من المفارقات العجيبة التي برزت بعد نهاية الدكتاتورية أن نشيدنا الوطني ليس عراقياً، والعلم، الرمز الأسمى للوطن، لم يتم الحسم بشأنه، وهناك دعوات كثيرة للتعديل عليه أو تغييره واستبداله بعلم آخر.
ولعل أعجب المفارقات وأغربها عدم وجود يوم وطني يحتفل به العراقيون كما هو الحال لدى شعوب العالم، فبالرغم من مرور 15 عاماً تقريباً على تلك النهاية الملتبسة، لم يتم الاجماع بل حتى التوافق بين الكتل السياسية على مثل هذا اليوم.
المغزى من اليوم الوطني هو الحفاظ على شعور المواطنين بالوحدة والانتماء، واستذكار الأحداث الكبرى في تاريخهم، فضلاً عن التفكير في حقوقهم وواجباتهم، وتكريم المتميزين منهم. ولا يوجد بلد في العالم من دون يوم وطني ماعدا العراق الذي ضرب الرقم القياسي بكثرة المناسبات الدينية التي تُعطل فيها الدوائر الرسمية، وتغلق المدارس، وتقطع الشوارع، ولا يحسب فيها حساب لحاجات المواطن الخاصة أو مشاعره.
من جميل سنوات الغربة والترحال أنها وضعتني أمام مشاهد لا تنسى لاحتفالات بعض الشعوب الأوروبية بأعيادها الوطنية كالاستقلال مثلاً، وكنت أنتظر اقامتها بشوق حقيقي لأنني كنت أشعر حقا وكأنني في عيد، فالترتيبات التي تخصها غير اعتيادية، إذ يتغير مسار بعض الحافلات، وتوقيتات الميترو، وطرق الوصول إلى الأماكن التي ستقام فيها الاحتفالات، وكنت أسمع أحاديث الناس فأجدها كلها تنصب على هذا الحدث المهم.
حتى البرد الشديد والأمطار والثلوج التي تتساقط بغزارة أحيانا لا تمنع المستعرضين من تقديم عروضهم، ولا المواطنين كبيرهم وصغيرهم من متابعتها، وقد ينصرف الذهن أحياناً إلى الظن أن البقاء تحت هذه الظروف الطبيعية القاسية أمر إجباري.
كانت هذه الاحتفالات تعيدني إلى الماضي فأتذكر كيف كانت احتفالاتنا بمثل هذه المناسبات تختلف من نظام إلى نظام آخر، ومن رئيس إلى رئيسآخر، وقليلاً ما كانت تجري في أجواء طبيعية، أو خالية من الاستعراضات العسكرية وأرتال الدبابات التي تجعلني أزداد نفوراً منها ومن التعليقات المتضخمة المنتفخة عن الحكام، وهم في غالبيتهم من المغامرين العسكريين، عندما تبث عبر القناة التلفزيونية الوحيدة.
ربما كانت المتعة الحقيقية بأعيادنا هي أن نحظى بيوم عطلة نرتاح فيه، ونتخلص من ضغوط العمل، أو نجتمع بالأهل والأصدقاء لنتبادل النكات عما يجري لنا من مصائب ونكبات.
كم كان بودي أن يكون للعراق يوم يشعر فيه العراقيون أنهم أبناء شعب واحد على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم وتعدد ثقافاتهم، يوم لا يرغم فيه أحد على الخروج والهتاف بحياة الزعيم الملهم أو قائد الضرورة، يوم يفرح فيه الأطفال ويمتلئ الرجال والنساء بهجة، يوم يغني الجميع للوطن ومن أجل الوطن.
فريال حسين
من أجل يوم يجمع العراقيين
التعليقات مغلقة