علاقات

ترجع سعة انتشار أي مطبوع إلى رصانة شركة التوزيع التي تتولى مهمة إيصاله إلى يد القارئ. فبقدر ما تمتلك هذه الشركة من فروع بقدر ما يحوز المطبوع من نجاح. وبقدر ما يتهيأ لها من امتدادات بقدر ما يترك هو من آثار في عقول الناس.
إن عملية توزيع المطبوعات هي جزء من شبكة علاقات ثقافية واسعة تقوم بنشر الأفكار في هذا العالم. وتضطلع بتشكيل الرؤى وردود الأفعال في كل مكان. وبالطبع لا يمكن لأي وجهة نظر أن تحظى بتأييد عالمي أو محلي ما لم تتول شبكة من هذا النوع الترويج لها بمختلف الوسائل، والتعريف بها بشتى الطاقات.
قديماً لم تستطع ثقافات عديدة أن تبارح مكانها الذي نشأت فيه لذات الأسباب. فكانت أفضل الطرق لذلك هي الحرب. وقد حفظ لنا التأريخ أمثلة حية على هذا السلوك، حينما قام الاسكندر المقدوني في القرن الرابع ق. م ب بنشر الثقافة اليونانية في حروبه التي قصد منها توحيد العالم. وقد وفق في ذلك دون ريب، ونشأت الثقافة الهيلينستية بعد وفاته مباشرة. ثم حذا نابليون حذوه بعد ألفي عام. وتفاصيل حملته على مصر أشهر من أن يلم بها هذا المقال!
في العقد الثاني من الهجرة سعى المسلمون الأوائل إلى نشر العقيدة الإسلامية خارج جزيرة العرب عن طريق الفتوحات، ونجحوا في ذلك أيما نجاح. فلم تكن هناك شبكة قادرة على إيصال الفكرة إلى بقاع المعمورة في ذلك الوقت. ولو لم تقع هذه الفتوحات وتتوغل الجيوش الإسلامية في المدن والقصبات، لكان من الصعب على البلدان القريبة من جزيرة العرب، فضلاً عن البعيدة عنها، أن تلم بهذه العقيدة، وتسهم بدور ما في بناء الحضارة الجديدة. ولما قدر لهذه للفكرة أن تحظى ببيئة أخرى غير البيئة التي ولدت فيها.
لقد تغيرت الحال بعد قرون من هذا التاريخ، حينما نشأت خطوط التجارة البحرية والبرية. فدخلت شعوب كثيرة في الإسلام دون ضجيج. وحلت العلاقات التجارية محل الفتوحات بشكل شبه تام..
ولم تلبث العلاقات الثقافية أن تطورت باكتشاف وسائل انتشار جديدة، غير الحروب والتبادلات التجارية، بعد أن تقدمت وسائل الاتصال والنشر والإعلام في كل مكان من العالم. وباتت عملية التبشير بفكرة ما متيسرة جداً. وأصبح بإمكان الإنسان في أي بقعة الاستفادة منها، رغم شدة التنافس وكثرة الراغبين.
ما أردت قوله هو أننا نحتاج إلى مثل هذه الشبكة لإيجاد حل لما أصاب مجتمعنا من جمود. فعالم الأفكار الذي يؤمن لنا قفزة ما إلى المستقبل يحتاج إلى جهد منظم، وليس إلى خطوات عشوائية. وهذا مما لم ننجح فيه حتى الآن!
محمد زكي إبراهيم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة