2018: الآمال والتوقعات

فريال حسين
كان عام 2017 عاماً حافلاً بالأزمات، محلياً وعربياً وعلى الصعيد الدولي، ولا ندري ما يخبئه لنا عام 2018، ونحن نقطع أيامه الأولى.
لقد انقضى العام ـ والحمد لله ـ من دون أن يتورط العالم بحرب نووية كما توقع مراقبون كثيرون بعد تصاعد اللهجة العدائية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، ومع ذلك، فالمخاوف مازالت قائمة حيال هذه الحرب، حيث يحكم البلدين رئيسان متهوران لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهما، وما يقدمان عليه من خطوات خطيرة مفاجئة.
حتى الآن، أكملت كوريا الشمالية ست تجارب نووية، وسعت الى توسيع نطاق صواريخها الباليستية العابرة للقارات من أجل الوصول الى المدن الاميركية. ومن المتوقع أن يواصل كم جونغ أون رسائله إلى واشنطن في العام الجديد بشأن برنامج بيونج يانج النووي.
على الجانب الآخر، كان الرئيس الاميركي دونالد ترامب قد أعلن عن استراتيجيته للأمن القومي، كما وضع الخطوط العريضة للسياسة الخارجية لبلاده بالاعتماد على القوة، وتعزيز الحمائية الاقتصادية، الأمر الذي ضاعف من حالة عدم اليقين بأن يسود السلام والاستقرار العالم، في الوقت الذي يحتاج فيه إلى قيادة مجهزة بالحكمة والبصيرة والحس السليم.
ولكن ما يجعلنا نتفاءل قليلاً، ونشعر بالأمل، إعلان النصر المؤزر الذي حققه جيشنا والقوى المساندة له على تنظيم “داعش” الإرهابي، وتحطيم دولة “الخرافة” الإسلامية، وإزاحة كابوسها عن صدور العراقيين. بيد أن هذا النصر ينبغي أن لا يجعلنا نطمئن كامل الإطمئنان، فالدول التي صنّعت “داعش” ودربتها ومولتها ودفعت بها إلى أراضينا لن تتوقف عن إثارة الفوضى، والعمل ما استطاعت على تنشيط الخلايا النائمة لتحصد مزيداً من الأرواح البريئة.
أدى دحر “داعش” في العراق وتراجعه في سوريا للانتقال إلى مرحلة جديدة من الصراع على السلطة في المنطقة، واستثمار الدم والمال للإبقاء على الأنظمة القائمة. وقد ضمنت روسيا بقاء قواعدها العسكرية على الأراضي السورية، لكن بالنسبة لإيران، فإن الوضع يبدو أكثر تعقيداً، إذ أصبحت الهدف الرئيسي المباشر للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب بنقل السفارة الاميركية من تل أبيب إلى القدس، واعتبار المدينة عاصمة أبدية لإسرائيل قد وجه ضربة قوية إلى المحور الإيراني إلا أن إيران مازالت تمثل تهديداً جدياً للمحور المناهض لها والذي يجمع بين إسرائيل والسعودية والإمارات بقيادة الولايات المتحدة، لذلك، فإن المواجهة ضدها ستستمر في عام 2018 على جبهات متعددة، بما في ذلك العراق.
كان عام 2017 أيضاً عاماً حاسماً بالنسبة للانتخابات في أوروبا، فالهزيمة الانتخابية للقادة الشعبويين مثل مارين لوبان في فرنسا وجيرت ويلدرز في هولندا أعطتنا لمحة عن الأمل بأن هذه الموجة الشعبوية قد مرت، لكن، ويا للمفارقة، دخل البرلمان الالماني الاتحادي ¬(البوندستاغ) في أيلول/ سبتمبر “حزب البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، والأسوأ من ذلك، أصبح “حزب الحرية الوطني النمساوي” شريكاً، وطرفاً آخر في الائتلاف الحاكم في النمسا قبل أيام قليلة فقط !!
كل هذا يعني أن الإسلام السياسي، والشعبوية، والأحزاب المعادية للأجانب والمهاجرين ليست في وارد النهاية، وأن خطرها مازال قائماً، فهذه التنظيمات على اختلاف توجهاتها قادرة على التلاعب بمشاعر الجماهير الغاضبة المحبطة من أجل أغراضها السياسية، ولكن استياء المجموعات المحرومة المتضررة من السياسات النيوليبرالية أمر ملموس، وما لم تعالج الحكومات المعتدلة الظروف التي تولد هذا الاستياء بالحلول البناءة، فإن الموجة الشعبوية قد تجتاحها جميعاً.
وفي الوقت الذي يتشكل فيه نظام عالمي متعدد الأقطاب، نرى أن من مصلحة العراق المحافظة على علاقات هادئة ومتوازنة مع جميع دول الجوار، وتجنب أية معارك تزجنا بها أطراف خارجية، وأن تكون المعركة الحقيقية في مواجهة الفساد واللصوص والفاسدين جنباً إلى جنب توفير الشروط السليمة لإجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة بما يخلق المناخ المؤاتي للمنافسة على أساس المصلحة الوطنية أولا وقبل كل شيء.
ما نأمله بل ما نحن بأمس الحاجة اليه استراتيجيات طويلة الأجل بدلاً من التكتيكات القصيرة الأجل، والخطوات التي يتعين اتخاذها في عام 2018 ينبغي أن لا تحدد موقف العراق ودوره في العالم فحسب، وانما هويته أيضا، وتنأى به بعيداً عن النزعات العشائرية والطائفية المتفاقمة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة