عدو الإعمار

بين السيد رئيس الوزراء في خطابه الأخير امام جمهوره ان الفساد هو العدو الأول للإعمار، مثلما الإرهاب العدو الأول للاستقرار والأمن. وحيث ان الدولة العراقية بكل مفاصلها الأمنية والقضائية والشعبية والسياسية، توجهت نحو القضاء على ذلك العدو، ونجحت فعلا، حين تم القضاء على الإرهاب نهائيا. في حين ان العدو الآخر الذي لم يقض عليه لحد الآن، مازال قويا، يمارس نشاطاته في مؤسسات الدولة بحرية، برغم كثرة المؤسسات الرقابية والقضاء والحملات التي يطلقها رئيس الوزراء والتوجه الحكومي العام بعد الانتهاء من داعش للتوجه على الانتهاء من الفساد، الا ان النتائج على الواقع، للأسف لا تشير الى تقدم ملموس في هذا الجانب، والسبب يعود الى عدم استعمال الأسلحة التي تناسب المعركة مع الفساد، وعدم تكثيف الجهود والإرادة الحقيقية لمحاربة الفساد. وهذا الكلام، يتأكد من خلال تقارير النزاهة التي تطلقها بين الحين والحين الآخر، كاشفة عن حجم الفساد في دوائر الدولة خصوصا التجاوزات على العقارات العائدة للدولة، حيث شهدت الفترة الأخيرة الكشف عن استرجاع الكثير من العقارات التي نقلت ملكيتها عن طريق التزوير، وربما غير المكتشف اكبر بكثير من المكتشف. اذن: ثمة نزعة نحو الفساد، داخل نفوس الكثيرين، والسبب هو عدم الشعور بوجود عقوبة تطالهم، عدم الزجر والردع، اذ يشعر الفاسدون ان لا أحد سيتمكن من محاسبتهم نتيجة فسادهم، وهذه بحد ذاتها مشكلة. اذ ان السلاح الأهم الذي على الدولة متمثلة بالمؤسسات ذات العلاقة يتمثل بزرع بذرة الخوف من القانون لدى الموظفين والمواطنين، قبل محاسبتهم، وهو مبدأ الوقاية من الفساد خير من العقاب. وهذا المبدأ يتمثل بتفعيل النصوص القانونية الموجودة، ومعالجة الهفوات في بعض النصوص والتي تمكن من الإفلات من العقوبة. وقبل هذا كله، بث ثقافة النزاهة والالتزام بالقانون داخل مؤسسات الدولة، وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب. الاعمار في هذا الوقت، هو مطلب العراقيين جميعا، لكنه بالوقت نفسه نافذة كبيرة يطل منها الفاسدون للوصول الى المال العام، حيث لا يمكن ان يحصل أي اعمار ولا بناء ولا خدمات، مادام الفساد يمارس بحرية. القوانين التي تحارب الفساد هي نفسها، عدا بعض مشاريع القوانين التي طرحت للقراءة داخل مجلس النواب وتم ترحيلها الى الدورة القادمة، كقانون من أين لك هذا وقانون تعديل قانون هيئة النزاهة. الأجهزة الرقابية هي نفسها برغم وجود الكثير من الملاحظات على عملها ووجودها وكيانها القانوني وصلاحيتها. كما ان الكتل السياسية مازالت محتفظة ببعض رموزها الذين عليهم مؤشرات الفساد، واعادت ترشيحهم للدورة المقبلة برغم معرفتها بعدم نزاهتهم. كما ان قطع الطريق على الفاسدين من التواجد داخل مجلس النواب يتمثل بعدم السماح لهم بالترشح الى الانتخابات، وهذا لم يحصل ابدا، حيث ان قانون الانتخابات سمح للكثير من الذين عليهم ملفات فساد وقضايا في النزاهة من الاشتراك بالانتخابات بصفة مرشحين، وحتى الذين صدرت بحقهم احكام واكتسبت الدرجة القطعية، سمح لهم بالترشيح. وهذا ما يعني وللأسف انه ليست هنالك جدية في محاربة الفساد. وبقاؤه قد يستمر وقد لا يتحقق النصر عليه مثلما تحقق النصر على الإرهاب، لأن الآليات المستعملة في هذه الحرب آليات تستعمل في السلم لا في الحرب.
سلام مكي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة