مكافحة الإرهاب: الاستراتيجيات والسياسات

(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
الحلقة 61
جاسم محمد*

القرارات الدولية
تصدر من قبل الامم المتحدة وكذلك الاتحاد الاوربي والجامعة العربية ومؤسسات دولية اخرى الكثير من القرارات والتعريفات الخاصة بارهاب، هذه السياسة والقرارات تصاعدت بعد احداث 11 سبتمبر 2001. لكن الاهم من القرارات هو ايجاد فعل من قبل القوى المحلية والاقليمية لمواجهة الارهاب. القرارات الدولية والاقليمية الصادرة من الامم المتحدة او الجامعة العربية او منظمة المؤتمر الاسلامي تبقى ضرورية بشرعنة والسياسات وبتنفيذ الخطط في مواجهة الارهاب التي تتضمن ايضا تعقب الاصول المالية والاشخاص المطلوبين، لذا تظهر ضرورة ايجاد التنسيق والتعاون الامني محليا واقليما.

المواجهة الفكرية
إن التنظيمات ألجهادية تقوم أساسا على “العقيدة ألجهادية” اوالأيدلوجية في كسب المقاتليين وتبرير عملياتها التي تقوم في الغالب على أستثمار الصور المروعة في أماكن النزاع من خلال اعلاميات جهادية مرئية ومسموعة، لذا يتطلب مواجهتها فكريا ايضا، بالحجة، من خلال التعاون مع مشايخ الوسطية، واعداد وتأهيل معنيين في الشريعة والفقه، تقوم بزيارة بعض المعتقليين المتورطين في عمليات إرهابية، وعرضها على الجمهور، كذلك اتباع الطرق الإستخبارية في إخضاع من تم اطلاق سراحه من المعتقلات للمراقبة مع توفير المساعدة له في إعادة التاهيل مهنيا واجتماعيا، ألمواجهة الفكرية ربما تأتي بنتائج إيجابية أكثر من المواجهة العسكرية مع تقليل نسبة خلق الخصوم المحتملة في أعقاب اي عملية في المجتمعات الحاضنة للأرهاب. المواطن احيانا يعيش مابين ارهاب الدولة وارهاب المجموعات المسلحة و”الجهادية” فألدولة ربما تكون هي المسؤولة عن فراغ السلطة وترك المجال للارهاب، لذا لا خير في حكومة او دولة لا تستطيع حماية مواطنيها. إن استمرار الفوضى ومثلما تسميها تللك الجماعات “الجهادية” ب “التوحش” من شأنه ان يخلق دولة مفككة يقاتل ابنائها بعضهم البعض بالوكالة لصالح اطراف اقليمية ودولية لتتحول سلطة الدولة الى مجموعات “جهادية” ومسلحة وامراء حرب مناطقية.

واشنطن: تراجع سجلها بمكافحة الإرهاب
بدئت يوم 18 فبراير 2015 أعمال مؤتمر واشنطن الـ51 لمكافحة التطرف والعنف اكثر من محاربة الارها، بحث خلاله ظاهرة انتشار التطرف في العالم. وجاء المؤتمرفي اعقاب تنفيذ تنظيم داعش الارهابي عملية ذبح 21 قبطيا مصريا كانوا عالقين في ليبيا ووسط حالة غليان شعبي في مصر والمنطقة ضد ممارسات تنظيم داعش الارهابية. وكان وزير خارجية مصر سامح شكري قد توحه الى واشنطن للقاء بأدارة اوباما بالاضافة الى حضور المؤتمر. المراقبون كانوا يتوقعون ان يكون هنالك رد فعل قوي من واشنطن والغرب بمواجهة فوضىى “الجهادين وداعش في ليبيا، لكن المؤتمر لم يرتقي الى ذلك وجائت توصياته في جلسته الختامية بنبذ العنف واعتماد الوسطية وهي توصيات ممكن ان تصدر من اي جمعية خيرية او منتدى فكري اكثر مايصدر من مؤتمر واشنطن، هذه النتائج جائت مخيبة الى الطموحات والتوقعات ليس للشعب المصري بل الى شعوب المنطقة.
ذكرت قمة واشنطن ان واحدة من الاسباب بالتحفط على الخيار العسكري في ليبيا هو خشية واشنطن من وصول السلاح إلى الجماعات الارابية في ليبيا! متناسين أن التدخل العسكري في ليبيا باسقاط القذافي! إن ماحدث في قمة واشنطن هو اغفال الى الفوضى في ليبيا وكأنها مقصودة من قبل الادارة الاميركية. اما معالجة الارهاب وضرب داعش في معاقله واماكن تمدده، فلم يكن لها اهتماما في اجندة قمة واشنطن، وهذا يعني ترك داعش ان يمارس الفوضى “الجهادية” مما يستدعي اعتماد إستراتيجية وطنية واقليمية في محاربة داعش على الارض وعدم التعويل على واشنطن.

