أحلام يوسف
لم تكن اللوحة التشكيلية يوما الا قصيدة ملونة، ولم تكن القصيدة الا لوحة تزينت بألوان المعاني والمفردات المباشرة والمجازية التي تطير بك بزاوية الأعراف حيث تقع، ما بين الجنة والنار.
كثيرة هي الكلمات التي لا نجد لها تفسيرا او شرحا وافيا، فمثلما الحب بكل ما به من ثورة وسكينة، فرح وحزن، حالة تجمع كل المتناقضات، لكن لا أحد يستطيع التعريف به بكلمة مرادفة، كذلك هو الفن. فان قلنا انه ترجمة لمكنونات الانسان، لم نفه حقه وتفاصيله وزواياه العميقة والجميلة.
شكل الفن منذ القدم دورا رئيسا في حياة البشر، وهذا ما دفع الانسان الأول الى رسم تفاصيل حياته على جدران الكهوف، ومن ثم أصبح فن الرسم طريقة للمخاطبة.
يجد افلاطون ان الفن ببعض تنوعاته ما هو الا حيلة وخداع للمتلقي، فمن يرسم راقصة باليه، لا يعرف حقيقة مشاعرها وهي تمارس الرقص، او طبيعة الحياة التي تعيشها، فهي بريشة الفنان تبدو سعيدة بألوانها ورقصتها في اللوحة، والحقيقة ان الحزن يلفها وسط كل الألوان البراقة المخادعة.
قد يكون رأي افلاطون يحمل شيئا من الصحة، وقد نتلمس ذلك في الاعمال الدرامية والأفلام السينمائية بنحو عام، اذ غالبا ما تكون النهايات فيها سعيدة، لكن.. هل فعلا النهايات دائما تكون سعيدة؟ هل ان المشكلات بين الحبيبين تنتهي بإعلانهما الزواج؟ ام قد تكون تلك النهاية السعيدة، بداية لفصل آخر من الحياة، ملؤه الاسى والندم حتى على تلك الخطوة التي اتخذوها بلحظة عشق غامر؟
فعادة ما ينتهي الفيلم بطريقة ما، يخفي بها البداية الأخرى للقصة، فهو يريد إيصال رسالته بطريقة يمكن ان تكون بعيدة عن الواقع لان المشاهد من وجهة نظره، في اغلب الأحيان يهرب من واقعه المزري بمتابعة الفيلم، او المسلسل، فمن القسوة ان نحول الفن الى نقل للواقع بكل قبحه واتعابه.
المخرج خالد يوسف «الابن الفني للمخرج العالمي يوسف شاهين» اعتمد في غالبية أفلامه على عرض الواقع المصري في البيئات الفقيرة والعشوائيات، والتي تبرز الجانب المظلم والاسوأ في حياة المصريين، لكنها تضع الحياة بكل جوانبها القبيحة والمؤلمة امام انظار المشاهد، فلو كان افلاطون بيننا اليوم هل سيسمي هذا فنا حقيقيا من دون غيره؟. قد يكون كذلك، لكن يوسف تعرض لانتقاد لاذع من قبل بعض النقاد والغالبية العظمى من الجمهور العربي المصري تحديدا، اذ وجدوا ان بؤس الواقع يجب ان لا ينقل صورة طبق الأصل، لان العمل الدرامي او السينمائي يجب ان يعرض المشكلة ويعرض حلولا لها، وقبل هذا عليه ان يدخل الجانب الفني الذي يحوي بين سطوره تعابير مجازية، واحداثا فانتازية يمكن ان تقلل من عنف الخيبات التي يشعر بها المشاهد وهو يتابع أفلام الواقع.
لكن.. وبعيدا عن الواقعية والمجازية، فان الفن يبقى ملجأ لمن يسعى الى الهرب من واقعه، ولا يقوى على تنفيذ ارادته، فيكون الهرب في المكان نفسه من خلال شاشة التلفزيون.
أخيرا فان امير الشعراء احمد شوقي قال في الفن:
قيل ما الفن قلت كل جميل
ملأ النفس حسنه كان فناً
واذا الفن لم يكن لك طبعاً
كنت في تركه إلى الرشد أدنى
وإذا لم تزد علي مابني الأول
شيئاً فلست للفن ركنا
اما الروائي والشاعر المصري نجيب الكيلاني فقال في الفن:
عشقت الفن لا للفن لكن للذي أسمى
وسددت قصيد الشعر في قلب الخنا سهما
عشقت الفن معراجا إلى غاياتنا الشما
أردد فوق قيثاري نشيداً يشعل الهمة
يذكرنا بماضينا ويجلو عنه ما غما
ويوقظ هاجع الآلام كي لا نقرب النوم
أريد الفن أن يلهب روح الغضبة الكبرى
يشكل جيلنا الحيران يذكي فكره الحُرَّا
يفيض على الربى عدلاً ويملأ روضها بِـرَّا