د. عبد الأمير رحيمة العبود
الجزء الثاني
وفي تاريخ 30/6/2008 قدّم الوفد العراقي مشروعاً متكاملاً للإتفاقية يتضمن كافة بنود الأتفاقية وقد إشتمل هذا المشروع على 25 مادة ، أخذت بنظر الأعتبار ما هو سائد في الأتفاقية الدولية المطبقة فيما بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأخرى ، إضافة الى مراعاة مصلحة العراق وسيادته على أراضيه والقوانين العراقية النافذة ، وبعد إنجاز جولتين من المفاوضات حول هذا المشروع توّصل الطرفان الى إقرار النص النهائي لإتفاقيتي إنسحاب القوات الأمريكية من العراق وكذلك إتفاقية التعاون الأستراتيجي فيما بين الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة العراقية على الوجه التالي :-
أولاً : وبشكل عام نصّت إتفاقية إنسحاب القوات الأمريكية من العراق على إلزام القوات الأمريكية بإحترام القوانين والتقاليد العراقية ، ومساعدة العراق في تحقيق الأمن والأستقرار على أراضيه ومحاربة المنظمات الأرهابية . كما نصّت على عائدية المساحات والمباني المستخدمة من قبل القوات الأمريكية الى الحكومة العراقية .
وكذلك نصّت على إحترام القوانين العراقية عند قيام القوات الأمريكية والعاملين معها بإستخدام وسائط النقل داخل العراق ، والتعاقد لشراء السلع والخدمات وتوفير المياه والخدمات السلكية واللاسلكية .
والى جانب ذلك نصّت هذه الإتفاقية على تطبيق القوانين العراقية عند إرتكاب القوات الأمريكية والعاملين معها الجنايات الجسيمة والمتعمدة .
فيما نصّت على حق القوات الأمريكية في حمل الأسلحة وإرتداء الأزياء العسكرية أثناء تأديتهم لواجباتهم داخل العراق . وحقهم في الدخول الى العراق والخروج منه بعد تدقيق هوياتهم من قبل السلطات العراقية . وكذلك حقهم في إستيراد السلع والخدمات وتصديرها دون الخضوع للقوانين العراقية فضلاً عن إعفاء السلع والخدمات التي تشتريها هذه من الأسواق العراقية من الضرائب والرسوم . والسماح لهم بإقامة مكاتب البريد ومتاجر الأغذية والخدمات المالية داخل القواعد العسكرية الأمريكية . وفيما يتعلق بالجوانب المالية فقد سمحت لهم باستخدام الدولار الأمريكي في تعاملاتهم ، على أن يكون استخدامهم للدنانير العراقية والمصارف الخاصة وفقاً للقوانين العراقية .
وفيما يتعلق بأعمال الأعتقال والأحتجاز نصّت الأتفاقية على أن هذه الأعمال لا يجوز أن تتم إلا بموجب القوانين العراقية .
وأخيراً نصّت الأتفاقية على أن يكون يوم 31 كانون الأول من عام 2011 هو آخر موعد لإنسحاب كافة القوات العسكرية الأمريكية من العراق .
كما نصّت الأتفاقية على أن تبذل الولايات المتحدة أقصى جهودها لخروج العراق من إجراءات البند السابع بتاريخ 313 كانون الأول عام 2008 .
إضافة الى إلتزام الولايات المتحدة بتوفير الحماية للأموال العراقية المودعة في صندوق تنمية العراق والناجمة عن تصدير النفط والغاز وغيرها من المنتجات العراقية .
ثانياً : وفيما يتعلق بإتفاقية التعاون الأستراتيجي بين هذين البلدين فقد نصّت هذه الأتفاقية على تعاون البلدين في المجالات السياسية والدبلوماسية ، بخاصة دعم المؤسسات الديمقراطية العراقية ، ودعم علاقات العراق مع دول المنطقة ، وكذلك التعاون في المجالات الدفاعية والأمنية دون المساس بسيادة العراق ، والتعاون في المجالات الثقافية بأشكالها المتعددة .
وفيما يتعلق بالجوانب الإقتصادية نصّت الإتفاقية على دعم العراق على الوجه الذي يساعد على الإسراع بالتنمية الإقتصادية وتوسيع فرص الإستثمار ، بخاصة في مجالات تنمية قطاعات النفط والغاز والكهرباء وغيرها من القطاعات الصناعية والزراعية . كما نصّت على مساعدة العراق على إسترجاع الأموال والآثار العراقية التي أُخرجت من العراق بشكل غير مشروع .
وفيما يتعلق بمجالات التعاون الثقافي والصحي نصّت الإتفاقية على دعم العراق في جوانب تطوير الوضع الصحي ، وتدريب الكوادر الصحية وتشجيع الإستثمار في هذا المجالات .
أما الجوانب المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات فقد نصّت الإتفاقية على دعم العراق في مجالات تنظيم وتطوير تكنولوجيا المعلومات وخدمات الإتصال .
وفي محيط القانون والقضاء أشارت الإتفاقية الى دعم نظام العدالة الإجتماعية العراقي ، بكل ما يشمله من بناء القدرات القضائية والمحاكم والشرطة والسجون والتدريب ، وكيفية محاربة الإرهاب والفساد والجرائم على إختلافها .
