عبد الجبار العتابي
نعت الاوساط الثقافية والادبية العراقية الكاتب الموسوعي والاديب حميد المطبعي الذي رحل عن الدنيا عن عمر 76 عاما في مدينته (النجف) بعد صراع طويل مع المرض ومعاناة كبيرة من الاهمال ، ليردد الاحباء من بعده (وتبقى حيّاً أستاذنا أبا خنساء..) ومن ثم يهتفون بقول الشاعر الجواهري (لغزُ الحياة وحَيرة الألبابِ .. أنْ يستحيلَ الفكرُ محضَ ترابِ)، فيما كان البعض يردد كلمات (تعسا لمن اهمله وتعسا لمن تفرج عليه وهو يمضي لرحلة بلا عودة) .
ومن المؤسف القول ان احدا لم يهتم به خاصة في السنوات الثلاث الاخيرة التي اشتد فيها المرض عليه ولم يكن بمقدوره ان يفعل شيئا ازاء معاناته وذهبت المناشدات ادراج الرياح ،فلم يكن للمؤسسة الثقافية أي حضور في محنته وغابت الدولة تماما عنه مما اضطر اسرته الى نقله من بغداد الى مدينة النجف ليكون قريباً من أخوانه وذويه واقاربه ، فترك بيته و(صومعته) فيها والتي لم يغادر جدرانها منذ العام 2003، حد ان الصحفي زيد الحلي قال ( وفي آخر لقاء معه قال لي : في هذه الصومعة اتمنى مغادرة الحياة ..) ، فعاش في داره بالنجف بين الغيبوبات والاوجاع والمسكنات التي كانت تترك اثارها على جسده حتى لفظ انفاسه الاخيرة .
ويعد الراحل حميد المطبعي من ألمع الكتاب العراقيين بل واغزرهم كتابة حتى يمكن القول انه كان (مؤسسة ثقافية) لوحده ، لاسيما وانه اشتهر بتأليف الموسوعات الخاصة بسيرة معظم أدباء ومفكري العراق والتي غدت مراجع موثوقة، مثلما كانت له اهتمامات كبيرة بأدب الرحلات والنقد الادبي والثقافة والسياسة ..، ويؤكد المقربون منه والمجايلون له انه يعد في طليعة الداعين إلى النهضة الأدبية والثقافية ..، وكان قد اصدر في النجف في اواخر الستينيات (1967) مجلة الكلمة التي يصفها الكثيرون انها (كانت صوتا مجددا وجريئا) والتي ظلت حتى عام 1975 وكتب ونشر فيها اعظم جيل الستينيات من شعراء وقصاصين ونقاد، كما يؤكد الناقد شجاع العاني ويضيف :(بل ان المجلة بلورت وساعدت في نشوء هذا الجيل وتطوره بحيث يمكن ان يدعى _جيل الكلمة) وما ان رأى ابناء الاجيال السابقة من الأدباء نجاح المجلة واستمرارها حتى اقدموا على النشر فيها. وهكذا فأن اسماء شعراء وكتاب كبار كالبياتي ونجيب المانع وآخرين راحوا ينشرون في الكلمة لتصبح مجلة كل الادباء العراقيين وليست خاصة بجيل واحد) .
وسبق لـ (ثقافات) ايلاف ان كتبت عنه يوم 27 أكتوبر 2014 انه (وحيد ومريض ولا يعرف الراحة/ حميد المطبعي.. الذي تناسته المؤسسة الرسمية!)
والراحل حميد المطبعي هو : حميد بن الشيخ محمد علي بن علي الصحاف، النجفي، ولد في مدينة النجف عام 1361ه/1942م، وتعلم في مدرسة الغري الأهلية، ومتوسطة الخورنق المسائية، ثم واصل دراسته في معاهدها العلمية، فدرس الفلسفة، واللغة العربية ، وقد اخذ الكثير مما يجب أن يعرفه وهو في سن الشباب من عبد الكريم الزنجاني صاحب نظرية التقريب بين المذاهب، ومن هنا تعلم التسامح، وتعلم احترام الآخر، وعرف الشوق لأنه كابده.
في أواخر الخمسينيات تعرف المطبعي على الوجودية فارتبط بروادها وتراسل مع صاحب الفلسفة الوجودية، جون بول سارتر، وتعلم من جيفارا ان النزعة الثورية حركة. فلسفته: «الأنسان أقوى من الحرية، والحرية أضعف من أن تغري الأنسان على السقوط»
سمي بالمطبعي، لامتلاكه أو عمله في المطابع، حيث عمل في مطبعة الغري المؤسسة عام 1339ه/1920م، التي يمتلكها والده، ترأس تحرير جريدة العامل الاشتراكي، وجريدة النقابي، كما أصدر مجلة ثقافية وفكرية مهمة، كانت مسرحا لحركة أدبية طليعية، اسماها مجلة الكلمة وذلك عام 1967 واستمرت بالصدور حتى عام 1975، ولو لم يفعل المطبعي في حياته، غير اصدار مجلة الكلمة، يدخله التاريخ الأدبي من أوسع أبوابه.
وقد اتجهت المجلة نحو اليسار والماركسية، وكانت تتحدث عن الديمقراطية وحرية الكلمة، فاستقبطت الكثير من الكُتاب والأدباء والشعراء من داخل العراق وخارجه، أمثال، نزار قباني، وسعدي يوسف، وأدونيس، وعبد الواحد الخضيري، وبشرى البستاني، وعبد الرحمن طهمازي، وجليل القيسي، وإسماعيل فهد إسماعيل، ويوسف الحيدري، ومحمود جنداري.
اصدر (25) كتابا، منها: عشرون جزءاً من موسوعة المفكرين والأدباء العراقيين، وموسوعة أعلام العراق في القرن العشرين في ثلاثة أجزاء، التي عدّها عملا مميزا وثمرة جهد واجتهاد مضن، لا يعلمه الا من تابعه بتفاصيل مشاقه اليومية ومع انه وضع مبررا لغياب بعض أعلام العراق وخصوصا اهل الفكر والأدب والسياسة والعلم ممن غادروا البلاد في العشرين سنة الماضية، في قوله «منهم من ارتحل عنا الى أماكن بعيدة، وباتت عناوينهم صعبة المنال».
وله أكثر من 5000 مقالة في الصحف[وقد أسهم في تأسيس المجالس الأدبية ومنها، ندوة الآداب والفنون المعاصرة
كلمات في حقه
كتب عنه الباحث ا.د. ابراهيم العلاف: هل تكفي بضع صفحات للكتابة عن الرجل الموسوعي، الكاتب، والباحث، والأديب الأستاذ حميد المطبعي.. يقينا أنها لن تكفي، فنحن إزاء جبل من المعلومات، والوثائق، والصحف والمجلات.. له في الصحف فقط قرابة 5000 مقالة، فضلاً عن كتبه المنشورة ، و»مجلة الكلمة» التي أصدرها ،و «موسوعة المفكرين العراقيين» ، وموسوعة «أعلام العراق في القرن العشرين» بثلاث مجلدات، وهو مايزال يحث الخطى.. لا يكل ولا يمل ..ويريد ، أن يحفر لنفسه موقعاً، في الذاكرة الثقافية العراقية المعاصرة.. فمن هو حميد المطبعي؟!.
واضاف: في حزيران 2006، كرم مع نخبة من رواد الصحافة العراقية وشهدائها. ولقد كرمته جريدة الزمان (اللندنية) فوقف الرجل، شامخاً، بين زملائه رواد الكلمة والحرف بانجازاته الكبيرة.. حميد المطبعي كما يحب هو أن يقدم نفسه، إنسان منشغل بالفلسفة، ثائراً بطبعه ، جدلي الفكر، كما انه جدلي الفعل / لايستقر ،ولا يهدأ حتى يضع لمساته على موضوع مقال له.. يتناول الحرية، ويبحث في الإدارة ، ويناقش مديات العطاء الإنساني.. هو «حميد محمد علي المطبعي».. ليس المهم هو من العشيرة الفلانية أو المدينة العلانية، انه ابن العراق، لا يفرق بين من يسكن الشمال ومن يسكن الجنوب… المعيار عنده هو الإبداع.. والمقياس هو من يقدم للعراق.. يستحق أن يشار إليه بالبنان.
وقال عنه الصحفي الرائد زيد الحلي : اعرف ان الكاتب الموسوعي الكبير حميد المطبعي ، اوسع مدى من كل الالقاب ، فأسمه ، يكفي للدلالة على كنز المعرفة والثقافة والعصامية ، لكنه يعيش في بلد شعاره النسيان وعدم الالتفات الى جواهره .. ! ،لو أودعت قلبك لديه ، لخرج فرحانا.. ومسرورا ولو أقنعته بأن يودع لديك قليلا من سريرته ، لشهقت حين تكتشف أن هذا الرجل ينطبق عليه القول : انه مظلوم … مظلوم ، ربما حتى ممن صنعهم ووضعهم امامنا في دروب الصحافة والثقافة .
واضاف: حميد المطبعي ، علم عراقي كبير، انتكس في ظل فوضى الحياة التي تقاذفتها ، ولا نعرف لها مستقراً.
وقال عنه الباحث عكاب السالم: الباحث حميد المطبعي، مثل حي، على قدرة مدهشة على الإفلات من تداعيات (شبكة) التقدم في العمر، بل وتحويل (الشيخوخة) إلى محفز مضاف لعطاء غزير(كماً ونوعاً). إن المطبعي، برغم صمته عن الكلام، وشبه العزلة عن الحضور في هذه الندوة أو تلك، يحلم مع قدر غير قليل من التذكر وأضاف : حميد المطبعي، باحث مؤرخ، رحالة. درس الفلسفة واللغة في معاهد النجف العلمية. أصدر أكثر من ثلاثين كتاباً في الرحلات والحضارة والتاريخ، ويعتز أكثر بكتابه الفلسفي (رسائل الى سقراط). وفي حوار معه بداره العامرة، صباح يوم الجمعة (7 / 2 / 2014 ) ذكر المطبعي أن هذا الكتاب من (أحسنِ كتبه) كما قال: إلى جانب كتاباته الصحفية المتواصلة. يُؤمن بالإنسان فكراً وفلسفة ومنهجاً.