13 مليون إيراني بحاجة الى الغذاء وثلاثة ملايين يسكنون العشوائيات

خسائر البنوك والسياحة الدينية من أسباب اندلاع الاحتجاجات في مشهد
الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وراء التظاهرات في إيران
متابعة ـ الصباح الجديد
ما يحدث في إيران اليوم ليس احتجاجات أو تظاهرات مثل تلك التي حدثت في 2009 أو قبلها، إذ يرى المراقبون والمطلعون على الشأن الإيراني أو الخبراء فيه، إنه اشتعال طرف فتيل، طرفه الآخر في مخزن للبارود، سيما وأن عود الثقاب الذي أشعل طرف الفتيل كان مشهدياً، وأن المظاهرات التي انطلقت باديء الأمر في مشهد، وعمت ستين مدينة إيرانية، تشبه الى حدما التظاهرات التي أنهت حكم رضا بهلوي شاه إيران السابق.
سبب التظاهرات الأول كما أوردت التقارير ارتفاع الأسعار، وعزم حكومة حسن روحاني الرئيس الإيراني، زيادة أسعار الوقود والخبز في موازنة هذه السنة 2018، ولكن ثمة تقارير حكومية إيرانية ومحلية ودولية، وتقارير أخرى لخبراء ومطلعين تضيف الى هذا السبب أسبابا أخرى، أهمها الفقر.

أرقام ودلالات
في كانون الأول من سنة 2014، تحدث وزير العمل والرفاه الاجتماعي الإيراني، علي ربيعي، عن تحديد أكثر من 12 مليون فقير، ومعاناة أكثر من 8 ملايين إيراني من سوء التغذية.
ووفقاُ لوكالة مهر نيوز للأنباء الإيرانية، أعلن وزير العمل والرفاه الاجتماعي الإيراني عن خطة حكومة حسن روحاني لمكافحة الفقر المتزايد وسوء التغذية، وقال إن أكثر من 8 مليون شخص يعانون من سوء التغذية بحيث تم تقديم الدعم لهم ضمن برنامج «الأمن الغذائي».
وكشف علي ربيعي عن تحديد هذه الوزارة لأكثر من 12 مليون فقيراً آخر في أنحاء البلاد بمساعدة مركز الإحصاء الإيراني، وأكد أنه يجب تقديم الدعم اللازم لهؤلاء الفقراء ضمن برنامج «الأمن الغذائي».
ويختلف الخبراء والمسؤولون حول مبلغ خط الفقر وعدد الأشخاص الذين لديهم دخل أقل من هذا المبلغ. وفي تشرين الثاني من السنة نفسها، صرح رئيس مركز الإحصاء الإيراني، عادل آذر، أن متوسط التكلفة الشهرية في ربيع تلك السنة للأسر التي تسكن المدن، يعادل 18 مليون و220 ألف ريال إيراني، كما أعلن مركز الإحصاء الإيراني نفسه أن تكلفة المعيشة للعوائل الإيرانية ازدادت بنسبة 25.4 في المئة خلال عام واحد فقط، وارتفع هذا المبلغ من 164 مليون و281 ألف ريال إيراني في عام 2012 إلى مبلغ 205 مليون و982 ألف ريال إيراني لعام 2013، بعد فترة طويلة من عدم تحديد مبلغ تكلفة الحياة للعوائل في إيران.
وبينما حددت الحكومة الإيرانية مبلغ 6 مليون و900 ألف ريال إيراني حدا ادنى للأجر الشهري، عاشت نسبة كبيرة من العوائل الإيرانية تحت خط الفقر.
وفي هذا الصدد قال أستاذ جامعة الزهراء في طهران وخبير الاقتصاد الإيراني، حسين راغفر، إن:» خط الفقر لعائلة من 5 أشخاص في طهران هو 25 مليون ريال إيراني وفي أدنى مستوى للعوائل التي تسكن القرى هو 10 ملايين ريال إيراني، للعام الحالي « أي 2012.
وأضاف حسين راغفر أن:» ما يقارب 40 في المئة من سكان إيران يعيشون تحت خطر الفقر في عام 2012، وأن هذه النسبة ازدادت بشكل غير مسبوق نظراً لنسبة التضخم الكبيرة خلال العامين الماضيين «.
وفي 28 تشرين الأول من نفس السنة، أعلن وزير العمل والرفاه الاجتماعي الإيراني، أن سبعة مليون إيراني يعيشون في حالة الفقر المدقع في إيران، وأكد أن الأمن الغذائي لهؤلاء في حالة خطيرة إذ لم يتمكنوا من توفير الطعام الكافي.