وبعد إكتمال التفاوض بين الوفدين المذكورين تم عرض قانوني الإتفاقيتين المشار إليهما على مجلس الوزراء ومجلس النواب وبعد مناقشتهما حصلت الموافقة عليهما بتاريخ 1/1/2009 ودخل الإتفاق حيّز التنفيذ بتاريخ 1/1/2009 بعد نشره في الجريدة الرسمية ، وانسحبت القوات الأمريكية المقاتلة من المدن العراقية بتاريخ 30/6/2009 بينما انسحبت هذه القوات كلياً من العراق بتاريخ 31/12/2011.
خِتاماً يعتبر هذا الكتاب وثيقة دبلوماسية مهمة تتناول بالدراسة المفصلة واحدة من الأحداث المهمة والخطيرة في تاريخ العراق المعاصر .
لكنه توجد بعض الملاحظات حول بعض القاضايا التي لم يتناولها مؤلف هذا الكتاب بشكل واضح :
الأولى : حول تعويض الأضرار الجسيمة والمخاطر الكبيرة التي سببتها القوات الأمريكية للعراق والعراقيين خلال فترة الإحتلال ، والتي تضمنت مقتل وجرح عدد كبير من المواطنين العراقيين الأبرياء ، وتعرّض الكثير من المنشآت العراقية الى الدمار ، وتوقف عجلة التطور الإجتماعي والإقتصادي في العراق خلال فترة الإحتلال . وقد أشار المؤلف في كتابه هذا الى أن القوات العسكرية المحتلة مسؤولة عن ضمان الأمن والإستقرار خلال فترة إحتلالها ، وهي كذلك مسؤولة عن تعويض الأضرار التي تحصل من جراء إحتلالها لأراضي الغير وفقاً لمبادئ منظمة الأمم المتحدة ، وهنا يُثار السؤال :
هل ينبغي المطالبة بتـعويض الأضـرار الجسيمة التي سببتها القـوات العسكرية الأمـريكية للعـراق والعـراقيين ؟
ومَن ينبغي أن يقوم بذلك هل هي السلطات العراقية أم المواطنين العراقيين ، ومتى ينبغي أن يحصل ذلك . ؟
والموضوع الثاني حول جوانب التعاون والدعم الذي تضمنته إتفاقية التعاون الإستراتيجي للعراق والعراقيين من قبل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي أشارت الى جوانب متعددة ومتنوعة في المجالات الإجتماعية والإقتصادية والتكنولوجية والثقافية والصحية والأمنية ، لكن ما حصل في الواقع منذ عقد الإتفاقية وحتى الآن ضئيل وضئيل جداً .
والسؤال : لماذا لم تُستغل هذه الإتفاقية لتعويض الأضرار الجسيمة التي تعرّض لها العراقيون خلال فترة الإحتلال ، وكيف ينبغي إستغلال تلك الإتفاقية في المستقبل ؟
والموضوع الثالث ، حول المحرك الرئيسي لعملية إنسحاب القوات الأمريكية من العراق ، هل هو مطالب وإلحاح السلطات العراقية تحقيقاً لإستقلال العراق وسيادته على أراضيه كما طبّلت وزمّرت حول ذلك وسائل الأعلام العراقية بأشكال مختلفة ولفترات طويلة ، أم أنها الأضرار والنكسات الكبيرة التي تعرضّت لها القوات الأمريكية من جراء ذلك الإحتلال ، بعد أن قُتل منها خمسة آلاف من العسكريين وجرح ما يزيد عن الثلاثين ألفاً وخسائرها المالية التي قاربت الترليون دولار ، وهو ما اضطرها الى أن تسارع في سحب قواتها العسكرية من العراق إنقاذاً لمصالحها الإجتماعية والإقتصادية ، وهو الذي أصبح أحد أهم الإجراءات والسياسات في عهد الرئيس باراك أوباما (1) .
وفيما يتعلق بالموضوع الرابع ألا ينبغي إعتبار إسراع القوات الأمريكية من العراق هروباً من المشاكل والمصاعب التي كانت تعاني منها أحد الأسباب التي تقف وراء سيطرة داعش على مساحات كبيرة من الأراضي العراقية بسبب عدم إقتران ذلك الإنسحاب بالتسلّح والتدريب الضروري للقوات العسكرية والأمنية العراقية ؟
( ) قارن خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتاريخ 31/آب/2010 المنشور في الصفحات 346- 350 من الكتاب ذاته .
وأخيراً هل يعني هذا النموذج من الإنسحاب الكلي والسريع للقوات الأمريكية من العراق تنازل الولايات المتحدة الأمريكية عن أهدافها ومصالحها في العراق التي من أجلها خاضت هذه الحرب الضروس ، وتعرّضت من جرائها الى تلك الخسائر الفادحة بالأموال والأرواح التي أشرنا إليها سابقاً ؟ أم أنها فضّلت الإعتماد على نموذج جديد للتدخل في الشؤون العراقية لضمان مصالحها عندما تقتضي الضرورة ، وذلك عن طريق العدد القليل من قواتها المتواجدة حالياً في العراق لتدريب العراقيين ، وما يتواجد من أعداد كبيرة من الأمريكيين المدنيين والعسكريين داخل السفارة الأمريكية في بغداد والتي تعتبر أضخم سفارة أمريكية بُنيت في العالم وكذلك بالإعتماد على القواعد والقوات الأمريكية المنتشرة في منطقة الخليج العربي بأعداد وإمكانيات عسكرية كبيرة والتي من الممكن إستدعائها عند الضرورة ؟