رولان بارت
26 أكتوبر 1977
ليلة الزفاف الأولى.
لكن الليلة الأولى من الحداد.
26 أكتوبر 1977
– مؤسف أنك لا تعرف جسد المرأة!
– عرفت جسد أمي مريضة، ثم محتضرَة.
27 أكتوبر 1977
كل صباح، حوالي 6:30 صباحا، ظلمة الليل بالخارج، وضجيج الخردة في علب القمامة.
قالت بارتياح: وأخيرا حلَّ الصباح (لقد عانت طول الليل، وحيدة، شيء فظيع).
27 أكتوبر 1977
من يدري؟ ربما يوجد القليل من الذهب في هذه الملاحظات.
27 أكتوبر 1977
– «لن يتكرر أبدا»!
– ورغم ذلك، ثمة تناقض: هذا الذي «لن يتكرر أبدا» ليس أبديا، بما أنك ستموت يوما ما.
« لن يتكرر أبدا» تلك كلمة خالدٍ.
28 أكتوبر 1977
نقْل جثمان أمي؛ من باريس إلى أورت (مع ج ل والناقل): استراحة لتناول الغداء في مقهى شعبي صغير في سوريني بعد (توور). الناقل قابل زميلا (يقود جثمانا إلى هووت فيين) وتناول الغداء برفقته. تمشيت بضع خطوات مع جون لويس بمحاذاة الساحة (بنصبها التذكاري الحربي الرهيب)، طريق ترابية، رائحة المطر، مقاطعة بائسة. وبرغم ذاك، كل تسريحة أولى مثلما طعم للحياة (بسبب الرائحة العذبة للمطر)، مثلما رجفة وجيزة جدا.
29 أكتوبر 1977
من الغريب أن صوتها الذي أحفظه عن ظهر قلب، والمعروف أنه نبرة التذكر ذاتها («اللكنة المحببة…»)، أنا لا أسمعه، كأنه صمم محدَّد.
29 أكتوبر 1977
في الجملة «هي لن تشعر بألم بعد الآن»، إلى ماذا، لمن يعود الضمير «هي»؟ ماذا يعني هذا الحاضر؟
29 أكتوبر 1977
فكرة – رهيبة، لكن ليست محزنة أنها لم تكن «كل شيء» بالنسبة لي. وإلا لم أكن لأكتب أي عمل. منذ أن بدأت أهتم بمرضها، منذ ستة أشهر، فعلا، كانت «كل شيء» بالنسبة لي. كدت أنسى تماما أنني كاتب. لم أعرها اهتماما زائدا هكذا. قبل الآن، جعلت نفسها شفافة حتى أتمكن من الكتابة.
29 أكتوبر 1977
إن الرغبات التي كانت لي قبل موتها (أثناء مرضها) لم يعد بإمكانها أن تتحقق الآن، لأن هذا سيعني أن موتها هو الذي يجيز لي تحقيقها – أنّ موتها يمكن أن يكون بطريقة ما محرِّرا لرغباتي. لكن موتها غيرني. لم تعد لي رغبة بما كنت أرغب. يتوجب عليّ أن أنتظر: على افتراض حدوث أو تشكيل رغبة جديدة؛ رغبة ما بعد الموت.
29 أكتوبر 1977
بتدوين هذه الملاحظات
أسلم نفسي للتفاهة التي بداخلي
29 أكتوبر 1977
مقياس الحزن
(موجز لاروس): ثمانية عشر شهرا للحِداد على أب أو أم.
30 أكتوبر 1977
… أنْ لا يدمرني هذا الموت تماما؛ هذا يعني بالتأكيد أنني أريد الإقبال على الحياة، وبجنون، وأنّ خوفي من موتي لا يزال هناك، لم يتزحزح قيد أنملة.
31 أكتوبر 1977
ليس لي رغبة بالكلام عن ذلك مخافة التورط في الأدب – أو دون التأكد من أنه لن يكون كذلك. على الرغم من أن الأدب بحق متجذر في تلك الحقائق.
31 أكتوبر 1977
الاثنين الثالثة مساء – عدت وحيدا إلى الشقة. كيف أستطيع العيش هنا بمفردي؟ وفي الوقت ذاته من المؤكد أنه لا يوجد مكان بديل.