ووفقاً لإحصائية البنك المركزي الإيراني انخفض متوسط الاستهلاك السنوي من المواد الغذائية بنسبة 30 في المئة خلال السنوات الـعشر الماضية لدى الإيرانيين. وأفاد تقرير البنك المركزي الإيراني أن انخفاضا يقدر بـ 27 إلى 37 بالمئة في نسبة استهلاك جميع العناصر الأساسية في السلة الغذائية من اللحوم والأرز والبيض، فضلاً عن انخفاض 37 بالمئة في استهلاك الخبز الذي يعتبر العنصر الرئيسي في السلة الغذائية الإيرانية والأرخص في الوقت ذاته. والموضوع المثير للاهتمام في هذه الإحصائية هو أن استهلاك الحليب، الطعام الذي ليس له بديل، انخفض بنسبة 31 في المئة خلال فترة السنوات الـ10 الماضية.
وتظهر دراسات وزارة الصحة والتعليم الطبي الإيرانية أن 47 مليون إيراني لا يتناولون الطعام الكافي أو المناسب، وقد أدى ذلك إلى ازدياد مشكلة نقص فيتامين D بين الإيرانيين بنحو ستة اضعاف خلال السنوات الـ10 الماضية، بحيث إن 91 بالمئة من النساء الحوامل و76 في المئة من المراهقين يعانون أعلى معدلات النقص في فيتامين D.

تنامي الملايين
على مدى السنوات التي تلت تصريحات وزير العمل والرفاه الاجتماعي، تعرض الريال الإيراني الى انهيارات وانتكاسات متتالية، الأمر الذي تسبب في تنامي الفقر وعلى الرغم من ان هذه الحقبة الزمنية شهدت الاتفاق النووي بين ايران من جهة ودول مجلس الأمن وألمانيا من جهة أخرى، الا ان الريال هبط إلى مستويات متدنية امام العملات الاجنبية الاخرى، وانعكس التراجع القياسي للريال الايراني على مستواه التداولي امام الدولار الكندي والإسترليني البريطاني واليورو الأوروبي وحتى بلغ سعر الصرف ابن توقيع ذلك الاتفاق 41300 ريال ايراني لكل دولار.
ما زاد من تفاقم الازمات سواء بالنسبة للريال ام الحكومة الإيرانية، انتخاب الرئيس الاميركي دونالد ترامب في 8 تشرين الثاني من سنة 2016، وصعوده مطلع السنة الماضية الى سدة السلطة، اذ تداعت التهديدات المتصاعدة من فريق دونالد ترامب بوجه إيران على قيمة صرف الريال الايراني، وتواصل انهيار الريال مع تلويح الادارة الاميركية الجديدة بإعادة النظر في الإتفاق النووي الايراني، وإمكانية إلغائه، الأمر الذي عمق الفجوة بين الريال الايراني والعملات الأخرى.
وكما توقع المحللون الاقتصاديون الإيرانيون انهار الريال فيما رفض عدد كبير من البنوك الاوروبية ترفض العودة إلى إيران لإنشاء فروع لها رغم رفع العقوبات الاميركية عنها.
وعلى الرغم من ارتفاع تصدير ايران للنفط بنسبة 19% بعد توقيع اتفاقيات اوبيك الذي يحدد مستوى عدد من الدول في تصدير واستخراج الموارد النفطية، حسب ادارة معلومات الطاقة الأميركية والذي أوردته وكالة تسنيم الإيرانية، إلا انه وفي الجهة المقابلة اشارت ابحاث عن المجتمع الايراني إلى ان نسبة الفقر تفوق المتوقع وبدأت تتفاقم وستؤدي إلى ازمات جديدة داخل المجتمع وقد ألقى المرصد الايراني في نسخته العربية الضوء على وجود 13 مليون فقير في إيران، أي بزيادة مليون فقير خلال اقل من اربع سنوات.
هذه الأبحاث كانت فرصة لكل من يعارض الحكومة الحالية في ايران، اذ وجه رئيس ايران السابق احمدي نجاد كلمة له عبر موقع الرسمي للقيادة الايرانية قال فيها “مع أنني لا أرغب في ذكر حقيقة من شأنها أن يستغلها العدو غير أنه لا بد من دق جرس الإنذار في الظروف المتأزمة حيث لم ير هذا الحجم من حالات متراكمة لدى الشعب من غضب وكراهية وعقدة وحقد يوشك على الفوران حتى الآن وحتى في ذروة الهياج الإنتخابي في سنة 2009 وإن بارود أعصاب الشعب مستعد للانفجار”.
كذلك وجه عضو برلمان النظام محمد رضا ملكشاهي كلمة قاسية للرئيس الايراني الحالي حسن روحاني من داخل البرلمان، قال فيها “البطالة والفقر قد أربكا الأمن النفسي في المجمتع ويعيش عديد من عوائل خرم آباد تحت خط الفقر”. وأضاف ملكشاهي “الشبان الايرانيون يتوجهون للإنتحار بسبب الفقر وهذا عليه ان يدفع المسؤولين الايرانيين للتفكير ملياً في معالجة مشاكل الشباب.”
وفي السياق نفسه كتب الباحث الايراني عصام أمان الله بخاري مقالاً بعنوان “لماذا ينتحر الايرانيين” واشار بخاري إلى الدوافع الجمة التي تدفع الشباب الايراني للانتحار ومن بينها الفقر والتهميش ويستند الكاتب إلى دراسات اجرتها مراكز ابحاث ايرانية ويابانية تستند إلى شهادات حية مع اشخاص لديهم دوافع انتحارية في إيران.
وأشار بخاري إلى ان النسبة الاعلى للراغبين بالانتحار تتراوح اعمارهم بين 14 و25 سنة، واغلبهم عبر عن رغبته بالانتحار بسبب عدم رضاه عن مستوى حياته الاجتماعية وظروفه الاقتصادية.
وعدا ما تقدم، اشارت صفحة المعارضة الخارجية الايرانية إلى وجود ثلاثة ملايين إيراني يعيشون في المناطق العشوائية.

الشعارات تطال الرموز
واذن الفقر وارتفاع نسب البطالة ويأس الشباب من التغيير وتردي الأمن الغذائي، بحسب المراقبين والتقارير، عوامل ساهمت كلها في انطلاق الاحتجاجات والتظاهرات التي بدأت في مدينة مشهد (ثاني أكبر المدن الإيرانية)، لتصل إلى كل من طهران وقم وأصفهان ورشت وبندر عباس وكرمنشاه و الأهواز.
في بداية الامر ردد المتظاهرون شعارات مناهضة لارتفاع الأسعار ولإرتفاع معدلات البطالة، ولاحقا برزت شعارات منددة بالنظام نالت تحديداً من رموزه ومن قدسية مرشده السيد علي خامنئي، بل ان هذه الاحتجاجات التي بدأت سلمية في يومها الأولى، تحوّلت لاحقاً إلى أعمال عنف، وذلك بحسب الصور وأشرطة الفيديو التي يتمّ تداولها، وردد المتظاهرون في تظاهراتهم شعارات مستفزة للسلطة الإيرانية من بينها “الموت للدكتاتور”، و“لا غزة، لا لبنان، حياتي في إيران”، و “الموت للشاه”.
الشعارات الاستفزازية التي اطلقت اثناء التظاهرات واعمال العنف، ربطها متابعون للشأن الإيراني بأحمدي نجاد، ومنهم من قال ان الرئيس السابق كان وراءها لأن احكاما قضائية صدرت بحق مستشاره اثر اتهامه بقضايا فساد، لكن محللين سياسيين رفضوا هذا الربط ومنهم خير الله خير الله الذي قال:» لا علاقة للتحرك الشعبي الذي تشهده إيران «.

الخسائر والبنوك
والفساد أسباب أخرى
ثمة من المطلعين من ربط التظاهرات والاحتجاجات الأخيرة بتلك التي حدثت في 2009 ومنهم من شبهها بالثورة ضد الشاه سنة 1979 من القرن الماضي، غير ان الناشط الإيراني محمد مجيد الاحوازي رأى غير ما تعلل به الآخرون اذ نشر عدة تغريدات في الأول من امس ذكر فيها ما يمكن اعتباره شرحا للامر برمته والأسباب التي أدت الى انطلاقها من مشهد، اذ قال:
انطلاقة هذه المظاهرات من مدينة مشهد كان للأسباب التالية، اولا: خسرت 160 الف عائلة مشهدية اموالها في مشروع شانديز السكني وكان هذا المشروع عبارة عن أكبر عملية نصب واحتيال والمتورط في هذه السرقة مسؤولون في النظام لم يتم محاسبتهم وخسر أهالي مشهد أموالهم وحلمهم بالحصول على السكن.
أكثر البنوك الايرانية التي اعلنت افلاسها هي من مدينة مشهد الايرانية وفقد الناس اموالهم بسبب اعلان هذه البنوك عن افلاسها والحكومة الايرانية تجاهلت مطالب الشعب الايراني في قضية افلاس البنوك وركزت على الاتفاق النووي الإيراني.
بعد ايقاف الرحلات السياحية الدينية بين دول الخليج وايران ، خسر اهالي مدينة مشهد الالاف من فرص عملهم واستثماراتهم واغلقت العديد من المصانع الصغيرة والمحلات التجارية لأنها كانت تعتمد على الزوار الشيعة الخليجيين وبعد حرق السفارة السعودية انتهى كل ذلك .
‏أكبر جالية أفغانية توجد بمدينة مشهد وتنافس أهالي المدينة على فرص العمل وبعد أزمة الاسكان وازمة افلاس البنوك وفقدان المدينة المداخيل السياحية وارتفاع الاسعار وازدياد نسبة البطالة، أصبح الفقر والادمان والبطالة ينهش في جسد هذه المدينة وسكانها اكثر من ثلاث مليون نسمة .”
من هنا كل الاسباب الموضوعية توفر بيئة جاهزة لانطلاقة أي حراك شعبي ضد الفقر والبطالة وما يعاني منه أهالي مشهد .
‏نفس المطالب التي خرج لأجلها اهالي مشهد تتوفر ايضا في كل او اغلب المدن الايرانية لهذا نرى بأن مدن الاطراف انجذبت للاحتجاجات والمظاهرات اكثر من المركز عكس ثورة عام 2009م.”
‏ما يميز هذه الحركة المجتمعية عن الثورة الخضراء التي شهدتها ايران في عام 2009 هي أنها لا تعتمد على المركز في حراكها الثوري عكس ثورة عام 2009 حيث كان الثقل الثوري في طهران وشيراز والمدن الفارسية الاخرى وهمشت الاطراف لاسباب قومية ومذهبية .”
‏الثورة الخضراء في عام 2009 كانت تمتلك قيادات واضحة كمير حسين موسوي ومهدي كروبي ومطلبهم كان يدور حول الانتخابات فقط ولكن هذه الحركة الاحتجاجية الشعبية التي تشهدها ايران لا تمتلك قيادات سياسية ولا مذهبية وشعاراتها تجاوزت الاصلاحيين وبدأت تنادي بتنحي المرشد خامنئي من السلطة.
‏صحيح أن هذه الحركة الاحتجاجية دافعها الرئيس للخروج إلى الشارع هو عامل الاقتصاد ولكن لا ننسى بأن في جميع الثورات الإيرانية السابقة كان عامل الاقتصاد لعب دورا محوريا في الاطاحة بالنظام الملكي الشاهنشاهي .”
‏كان الخميني يستخدم العامل الاقتصادي لتحريك الشعب الايراني ضد شاه ايران وهذه صحيفة كيهان يقول فيها الخميني ان الماء والكهرباء مجانا ولا تحذف الضرائب وكل ايراني يحصل على سكن مجانا،، إذن العامل الاقتصادي هو الأهم والأساس في انجاح الثورات واسقاط الانظمة داخل ايران .
‏ما يميز هذه الاحتجاجات الأن هي أنها ليس مسيسة لأي تيار او حزب سياسي في ايران ، وايضا استطاعت تنتشر خلال اليومين وتتوسع إلى الجنوب والشمال والغرب وشرق البلاد عكس الثورة الخضراء التي فشلت في الانتقال من طهران الى الاطراف واستطاع الحرس الثوري قمعها بسهولة .
‏الطبقة التي شاركت في الثورة الخضراء عام 2009 كانت من الطبقة المرفهة والطبقة الوسطى وايضا الطلبة في الجامعات الايرانية؛ ولكن اليوم الطبقة المسحوقة والفقيرة والتي تعيش تحت خط الفقر هي من تقود وتحرك هذه المظاهرات والاحتجاجات في ايران .
في عام 2009 كان المتظاهرون غاضبون من تيار المحافظين وتزوير الانتخابات وكان الصراع بين منحصر بين الاصلاحيين والمحافظين، أما الآن المتظاهرون غاضبون على سياسة الحكومة الاقتصادية وغاضبون على النظام السياسي الذي يقوده المرشد خامنئي لهذا كانت الشعارات توجه ضد روحاني والمرشد وتمزق صورهم.
‏أهم إنجاز لهذه الاحتجاجات حتى الآن هي أنها حذفت دور الاصلاحيين في هذا الحراك الشعبي ولهذا فأن في حال استمرارها ستؤدي إلى تغيير النظام وليس الحكومة .
‏لا أحد يستطيع أن يتكهن ماذا يحدث اليوم أو غدا ولكن ما يمكن أن نشاهده ونلمسه هو أن النظام الحالي غير مستعد لتقديم أي تنازلات لهذه الحركة الاحتجاجية والحرس الثوري ايضا جاهز لقمع هذه الاحتجاجات بالقوة المفرطة .
‏ولكن الأهم في كل هذا هو أن هذه الفئة المسحوقة التي تقود هذه الاحتجاجات في ايران وليس لديها أي قيادة سياسية مركزية حتى يتسطيع الحرس اعتقالها وايضا ليس لديها ما تخسره وجاهزة تصعد وتدخل في مواجهات دامية مع الحرس والشرطة والامن الايراني من اجل تحقيق مطالبها العادلة. ومن هنا يبدأ كل شي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة