عمرو حمزاوي
ملخّص: كانت الأحزاب العلمانية القديمة التي تمتّعت بقدر من الاستقلالية وسعت جزئياً إلى المنافسة السياسية والانتخابية قبل 2011، توّاقة إلى المشاركة بحرية أكبر فى سياسات ما بعد 2011.
تأقلمت الأحزاب العلمانية قديمها والجديد منها بشكل مُتباين مع الانفتاح السياسي المُضطرب في الفترة بين ٢٠١١ و٢٠١٣. فالأحزاب التي تأسسّت وهدفها الرئيس دعم الدولة وخلق صورة مزيّفة للتعددية الحزبية، فوجئت بمباشرة جماعة الإخوان المسلمين وبقية ألوان طيف الإسلام السياسي (من السلفيين إلى الأعضاء السابقين في جماعة الإخوان) تأسيس الأحزاب، كما فوجئت بالترخيص لأحزاب علمانية جديدة والسماح لها بالعمل بحرية نسبيا. كان هذا تغييرا مُربكا للأحزاب العلمانية المُوالية للدولة التي تشكّلت قبل العام ٢٠١١، والتي كانت عموما صغيرة وتفتقد إلى قاعدة شعبية. في الفترة بين ٢٠١١ و٢٠١٣، صار الهدف الرئيس لهذه الأحزاب هو مجرد البقاء على قيد الحياة.
أما الأحزاب العلمانية القديمة التي كان لديها قدر من الاستقلالية وسعت جزئيا إلى المنافسة السياسية والانتخابية قبل ٢٠١١، ومن بينها الوفد وحزب التجمع الوطني التقدمي وحزب الجبهة الديمقراطية، فقد كانت توّاقة إلى المشاركة بحرية أكبر فى سياسات ما بعد ٢٠١١. وقد حدّدت طبيعة تفضيلاتها الإيديولوجية والسياسية نوعية نهجها، وشكّلت التفاوتات بين مختلف أصولها التنظيمية والمالية آفاق فرصها وحظوظها. اختار حزب الوفد، أولا، بناء تحالف انتخابي ضخم مع حزب الحرية والعدالة الذي أسسته جماعة الإخوان أُطلق عليه اسم التحالف الديمقراطي من أجل مصر. هذا التحالف، الذي أعلن لخوض الانتخابات البرلمانية ٢٠١١، ضمّ العديد من أحزاب الإسلام السياسي الصغيرة، كما ضمَّ أيضا أحزابا علمانية منها حزب الكرامة الناصرى وحزب غد الثورة وحزب الجبهة الديمقراطية. بيد أن الخلافات بين الوفد وجماعة الإخوان في ما يتعلّق بالعدد الإجمالي لمرشحي كلٍ منهما، إضافةً إلى مسألة الدين في الحياة السياسية والبرنامج الانتخابي، أسفرا عن فشل التحالف.
قرر الوفد بعد مغادرته التحالف الديمقراطي خوض الانتخابات البرلمانية مُستقلا. وقد مكّنته ماكينته التنظيمية المنظّمة جيدا وفروعه في معظم المحافظات والمدن الكبرى المصرية وإمكاناته المالية المستقرة، من ترشيح أعداد توازي عدد مرشحي الإخوان. أما الأحزاب العلمانية الأخرى، بما في ذلك الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب المصريين الأحرار، إضافة إلى حزب التجمع، فقد تعهّدت بالمنافسة في الانتخابات البرلمانية ضد التحالف الديمقراطي الذي قادته جماعة الإخوان وأيضا المنافسة ضد تحالف آخر للإسلام السياسي كان يؤسسه حزب النور السلفي. هنا برزت الكتلة المصرية كائتلاف انتخابي علماني مناوئ للإخوان، وجاء تمويلها من رجال أعمال كبار. طرحت الكتلة المصرية ــ التي استقطبت إلى صفوفها بجانب المصري الديمقراطي والمصريين الأحرار والتجمع وحزب الجبهة الديمقراطية وعددا من الأحزاب العلمانية الصغيرة ــ برنامجا علمانيا يُصر على فصل الدين عن السياسة وشئون الدولة. بيد أنها نسّقت بقوة مع الكنائس المسيحية لضمان تصويت المواطنين الأقباط لمرشحيها. نتيجةً لذلك، وعلى خلاف الأهداف المعلنة لأحزاب الإسلام السياسي وأحزاب الكتلة المصرية، أضحت البيئة السياسية مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية ٢٠١١أكثر استقطابا وفق تمايزات وانقسامات الهوية الدينية.
ومما زاد من التحديات السياسية والانتخابية أمام الكتلة المصرية أن كلا من الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب المصريين الأحرار، وهما كانا الأكثر أهمية داخل الكتلة، كانا جديدين ولا سجل خبرة يُذكر لهما في المشاركة الانتخابية ولم يكن لهما سوى أصول تنظيمية محدودة. اجتهدت الكتلة للعثور على مرشحين لهم شعبية تؤهلهم لخوض السباق الانتخابى فى ٢٠١١، غير أن الأعضاء السابقين في الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم قبل ٢٠١١) وهم كانوا آنذاك الأقوى حضورا في النسيج الاجتماعي للمدن والريف المصري فضلوا إما الترشُّح على قوائم حزب الوفد أو على قوائم الإخوان.
وفي هذه الأثناء، كان الناشطون الشبان العلمانيون الذين برزوا كمجموعة قوية في ثورة يناير ٢٠١١ وما تلاها من مفاعيل، كانوا أقل اهتماما عموما بتنظيم أنفسهم لخوض الانتخابات البرلمانية وسعوا إلى مواصلة تحرّكهم من خارج العملية السياسية الرسمية. وحتى حين بات بعضهم مهتما بالعملية الانتخابية، إلا أنهم لم ينجذبوا إلى الكتلة المصرية على الرغم من توجهاتها العلمانية بسبب ما اعتبروه هيمنة رجال الأعمال الأقوياء عليها، ودفعوا باتجاه تأسيس تحالفات انتخابية إضافية. فقررت مجموعة من الأحزاب اليسارية الصغيرة والليبرالية الصغيرة أيضا كسر طوق الاستقطاب الإسلامي ــ المسيحي الذي انغمست فيه من جهة أحزاب الإسلام السياسي ومن جهة أخرى أحزاب الكتلة المصرية، فشكّلت ائتلافا علمانيا ثانيا باسم ائتلاف الثورة مستمرة.
هنا عمدت أحزاب يسارية تأسس العديد منها بعد ٢٠١١ مثل حزب التحالف الشعبي أو بدأت مبادرات تأسيسها بعد ٢٠١١ مثل الحزب الاشتراكي المصري والحزب الشيوعي المصري، عمدت إلى رصّ الصفوف مع مجموعات ليبرالية صغيرة (كآنذاك مجموعة حزب مصر الحرية ومجموعة حزب التيار المصري). ومع أن ائتلاف الثورة مستمرة نجح بالنأي بنفسه عن الاستقطاب الديني وبلور برنامجا علمانيا وديمقراطيا واضحا، إلا أن جاذبيته الانتخابية كانت ضعيفة لأسباب متعددة. فالقدرات التنظيمية والشخصية للائتلاف لم تمكنه من جمع الأموال الضرورية للمشاركة في الانتخابات البرلمانية بقوة. ثم إن الخطاب العلماني الواضح المقرون بالنقد ضد جماعة الإخوان والكتلة المصرية لاستخدامهما الدين لأغراض سياسية لم يرق لأقسام واسعة من الهيئة الناخبة المصرية. لذا، طرح ائتلاف الثورة مستمرة عددا صغيرا من القوائم والمرشحين الفرديين في الانتخابات، ونظر إليه باعتباره مجرد باقة من الأحزاب الصغيرة المثالية التي لا تستطيع الفوز في الانتخابات.
في الانتخابات البرلمانية ٢٠١١، تشظّت الأحزاب العلمانية. فائتلافاتها المتبانية أربكت الناخبين، وانخراط بعضها فى عملية الاستقطاب الديني سلّم أقساما كبيرة من الناخبين المصريين إلى الإخوان والسلفيين. وفي خاتمة المطاف، ساعدت الأصول التنظيمية والمالية والإرث التاريخي حزب الوفد على حصد ٣٢ مقعدا في مجلس الشعب الجديد (انعقد في يناير ٢٠١٢)، فيما مكّنت الأصوات القبطية رفقة التمويل الكثيف والحملات الإعلامية النشطة الكتلة المصرية من حصد ٣٤ مقعدا. أما ائتلاف الثورة مستمرة فحصل على ٧ مقاعد فقط، وحزب الكرامة ٦ مقاعد على قوائم جماعة الإخوان المسلمين. وذهبت أغلبية مقاعد المجلس إلى حزب الحرية والعدالة الذي أسسته جماعة الإخوان وحزب النور السلفي وغيرهما من أحزاب الإسلام السياسي (أغلبية الثلثين) التي حصلت على فوز انتخابي عريض رتبه بين عوامل أخرى تفتت وتشظي الأحزاب العلمانية.
ملاحظة: التحليل أعلاه هو جزء من عمل أوسع أعده عن أسباب فشل التحول الديمقراطي في مصر بين ٢٠١١ و٢٠١٣.
* ينشر هذا المقال بالاتفاق مع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ٢٠١٤
لقراءة النص الأصلي٬ اتبع الرابط التالي: http://carnegieendowment.org/sada