قمة واشنطن يثير علامات استفهام

في تقرير لصحيفة العرب اللندنية يوم انعقاد المؤتمر بأن محللون يجدون أن المنهج الأميركي الحالي يثير علامات استفهام عديدة ولا يقدم إجابات عن سياسات ملتبسة تزيد من ارتباك المشهد في المنطقة العربية، فكيف لدولة عظمى مثل الولايات المتحدة تتحدث عن مواجهة التنظيمات الإرهابية المسلحة وهي مصرة على أن الجماعة الأم الإخوان المسلمين لا تشكل خطرا على مصالح الدول الحليفة والصديقة.
إن الفوضى في ليبيا كانت ومازالت موجودة في اعقاب الاطاحة بالقذافي، وباتت تمثل صداع وتهديد الى دول المنطقة عبر سيناء والساحل والصحراء غرب افريقيا. وتصاعد التهديد في اعقاب بيعة جماعة “جهادية ” في مدينة سرت ودرنة الى تنظيم داعش وزعيمه البغدادي. التنظيم مازال فاعلا في معاقله ويتمدد، ضمن غستراتيجية فتح جبهات بعيدة عن معاقله لتخفيف الضغط، وهذا يعني انه في حالة عدم ضرب التنظيم في معاقله وفي ليبيا فأنه سوف يفتح جبهات جديدة خلال المرحلة الحالية.

إنعكاسات تقدم المعارضة السورية في ادلب والشغور
المعارضة السورية : سياسة أميركية متلكئة

شهدت منطقة القلمون السورية، شمال غرب دمشق، معارك واسعة مطلع شهر مايو الجاري بين فصائل المعارضة السورية و”غرفة عمليات جيش الفتح” من جهة، و”حزب الله” مدعوما بقوات النظام السوري من جهة أخرى. وشملت العمليات العسكرية التي شنتها فصائل المُعارضة جسر الشّغور وأريحا في محافظة إدلب، والتي تمثل خطّا دفاعيا للنظام يمتدّ من محافظة اللاذقية. وتقوم استراتيجية المعارضة، لدى تنفيذها للعمليات الأخيرة، على أساس الهجوم على أكثر من محور وعزل القواعد العسكرية للنظام واستنزاف قواته. وقد شهد ملف “المعارضة السورية المسلحة” تحوّلات كثيرة، فبعد أن كان هنالك هيكل شبه موحّد لـ”الجيش الحر”، أضحت هنالك فصائل مسلحة عديدة تتفاوت درجة اختلافها عن بعضها البعض ما بين السّلفية الجهادية شأن تنظيم “جبهة النصرة” وفصائل سلفية أقل تطرّفا مثل “الجبهة الإسلامية” وفصائل عسكرية أخرى أكثر اعتدالا. ونتاجا لذلك فقد بقيت المعارضة السورية المسلحة تعاني من التشتت والانقسام إلى حين تمّ تشكيل “جيش فتح”.
هذا التشتت والتشابك جعل هذه الجماعات تعيش أوضاعا تنظيمية غير مستقرة، فهنالك بعض التنظيمات التي ظهرت واختفت بسرعة، وفي الغالب لأسباب تمويلية، كما أنّ مسألة توحيد الفصائل المسلحة مازالت بمثابة أمر مستحيل، وفق رأي بعض قيادات المعارضة من العسكريين المنشقين عن القوات النظامية السورية، خاصّة أنها تختلف عن بعضها البعض على مستويات عدّة من بينها الأيديولوجي والمذهبي والقومي، كما تقسمت أيضًا بحسب الجهات الخارجية الممولة. كشفت تقارير تناقلتها شبكة الـ“بي بي سي” بأنّ أعداد العناصر التي تقاتل في صفوف فصائل المعارضة المسلحة تقدّر بـ100 ألف مقاتل على الأقل، وتتفاوت في الحجم والتأثير والتحالفات المعقودة فيما بينها. مازالت هنالك العديد من الانتقادات التي توجه إلى واشنطن في ما يتعلق بمدى جديتها في دعم فصائل المعارضة المسلحة لكن وعلى الرغم من هذه التباينات والاختلافات فإنّ المواجهات الأخيرة التي حصلت على أكثر من جبهة توحي بأنّ هنالك نوعا من التنسيق قد حدث بين مختلف الفصائل المعارضة المقاتلة، كما يؤكّد أن العمليات العسكرية التي تمّ تنفيذها والانجازات التي حقّقتها المعارضة كان مخطّطا لها ولم تكن عرضية. ويرى مراقبون أنّ هذه التطورات الحاصلة على الأرض لن تكون بمعزل عن النشاط السياسي الدولي، وستأتي بنتائجها في المستقبل القريب.

تقدم نوعي للمعارضة
وشهدت المدة الأخيرة تقدما ملحوظا للفصائل المعارضة على الأرض مقابل تراجع لقوات النظام، وقد اندلعت مواجهات عدة بين الطرفين في أماكن مختلفة من البلاد، شأن محافظة درعا، أقصى الجنوب السوري، التي شهدت مواجهات بين قوات نظام الأسد و”جبهة النصرة” المدعومة بكتائب معارضة مسلحة. وفي ذات السياق استطاعت المعارضة تحقيق تقدّم عسكري في إدلب على الجيش السوري النظامي لتكون على مقربة من مدينة اللاذقية، وكذلك جرت الأمور في القلمون الغربي. وتكمن أهمية منطقة القلمون الغربي بالنسبة للمعارضة، في تأمين طريق الشمال الغربي، الذي يربط الساحل بالعاصمة دمشق من الجنوب، كما أنها تعتبر خط الإمداد من لبنان بالنسبة إلى “حزب الله”.

* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة