مكافحة الإرهاب: الاستراتيجيات والسياسات

(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
جاسم محمد
الحلقة 57
إن ادارة المستشارين من العسكر من قبل شخص غير عسكري مثل البغدادي ليس بالهين وفي الغاب يكون مرفوضا، لكن البغدادي استطاع وبنجاح توظيف قيادات التنظيم من العسكر ويحركهم وفق إستراتيجية التنظيم التي تقوم على رسم خارطة “الدولة الاسلامية” وتنفيذ الخطط على الارض، وربما يعود الى عامل اخر، هو حصول البغدادي على الاسناد والدعم والتمويل ومسك مصادر التمويل بنفسه، اي ان البغدادي هو حلقة الوصل، بدونه لايستطيع قادة العسكر ومستشاريه الحصول على تدفق التمويل والدعم ومايدعم هذا ان المعلومات كشفت بأن البغدادي يشرف على مصادر التمويل بنفسه. السؤال هو من اين يحصل البغدادي على التمويل؟ كون التنظيم المركزي للقاعدة لم يمده بالمال منذ نشأته حتى انشقاقه عن الظواهري في ابريل 2013، وهذا يعني ان هنالك مصادر تمويل على مستوى حكومات تكفلت بتمويل البغدادي، ومايزيد بالقضية تعقيدا انه لم يحصل اي تسريب حول تمويل البغدادي لا على مستوى المعلومات المؤكدة ولا التحليل. يشار بأن تنظيم “الدولة الاسلامية” في العراق انذاك تحول الى شبكة لجمع الاتاوات في العراق خاصة في محافظة الموصل وضعفت عملياته حتى نهاية مطلع عام 2012 بعد انسحاب القوات الاميركية في ديسمبر 2011، اي ان الدعم المالي للبغدادي تدفق اكثر بعد الانسحاب الاميركي؟ يعتبر تنظيم “الدولة الاسلامية” من اكبر التنظيمات “الجهادية” الذي يتمتع بامكانيات مالية، فقبل سيطرته على منابع النفط في سوريا ـ الرقة او المناطق الشمالية والشمالية الشرقية، استعرض التنظيم بارتال من مئات السيارات ذات الدفع الرباعي في محافظة الانبار وفي حزام بغداد، هذه القدرة مكنت التنظيم من ابتلاع تنظيمات اسلاموية اخرى والانضمام الى صفوفه مابين الترغيب والترهيب، بعد ان ضمن الى مقاتليه دفع مرتبات جيدة وتسليح عالي. لقد جمع البغدادي الخبرات العسكرية مع الولاء العقائدي، وهو ذات الاساس الذي اعتمدته ايران مع الحرس الثوري وفيلق القدس.

مستقبل “الدولة الاسلامية” في العراق وسوريا
لقد استطاعت “الدولة الاسلامية” من استعادة ما فككته الحكومة العراقية والقوات الاميركية بقيادة باتريوس بتحالفها مع عشائر المنطقة الغربية عام 2005 ـ 2006 في محاربة الارهاب، الان هنالك مسار عكسي “للدولة الاسلامية” والمجموعات المسلحة والعشائر، التي توحدت جميعها ضد الحكومة المركزية، لكن هذا التحالف سوف يشهد الكثير من التقاطعات بسبب تقاطع المصالح والايدلوجيات بين مكونات “الدولة الاسلامية” والعشائر. هذا يعني ان مستقبل “الدولة الاسلامية” في المنطقة الغربية بات مرهونا بموافقة اهالي المنطقة الغربية وزعاماتها العشائرية.
التجربة في افغانستان اي بالعلاقة مابين القاعدة وطالبان التي مثلها الكثير من الخبراء المعنيين بالتنظيمات “الجهادية” والقاعدة بأنها مثل البصلة وقشرتها والتي يصعب الفصل بينهما، لكن الحقائق برهنت ان اصحاب الارض هم اصحاب القرار اي ان طالبان كانت هي صاحبة القرار بابعاد القاعدة التي تمسكت ب”عولمة الجهاد” عكس طالبان التي كانت معنية بارض افغانستان، هذا ممكن ان ينطبق على الوضع مابين عشائر الانبار التي تقابل طالبان في معادلتها مع القاعدة او “الدولة الاسلامية”. أن استمرار “الدولة الاسلامية” في المنطقة الغربية والشمالية الغربية ومطالبة زعامات العشائر بالانفصال او اقامة اقليم على غرار الكورد شمال العراق من شأنه ان يخلق دولة سنية تنقصها الكثير من مقومات الدولة ومنخورة من قبل الارهاب وتنظيم “الدولة الاسلامية” من الداخل، هذه الدولة ستكون ضعيفة امام دولة كوردستان العراق في الشمال التي تتمتع بمقومات الدولة كاملة وحكومة بغداد ذات والمكون الشيعي في الجنوب بتحالفها وتمترسها اكثر مع ايران. إن استمرار “الدولة الاسلامية” على المستقبل البعيد في المنطقة الغربية والشمالية الغربية، يهدد سحب اطراف اقليمية تأييدها الى بعض الزعامات العشائرية في المنطقة، لان هذه الاطراف لا تريد وجود تنظيمات ارهابية عند حدودها.

“الدولة الاسلامية” زائلة
“الدولة الاسلامية” في المنطقة الغربية والشمالية الغربية من العراق لم تاتي لتغيير حكومة بغداد، اي ان دورها لم يكون محدد في تغيير الحكومة، بقدر ما هو اقامة الدولة الافتراضية، وهذا يعني انها باقية وفقا الى شعارها المركزي، و ستكون مرفوضة من قبل جميع الاطراف ماعدا تلك الاطراف التي تستخدمها ورقة ضاغطة في اللعبة السياسية وبشكل خفي. الدولة الافتراضية مرفوضة ايضا من قبل تنظيم القاعدة و غالبية التنظيمات والفصائل “الجهادية”، وقد اعلنت مشايخ الفكر السلفي الجهادي رفضها الى هذه الدولة وكذلك الازهر التي اكد بانها مرفوضة وتتعارض حتى مع الفقه وقواعد الشرع التي تقوم عليها الخلافة.
ابو بكر البغدادي رغم انه مدرس مادة الشريعة الاسلامية وذات سيرة اسلاموية لكن يؤخذ عليه بانه لم يضيف شيء الى الفكر “الجهادي” من نتاجات فكرية، ما قام به هو انجازات عسكرية على الارض استقطبت الكثير من الشباب والفصائل، ومن المتوقع انه سوف يواجه انحسارا وتقلصا في التشظي الفكري عكس مايحصل للقاعدة يقابله ايضا تقلصا في الجغرافية التي يسيطر عليها، فبعد ان كان يتوعد وصول بغداد منذ يوم 10 يونيو 2014، فان القوات العراقية استطاعت ايقاف هجمات البغدادي والمجموعات المسلحة المتحالفة معها وربما استعادت عنصر المبادئة. الفريق الركن وفيق السامرائي يقول :”أن داعش فقد زخم التعرض على نطاق مهم، وإن القوات العراقية قامت بحملة إعادة سيطرة على مناطق في محيط بغداد وشددت ضغطها في مناطق الگرمة والصقلاوية غرب بغداد، واستنزفت قدرات داعش في تكريت وديالى وهذه فرصة تاريخية لأي جماعات مسلحة أخرى لاعلان الرفض القوي لمشاريع داعش بإقامة إمارة وولايات قاعدية”.
المواجهات مابين الحكومة المركزية والميليشيات العراقية التي تقاتل ضد “الدولة الاسلامية” وحركة التمرد من شأنها تصعد حدة الخلاف مع الحكومة وتزيد من الكراهية وتخلق خصوم جديدة، بسبب ما تتعرض له المناطق السنية من قصف عشوائي وخسائر بالاموال والارواح وتهجير مئات الالاف من السكان المدنيين الابرياء نتيجة المواجهات. وماتعرضه شبكة التواصل الاجتماعي من مواد دعائية واعلامية تعكس تصعيد الاقتتال والمواجهة الي تحولت في الحقيقة وكأنها تحشيد ومواجهات مذهبية طائفية. “الدولة الاسلامية” والتنظيمات “الجهادية” لايمكن ان توجد الا وسط دولة ضعيفة او فاشلة، هي خير من تستغل غياب السلطة، لذا كثيرا ماتوصف الى جانب القاعدة بالانتهازية. “الدولة الاسلامية” سوف تخسر ترسانتها من الاسلحة تدريجيا وقدرتها وسوف تشهد العد العكسي امام القوات العراقية وكذلك في سوريا مع احتمالات الانشقاقات الداخلية والتفرغ الى مواجهات مسلحة مع بقية الفصائل، فهي سبق لها ان استقوت على القاعدة وشيخها الظواهري.

تركيا : فضيحة شحنات أسلحة الى داعش
تركيا والدور المزدوج في مكافحة الإرهاب
أثارت وثائق سرية نشرتها صحيفة جمهوريت التركية حول نقل شاحنات من الاسلحة والذخيرة تعود إلى الاستخبارات التركية كانت من المقرر ان تصل إلى معارضين إسلاميين سوريين يواجهون نظام الأسد. ونشرت صورا وتسجيل فيديو أكدت أنها لشحنات أسلحة أرسلت إلى المعارضة السورية الإسلامية المسلحة ما يدعم اتهامات تنفيها دائما حكومة أنقرة. ونشرت الصحيفة صور قذائف هاون مخبأة تحت أدوية في شاحنات مؤجرة رسميا لصالح منظمة إنسانية، اعترضتها قوة درك تركية قرب الحدود السورية في يناير 2014.
تشهد تركيا حراك سياسي واسع على مستوى اقليمي ودولي في اعقاب المتغيرات في مسألة الجماعات “الجهادية” وتوسعها ابرزها تنظيم ” الدولة الاسلامية” الذي يمتد على اغلب طول الحدود العراقية مع سوريا والعراق. هذا التنظيم شكل حزام “امني” الى تركيا اكثر مايكون مصدر تهديدا الى امنها الوطني. هذه المتغيرات وتدفق الجهاديين” من الغرب الى سوريا والعراق ومناطق قاعدية اخرى، صعدت من الدور التركي في المنطقة، من خلال وجودها داخل حلف الناتو ومرشح الى الاتحاد الاوربي، رغم كل الانتقادات الى حكومة انقرة بلعب دور مزدوج. وتندفع حكومة اوردغان الان بشدة لتعزيز نفوذها كقوة اقليمية، وتتجه نحو المناطق التي تشهد صراعات ونزاعات دوالية، وسبق الى اوردعان ان زار الصومال ، مقاديشو خلال شهر يناير 2015 وربما كان اول رئيس دولة يقوم بهذه الزيارة منذ اكثر من عشرين عاما، التواجد التركي سبق ان اثبت حضوره في افغانستان ـ طالبان وباكستان واعتمدته طالبان وسيطا بسبب هذا الدور الذي تلعبه تركيا.

* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة