إذا كان نرسيس صاحب الأسطورة جميلاً، ووقع في عشق صورته حين رآها وهي تنعكس على صفحة البحيرة، فإن نرجسيي هذه الأيام ليسوا بجمال نرسيس، لا شكلاً ولا مضموناً. لكنه الغرور وتضخم الأنا حد الورم زين لهم صورتهم عن ذواتهم.
وأقل ما يقال في الغرور أنه عقدة نقص، فما أن يمتلك الغرور أحدهم حتى يسد عليه النوافذ، ويستبد برأيه، ويرى ما يفعله هو الكمال بعينه، فلا يقبل نقداً مهما كان موضوعياً، والأنكى من ذلك، أنه يری فعله هو الصحيح، مع أنه هو الغلط بعينه، لأنه لم يعد يری ولا يسمع ولا يقنع إلا برأيه.
وهكذا، يتحول الغرور إلى مرض لا ينفع معه الطب ولا الأطباء..
هؤلاء المرضى موجودون من غير أن يسمعوا بقصة نرسيس وأسطورته، فهم لا يقرأون، ولا يعرفون أنهم مغرورون..
والسؤال: ما الذي يجعل بعضاً من أصحاب السمات الجديرة بالاهتمام مغرورين؟
في كثير من الحالات ، يصبح الشخص مغروراً عندما يحقق نوعاً من الإنجازات التي يفشل أقرانه في تحقيقها، ذلك إن القيام بشيء غير عادي لا يمكن لأي شخص آخر القيام به يعطي دفعة هائلة لقيمنا الذاتية، وعندما نجد أن الآخرين لم ينجزوا القدر نفسه تقريباً، فإننا نميل إلى النظر إليهم من فوق، لأن عقلنا الباطن يقارن دائماً حياتنا مع أقراننا من أجل قياس تقدمنا في الأمور التي تهمنا.
ونحن نستطيع أن نلاحظ ذلك من خلال التجربة، فعندما نشاهد أصابع عازف العود تتنقل بين الأوتار بخفة ورشاقة نفكر على الفور بمهارته، لكننا سنحكم عليه بالغرور في حال روج لنفسه أنه أفضل عازف على هذه الآلة الموسيقية..
بالطبع، من الممكن جداً أن يكون الشخص ذكياً وناجحاً وموهوباً لكنه حين يرى نفسه أنه أذكى من الجميع، وأكثرهم أهمية، ويتباهى بنجاحه باستمرار، ولا ينسب مرة واحدة هذا النجاح إلى شخص آخر، عندها يصبح مغروراً متكبراً..
ثمة مثل أمريكي يصف الشخص بأنه “متجه إلى الأرض” كناية عن التواضع، وما على المغرور إلا أن يتجه هذا الاتجاه، ليتأكد أن نجاحه لا يعني تفوقه المطلق، وأن الآخرين ليسوا أقل منه جدارة لأنهم لم يفعلوا ما كان قادراً على القيام به، كما عليه أن يدرك أن الينابيع الصافية غادرت المياه، وهربت مع نرجس الأول، والآن توفرت المرايا، فلينظر، ويتمعن جيداً ليس في وجهه فحسب، بل في أفعاله، شرط، حين يرى الحقية، أن لا يكسر المرآة.
فريال حسين
هذا المرض اللعين
التعليقات مغلقة