محمد بتش مسعود
خلف النـّافذة يمتد أفق بعيد,موحش كئيب,كان يجلس أبولحية وقد أثنى
ركبتيه,تنساب حبّـات المسبحة بين أنامله.مطقطقة بين الفينة والفينة الأخرى.
تسـلّل صوت بومة إلى أذنيه,لم يعره أيّ اهتمام فأمّه كانت دوما تقول له
أنّ البوم أحسن منه حظـّا.إستغفر ربّه,تنفّس الصّعداء وأرخى قدميه
العاريتين على حلسٍ كان يفترشه.
لم يكن في الصفّ سوى بعض الافراد,لقد عهِد هذا المشهد منذ سنين, برغم خطب
الإمام المتكرّرة عن فضل صلاة الفجر, لكن لم يكترث لأمره أحد.فقد قال
أحدهم ذات مرّة ما أعذب النّوم والآذان مرتفع.
راجت في القرية الصّغيرة أقاويل وأحاديث عجائز عن لصّ فتك بدجاج القرية,
قيل إنّه محترف بامتيّاز,لقد أبكى عجائز القرية فمنهنّ من فقدت دجاجة
وأكثر.وبرغم محاولات الجميع النّيل منه إلاّ أنّ كل ّ ذلك باء بالفشل, لم
يستطع أيّ أحد أن يقبض عليه ولا أن تُعرفَ هويّته.لقد كان ملثــّما عندما
رآه أحد الأولاد ذات مرّة.
عندما كان أبولحية-كما اعتاد أهل القرية مناداته فوجهه زيّنته لحية
كثيفة- عائدا لبيته ذات مرّة ترجّته عجوز وسألته إن كان قد رأى
دجاجاتها, بحكم عمله كبائع متنقّل للملابس, فهو يطوف أرجاء القرية يوميّا
جارّا عربته الصّغيرة, كان صوته يملأ الأرجاء…فساتين…فساتين…فأهل
القرية يعرفونه جيّدا.
ذات صباح قال له أحد الصّبية ..لقد رأيتُ سارق الدّجاج, لم يعره أيّ
انتباه, كشّر في وجهه وزمجر, رمقه بنظرة غضب قائلا…اذهب والعب مع
أترابك…فهذه الأمور لاتعنيك يا ولد.
بقي في القرية بضع دجاجات لاغير,لقد استراح السّارق المجهول هذه الأيّام,
ربّما سيعيد الكرّة من جديد حين يستعيد نشاطه وخططه فلا أحد يعرفه.
لم يخرج أبولحية هذا اليوم, عند صلاة الفجر سأل عنه الإمام, لكن لاأحد
رآه,لم يعرف أحد وجهته.مرّت أيّام ولا أثر له .
ليلة مقمرة هادئة تخلّلها صراخ كبير وصيّاح…أمسكوه…أمسكوه…لقد عاد
السارق من جديد , لكن لحسن حظّه تسلّل بخفّة مطلقا ساقيه للرّيح.تعالت
صيحات الدّجاج من مكان قريب,إنّه بيت أبولحية ,قال أحدهم لم أسمع يوما
أنّ له دجاجا, قال آخر حين يصبح الدّجاج قضيّة…ربّما وضعها السّارق
…قال آخر ضاحكا وقد فقد جلّ دجاجاته ربّما سرقها أبولحية…تساءل
الجميع والحيرة تملأ أفكارهم.
الضباب يكتسح الأفق ,جاء صوت صارخ من أطراف
القرية…فساتين…فساتين…سراويل….خرجت العجائز وبعض الرّجال, لقد
عاد ذو اللّحية, كان الصّوت يقترب رويدا رويدا على أنغام صدى
الضباب….أسرع أحد الصّبية نحوه وسرعان ما عاد راكضا وقد تقطّعت أنفاسه
…لايشبه أبولحية أبدا..إنّه رجل غريب.
حينها كان الضـّباب يزداد عتمة,ومرّ الرّجل بين جنبات البيوت ورزمة
الملابس على كتفيه , لم يعرفه أحد… لم يكن أبولحية….حتما لم يكن هو.
الجزائر27نوفمبر2017