموافقة في طلب واحد؛ وفي هذا الأنموذج تُرسل التصاريح المعتمدة إلكترونياً إلى جهاز حاسوب مرسل. ومن الدول التي تستخدم هذه المنظومة سنغافورة وموريشيوس، وفي المنظومة السنغافورية تُحتسب الرسوم والضرائب تلقائياً وخصمها من الحسابات المصرفية للمتداولين.
وحين النظر إلى النماذج المذكورة آنفاً، من المهم أن نعرف أنه على الرغم من أن هناك العديد من الممارسات التجارية الشائعة في جميع البلدان، فإن لدى كل دولة متطلبات وشروط فريدة خاصة بها.
على سبيل المثال، أطلقت موزمبيق في عام ٢٠١١ نظام النافذة الواحدة، حيث اعتمدت منصة مركزية لتسهيل عمل الجمارك، وغيرها من الهيئات الحكومية المشاركة في مراقبة الحدود، إلا أن التنفيذ لم يكن سهلاً؛ فاضطرت إلى التغلب على مواطن الضعف في البنية التحتية عند الحدود البرية في المناطق النائية، ومقاومة أصحاب المصلحة في إفشال المشروع. واليوم، بات بإمكان منظومة النافذة الواحدة التعامل مع ما يصلُّ إلى نصف مليون تصريح جمركي سنوياً، وهذه جلبت الكثير من المزايا إلى كل من القطاع التجاري والهيئات الحكومية المشاركة. وتعمل الحكومة هناك على تحسين النظام عبر مجموعة من الخطط المستقبلية تشمل إضافة خدمات، ودمج ميزات جديدة في مجال تبادل البيانات الدولية.
وحينما نتعرف على نافذة موزمبيق الواحدة نجد أنها قد صممت لتتوافق والمعايير الدولية، واعتمدت في تصميمها على أنموذج سنغافورة الذي اُعتُمد أيضاً في غانا ومدغشقر. وتحتوي المنظومة على مكونين أساسيين، هما: نظام إدارة الجمارك، ونظام تداول البيانات الإلكترونية في شبكة التجارة.
وتختصُّ إدارة الجمارك بتقديم الدعم للتصريحات الجمركية وإدارة العبور، والتقييم الجمركي، وجمع الرسوم، وإدارة الواردات المؤقتة، والإفراج الجمركي، وإدارة المستودعات، وإدارة المخالفات، وإدارة المزادات، وإصدار التراخيص والتصاريح. وفضلاً عن هذه العمليات الأساسية تسهل إدارة الجمارك أيضاً استخراج البيانات وإنشاء الإحصاءات التجارية.
ويوفر نظام تداول البيانات الإلكترونية في شبكة التجارة، البنية التحتية التي تمكن من تبادل البيانات ونشرها بأشكال متنوعة، على الرغم من اتفاقيات الاتصال المختلفة بين الأطراف المتعددة التي تشمل الهيئات الحكومية العاملة في مراقبة الحدود وسلطات الموانئ، ووكلاء الشحن، والسماسرة الجمركيين، ومحطات الحاويات، والمصارف التجارية. وتخزّن بعض البيانات في شبكة التجارة وبعضها في إدارة الجمارك.
والجدير بالذكر أن دولة موزمبيق هي بلد عبور بين جنوب أفريقيا وسوازيلاند وزيمبابوي وزامبيا وملاوي؛ لذلك صممت النافذة الواحدة لتحسين تحصيل العائدات بإغلاق تسرب الإيرادات بسبب العبور. وتشمل الوظائف التي دمجت في نظام النافذة الواحدة ما يأتي:
إدارة السلع والبضائع العابرة بين الدول (الترانزيت).
نظام تتبع مواقع الشحنات العابرة وتحديدها.
الكشف التلقائي عن الانتهاكات في سلامة الشحنة على طول ممرات النقل.
الكشف التلقائي عن الانحراف عن ممرات النقل المخصصة.
وقبل تطبيق نظام النافذة الواحدة في موزمبيق، أشارت دراسة تشخيصية للتكامل التجاري في موزمبيق في عام ٢٠٠٤ إلى ارتفاع تكاليف المعاملات على المتداولين نتيجة للتأخير، والأعباء الإدارية، والفساد كونه العائق الرئيس أمام التجارة العابرة للحدود في موزمبيق. وهذه الدراسة جعلت الحكومة تدرك أن هناك حاجةً ماسةً إلى استخدام التكنولوجيا لزيادة كفاءة عمليات التخليص الجمركي، وإدارة الحدود، والقضاء على الفساد.
وأقامت الحكومة ورشة عمل حول أفضل الحلول في نظم تكنولوجيا المعلومات وتيسير التجارة في عام ٢٠٠٥، وتوصلت إلى أن الحلّ الأفضل في اتباع الوسائل التقنية يكون عبر نافذة إلكترونية واحدة. ونتيجة لذلك، تم تأسيس مذكرة تفاهم بين الحكومة واتحاد جمعيات الأعمال في موزمبيق لتنفيذ النافذة الإلكترونية الواحدة.
ثم أُنشئت شبكة المجتمع الموزمبيقي كآلية مؤسسية دفعت إلى تنفيذ النافذة الإلكترونية الواحدة. وتأسست هذه الشبكة في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث تمتلك الدولة ٤٠٪ من شبكة المجتمع الموزمبيقي و٦٠٪ لشركة اسكوبل إنترناشيونال (شركة متخصصة في الإدارة التقنية) واتحاد جمعيات الأعمال الموزمبيقية. وحصلت اسكوبل إنترناشيونال واتحاد جمعيات الأعمال على تفويض من الحكومة لتنفيذ الشبكة التجارية الوحيدة في موزمبيق وتشغيلها وضمان استدامتها.
وشمل تنفيذ النافذة الموحدة في موزمبيق على تغييرات في الإجراءات اليومية؛ لذلك رُكّبت برنامج تغيير الإدارة لإعداد أصحاب المصلحة من الناحيتين التقنية والعقلية للنظام الجديد، وعقدت جلسات إحاطة لإعلام أصحاب المصلحة بالتغييرات الوشيكة وفوائدها.
وأجريت دورات التدريب لموظفي الجمارك باستخدام نهج “تدريب المدربين” خلال وقت دام ١٢شهراً. وحضر مستخدمون آخرون بما في ذلك وكلاء الشحن والمصارف التجارية، وسلطات الموانئ، وسماسرة الجمارك إلى دورات تدريبية متخصصة مجانية خلال مدة تراوحت من ١٢ إلى ١٨ شهراً. وفضلاً عن ذلك أُبقي أصحاب المصلحة الرئيسيون على اطلاع دائم على التقدم طوال مدة التنفيذ.
وللتغلب على العقبات القانونية أُصدِر تشريع التقديم الإلكتروني للإقرارات الجمركية وإنجاز العمليات الخاصّة بمراقبة الحدود. وأُنشئ إطار قانوني بشأن أمن البيانات وقيمتها لدعم تبادل البيانات المضمونة، وعُززت حماية البيانات وسلامتها على المستوى التشغيلي، وفُرضت قيود في الاستخدام المحدد للنظام عبر حقوق المستخدمين، واتفاقيات السرية، وخدمة المستخدمين، واستخدام جدران الحماية الأمنية العالية، وتشفير البيانات.
وصارت خدمة الزبائن (المجتمع التجاري) أولوية إطار هذا التنفيذ الحكومي لضمان خدمة من الدرجة الأولى عبر مركز اتصال للدعم خارج موقع العمل التجاري وفرق الدعم الفني في الموقع.
وبلغت تكلفة الاستثمار الأولي لإنشاء النظام ١٥ مليون دولار أميركي، موزعة على النحو الآتي:
٢٠٪ تحسين البنية التحتية للبناء.
١٥٪ معدات تكنولوجيا المعلومات وشبكة الاتصالات.
٢٠٪ خوادم رئيسة للاختبار واستعادة القدرة على العمل بعد الكوارث.
٢٥٪ الحصول على دعم إضافي ومعدات لوجستية.
٢٠٪ البرامج الأساسية والتعديلات.
وقد مُوّلت التكاليف المستمرة الخاصّة بتشغيل شبكات البيانات والاتصالات وصيانتها، وعمليات مركز الاتصالات، والدعم الفني، وتدريب الموظفين، وأصحاب المصلحة من خلال رسوم الشبكة التجارية المفروضة على البيانات الجمركية التي يعالجها النظام.
وصار استخدام النافذة الواحدة في موزمبيق أمراً إلزامياً، وتم إعداد النظام للتعامل مع ما يقرب من نصف مليون تصريح جمركي سنوياً. وحين النظر إلى النظام عموماً يمكن القول إن هناك العديد من الفوائد للتجار والهيئات الحكومية المشاركة، منها:
فيما يخص المستوردين واﻟﻤﺼﺪرين فإن أوﻗﺎت تنفيذ المعاملات صارت أﺳﺮع (انخفضت ﻣﻦ ٣ أﻳﺎم إﻟﻰ ﺳﺎﻋﺎت ﻗﻠﻴﻠﺔ) مع ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺷﻔﺎﻓﺔ وﺑﻴﺮوﻗﺮاﻃﻴﺔ أﻗﻞ.
فيما يخص الجمارك فقد تحسنت إنتاجية الموظفين من خلال البنية التحتية المتطورة، وازدادت الإيرادات الجمركية، وأصبحت بيئة العمل أكثر تنظيماً ووضوحاً، وعُزّزت الكفاءة المهنية.
ازداد عدد زبائن المصارف التجارية؛ مما يعني زيادة في الأموال التي تمر من خلال العمليات المصرفية، وزيادة في الأرباح من عمليات الشبكة التجارية الحكومية.
أما الحكومة فقد حققت زيادة كبيرة في إيراداتها وأظهرت القدرة على ممارسة الأفضل، ونالت الاعتراف من قبل الجهات المانحة.
وتحسن الاقتصاد بعد تحقيق الشفافية والإدارة الناجحة في الجمارك.
الدروس المستفادة:
لتنفيذ النافذة الواحدة في العراق، ينبغى للحكومة في بغداد أن تتغلب على نقاط الضعف في البنية التحتية عند الحدود البرية والبحرية وفي المناطق النائية؛ لأن دعم الحكومة لمؤسسة الجمارك، وإعادة تنظيمها أمر حاسم. ومن دون أدنى شك، ستواجه الحكومة جهوداً كبيرة ومقاومة من بعض أصحاب المصلحة لإفشال المشروع.
إن بعض أصحاب المصلحة في إفشال المشروع ليسوا من الطبقة الفاسدة ولكنهم في الوقت نفسه ليسوا على استعداد للتكيّف مع النظام الجديد والبيئة التشغيلية الحديثة التي تتطلبها النافذة الواحدة؛ لذلك فإن نظام النافذة الواحدة لا بدّ من أن يشمل برامج زيادة الوعي والتدريب وبناء القدرات.
وفي واقع الأمر لا يوجد حلٌّ سهلٌ أو سريع لتنفيذ النافذة الواحدة؛ لأنها تستلزم توفير الوقت والموارد، وفهماً كاملاً للطرق والعمليات التي ينطوي عليها الموقع المحدد الذي سيتم فيه وضع النظام؛ ومن أجل إطلاق مثل هكذا نظام معقد، يجب تبني القدرات والنُهُج الصحيحة.
المصادر
Guilherme Mambo, “Mozambique Vision – The Steps for a Sustainable Single Window Implementation,” WCO IT Conference and Exhibition.
United Nations, Economic Commission for Europe, the single window concept.
* مركز البيان للدراسات والتخطيط