31 أكتوبر 1977
حصة مني تلزَم اليأس، في الآن ذاته حصة أخرى تتأهب ذهنيا لترتيب شؤوني الأكثر تفاهة. كعلة يراودني هذا الشعور.
31 أكتوبر 1977
في بعض الأحيان، تسود لحظة بياض، لفترة وجيزة جدا- كما لو أنها حالة تبلّد – لا لحظة نسيان. هذا يخيفني.
31 أكتوبر 1977
رؤية ثاقبة جديدة؛ من الغريب أن نرى (في الشارع) قبح أو جمال الناس.
01 نوفمبر 1977
من جهة، تطلب مني كل شيء؛ الحداد كاملا، لانهائي. (لكن بالتأكيد ليست مسؤولة، إنني أنا من يدفعها أن تسألني ذلك). من جهة أخرى (بما أنها حقا مسؤولة) توصيني بالتسلية، المرح، كما لو أنها لا تزال تقول لي: «هيا اذهب للخروج، لتغيير الجو..».
04 نوفمبر 1977
فكرة الإحساس الذي راودني هذا الصباح، إزاء نصيحة التسلية في الحداد؛ إيريك يقول لي اليوم إنها بالذات ما قرأه للتو عند بروست (بين الراوي والجد).
04 نوفمبر 1977
حوالي 6 مساء. شقتي: دافئة، ناعمة، مضاءة. قمت بترتيبها هكذا، بكل نشاط وإخلاص (أنا أستمتع بذلك بمرارة): من الآن فإلى الأبد أنا أم نفسي.
04 نوفمبر 1977
عصرية حزينة. تسوق سريع. اشتريت حلوى (نزوة) من المخبز. النادلة الصغيرة التي تخدم زبونا قالت: «هنا». كانت تلك الكلمة التي أقولها لأمي، فيما كنت أقدم لها شيئا، عندما كنت أهتم بمرضها. ذات مرة، قبل رحيلها، شبه فاقدة للوعي، رددتِ الصدى «هنا»{أنا هنا، هي الكلمة التي كان أحدنا يقولها للآخر طوال الحياة}.
كلمة النادلة أبكتني. أنا أبكي منذ فترة غير وجيزة (عند عودتي إلى الشقة الصامتة).
هكذا يمكنني تحديد حِدادي:
إنه غير متواجد في العزلة، في واقع التجربة، الخ؛ أتوفر هنا على نوع من الترف والسيطرة. يجب أن تجعل الآخرين يشعرون أنك أقل حزنا مما يظنون. إنه متواجد هنا حيث يتجدد تمزيق علاقة الحب، في «كنا نحب بعضنا»: النقطة الأكثر إيلاما عند النقطة الأكثر تجريدا.
06 نوفمبر 1977
نعومة صباح الأحد. بمفردي. صباح الأحد الأول بدونها. أشعر بدورة أيام الأسبوع. أواجه السلسلة الطويلة للأزمنة بدونها.
06 نوفمبر 1977
(أمس) فهمت أشياء كثيرة. تفاهة ما كان يبلبلني (الاستقرار، الشقة المريحة، الثرثرة وحتى المزاح مع الأصدقاء أحيانا، والمشاريع… إلخ).
حدادي يتمثل في علاقة الحب، وليس في تنظيم حياة. ويطرقني من خلال كلمات (الحب) المتبرعمة في رأسي..
06 نوفمبر 1977
ثمة رغبة في «الشجاعة». لكن وقت الشجاعة هو الذي كانت فيه مريضة؛ عندما كنت أهتم بمرضها لما أرى معاناتها، أحزانها، وكان لزاما عليّ أن أخفي ألمي. في كل لحظة كان من الضروري اتخاذ قرار، أو مواجهة. تلك هي الشجاعة – الآن الشجاعة تعني الرغبة في الاستمرار وليس أمامنا سوى الكثير.
06 نوفمبر 1977
صدمتني الطبيعة التجريدية للغياب، مع ذلك، فإنها موجعة وممزِّقة. هكذا أفهم التجريد بشكل أفضل: إنه غياب وألم؛ ألم الغياب – لذا من الممكن أن يكون ذلك الحب؟
المترجم: ميشرافي عبد الودود