متابعة الصباح الجديد:
وفقًا لدراسة طويلة قامت بها جامعة أكسفورد، فإن المراهقين الذين كانوا يقضون أوقات فراغهم في القراءة، حصلوا في الكبر على وظائف أفضل، وهذه الدراسة قد اُجريت على 17 ألف شخص ولدوا في الأسبوع نفسه عام 1970، وتتبعت الدراسة عاداتهم وميولهم والتقدم الذي أحرزوه مع تقدمهم في العمر. نتائج كثير من الدراسات جعلت أغلب الآباء يحرصون على أن يتعلم أطفالهم عادة القراءة مبكرًا لتحقيق فوائد أكثر، فكيف يمكن البدء في مساعدة الطفل ليكون قارئًا نهمًا؟
تبدأ تنمية هذه العادة منذ ولادة الطفل، اقرأ له أي كتاب بصوت مرتفع، رواية أو دليل في التربية أو كتاب في الطبخ، ما يهم هنا هو الكلمات وإيقاع النص، وهذا يختلف عن صوت التلفاز، فالمهم هو أن يكون الصوت حيًا وموجهًا إلى الطفل نفسه، وقد أوصت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال بأن يقرأ الآباء للأطفال بصوت مرتفع، لتعزيز النمو المعرفي لديهم، وبأن يتركوهم منذ سن مبكرة جدًا يعبثون ببعض الكتب لما لذلك من تأثير على ميلهم للقراءة في المستقبل.
علينا أن نهتم في هذه المرحلة بالتواصل البصري مع الطفل، بعد قليل سيبدأ في إصدار أصوات تجاوبًا مع صوتك، والاستجابة له، هنا وإن لم تعنِ للآباء شيئًا لكنها تؤسس لدى الطفل عادة ستستمر مدى الحياة، فإلى جانب المفردات والأرقام وربما الألوان التي يتعرف الطفل عليها، يكون ربط صوتك المحبوب لديه بعادة القراءة مفيدًا له في إقامة علاقة إيجابية مع الكتب.
في مرحلة أكبر أيضًا تكون أمثل الطرق لترسيخ عادة القراءة هي أن نقرأ للطفل، دعه يقلّب الصفحات بنفسه فهي قصته، وفضلًا عن اختيار كتاب شيق، على القارئ أن يبدأ القراءة بصوت مثير يملأه الحماس، وأن تتغير نبرة صوته وفقًا للشخصيات، وأن يتحدث بسرعة أحيانًا وببطء أحيانًا وفقًا للأحداث.
ومن المهم أيضًا أن تستمع في هذه المرحلة إلى صوت الطفل وتعليقاته، لا تطلب منه الانتظار لحين الانتهاء من الصفحة مثلًا، وشاركه انطباعاتك مباشرة في أثناء القراءة.
علينا أن نختار أوقاتَا مختلفة خلال اليوم للقراءة وأن نختار الكتب التي نقرأها للطفل قبل النوم بعناية لنرسم له مشهدًا جميلًا قبل أن يخلد للنوم.
حين يبدأ الطفل في تعلم القراءة يمكن أن نتبادل الأدوار معه، فندعه يقرأ الكلمات التي نعرف أنه يمكنه قراءتها، دون أن يبدو الأمر وكأنه اختبار، وهكذا ينتقل دور القراءة إليه بالتدريج. القراءة بصوت عالٍ إحدى الطرائق لكي نجذب الأطفال للاستمتاع بالقراءة، وحينها يسعى الطفل لأن يختبر بنفسه تلك التجربة، ليتوج محاولاتنا أخيرًا بمشهد رائع له وهو يتخير كتابًا من المكتبة ويشرع في القراءة.
وفقًا لصندوق محو الأمية في لندن تؤكد الأبحاث أن حب القراءة يبدأ في عمر الطفولة، وغالبًا ما لا يتمكن الأشخاص من بناء عادة القراءة ما لم تبدأ لديهم في ذلك العمر، وقد نجحت إحدى المدارس في لندن في ترسيخ عادة القراءة لدى طلابها حين رسّخت لديهم صورة عن المكتبة بأنها مكان للهرب والراحة من الضغوط، والاسترخاء بعيدًا عن المشكلات الاجتماعية أيضًا، فكانت المدرسة تحرص على أن تخبرهم قبل الذهاب إلى المكتبة أنهم على موعد مع «ساعة الهرب إلى الراحة».
هناك أفكار يمكن من خلالها دفع الطفل للاستمتاع والتفاعل مع الكتاب، منها أن يجمع الطفل في صندوق عناصر أو شخصيات القصة التي يقرأها معك، وأن يقوم بتزيين الصندوق بنحو يدلّ على موضوع القصة.
وإحدى الوسائل الفعالة أيضًا إذا كان لديك طفلان، أن يقرأ الكبير للصغير بحيث ننمي مهارات القراءة والاستماع لدى كليهما.
كما يمكن أن تكون رحلات العائلة موضوعًا لدفع الطفل للكتابة عنها ثم مشاركتها مع الأسرة بصوت مرتفع. يمكن أن تجرب لعبة مع العائلة، تتبادلان قراءة بعض الكتب، وتلعبان لعبة الأسئلة: من هي الشخصية التي قالت كذا؟ أو في أي كتاب حدث كذا؟ وتكافئ في النهاية الأكثر انتباهًا، وإذا اعتاد الطفل في مناسبات مبهجة على أن تكون هديته أحد الكتب، سيتحوّل الكتاب في تصوره إلى شيء لطيف ومثير للدهشة.
يتفق العديد من الخبراء على أن المدرسة مهما بلغ دورها فالمؤثر الرئيسي يبقى الأسرة، لذلك على الوالدين الاهتمام بأن يكون هناك كتب في متناول الطفل دائمًا في المنزل، لاسيما في غرفة المعيشة وأماكن جلوسه، بحيث يخلق هذا مجالًا لأن يلتقط الطفل أحدها ويتصفّحه، اسمح له بلمس الكتاب وشمّه وحمله والشعور بوزنه وحجمه ودعه يتنقل بين الكتب مهما كثرت حتى يجد كتابه، وسيكون سعيدًا باكتشافه. وحين يبدأ في اختيار الكتب ليكن سؤالك له دائمًا: «ماذا تقرأ؟ ».