الصباح الجديد ـ متابعات:
الزمن والحركة يمثلان مبحثين رئيسيين في الفنون البصرية بشكل عام، سواء أكانت ثنائية الأبعاد أو ثلاثية الأبعاد، أو حتى في الفنون الحركية، كالرقص والدراما والمسرح. وبعكس المفهوم الكلاسيكي لفن التصوير الذي يمثل تجميد لحظة معينة من الزمن داخل اللوحة، أصبح تفكيك الحركة والزمن أحد أهم أفكار الحداثة وما بعدها في الفن التشكيلي، بداية من لوحات تيرنر، رائد الانطباعية الكلاسيكية، الذي اهتم بتصوير الرياح والأمواج الثائرة، عن طريق الإيقاع الحركي للون داخل اللوحة الواحدة، أو في أكثر من لوحة مثل متتالية لوحات مونيه لكاتدرائية رودان، ولأكوام التبن، محاولا القبض على تأثير الوقت في الأشياء على مدار يوم كامل. كما يمكننا استعادة لوحة الفنان الأميركي ليونل فايننغر زوارق شراعية- 1929 التي حاول فيها نقل الشعور بالفراغ والحركة، عن طريق رسم طبقات متتالية من المثلثات بشفافيات مختلفة وألوان متداخلة.
الفنان التشكيلي المصري سمير فؤاد واحد من أهم الفنانين المصريين المعاصرين المنشغلين بمفهوم الحركة والزمن، في شكلهما ما بعد الحداثي، منذ معرضه الأول عام 2002 بعد أن استقال من عمله مهندساً للبرمجيات، وتفرغ بشكل كامل للرسم. حتى أن المتابع لأعماله منذ معرضه الأول يستطيع إدراك جوهر مبحث فؤاد الفني الذي يتبلور حاليا في معرض استعادي كبير بقاعة أفق في القاهرة، ويستمر حتى 15 فبراير/ شباط الحالي.
المتأمل للوحات سمير فؤاد سيكون بحاجة إلى بعض اليقظة والحضور الذهني، حتى يقبض على مقصده بالحركة داخل لوحة، والتي تعتبر النقيض التام لمعنى اللوحة الكلاسيكة القائم على تجميد لحظة معينة داخل إطار اللوحة. يعمل فؤاد على إظهار عنصر الزمن، وتأثيره على الحركة والفيغرز أو العناصر داخل اللوحة، فهو يحاول عن طريق الخط واللون نقل حركة الجسم الذي يتغير موضعه من نقطة لأخرى مع جريان الزمن.
في أعمال فؤاد يعتبر الخط، المصدر الأول لإظهار الحركة ومجالها الأوسع إلى جانب التدرج اللوني الضبابي، والتشويه المقصود للأشكال واتجاه الخط واللون باعتبارهما من عوامل تأكيد الحركة داخل اللوحات ثنائية الأبعاد، عن طريق عمل إيقاع حركي داخل اللوحة، ليستعيد فؤاد بعض سمات المفهوم الفلسفي للحركة، كحالة مراوحة بين الانتقال من وجود إلى وجود آخر، كأن تكون هنا، ثم تصبح هناك، بكل ما يحمله الزمن الفاصل بين هنا وهناك من تحولات داخلية وخارجية على الإنسان أو حتى على الطبيعة الصامتة والزهور والموجودات، ليتجاوز فكرة الثبات ويحاول تعميق مفهوم الحركة كسلسلة متتالية من الأوضاع التي تستغرق زمنا معينا.