شجرة المعرفة

ترى بعض الفرق الإسلامية أن الشجرة التي أنزلت آدم وزوجه من الجنة، وقذفت بهما إلى (الشارع) بعد أن كانا ينعمان بالهناء الروحي والجسدي هي (شجرة المعرفة)، وأنها دفعتهما إلى فهم أعمق للكون، وسبر أدق لنواميس الطبيعة، أي أن الثمرة التي تذوقاها لم تكن (تفاحة حواء) الحمراء أو الصفراء أو الخضراء، بحسب الرواية التوراتية، بل كانت شيئاً آخر مختلفاً.
حينما التهم الاثنان ثمرة المعرفة هذه، وبدأت الأسئلة تتزاحم في مخيلتيهما، لم يعد بوسعهما تصنع اللامبالاة إزاء ما يحيط بهما من عوالم، واكتشفا فجأة أن العيش في جنة عدن ممل جداً، إن لم يصاحبه عمل وتفكير ونضال ونصب ومشقة!
وبحسب هذه الرؤية فإن آدم لم يكن نبياً خلال سنوات إقامته في الجنة مع رفيقته، ولكنه حينما هبط إلى الأرض، وشرع في إنجاب بناته وأولاده، وبدأت ملامح مجتمع بشري في الظهور، بعثه الله إليهم نبياً ومرشداً، وهو أمر منطقي لا أظن أن الفرق الأخرى تختلف عليه. فمجتمع (آدم وحواء) الصغير لم يكن أرضياً صرفاً، ولم تكن ثمة حاجة لوجود نبي فيه. فالعمل الدنيوي ليس مطلوباً في الجنة!
وبعيداً عن هذا الاستطراد، فإن الإيغال في المعرفة حكم على آدم بالنفي. أي أنه كلما التهم المزيد من الثمرة المحرمة، تضاعف همه، وعظمت مصيبته. بل إن الفرد الذي يستهويه البحث والتأمل والابتكار، هو أقل الناس سعادة وجاهاً ومالاً، وأكثرهم شقاءً وغربةً ولوعة. هذا إذا استثنينا بعض الحالات القليلة التي تمكن أصحابها من جني ثروات طائلة بمجهود عقلي صرف.
كان سقراط، حكيم الإغريق الأكبر، مثلاً صارخاً على غربة الفلسفة في عقر دارها. ولم يكن سعيداً في حياته قط، فهجره إلى الشارع. ولم يهنأ به طويلاً، فسيق منه إلى المحكمة، وأجبر على تجرع السم، حتى مات من ساعته مظلوماً مكلوماً.
كان سقراط أول الضحايا في ذاكرة التاريخ. ولم يخل عصر من العصور من شهداء جدد. فقد كان هذا هو ثمن الغواية الباهظ.
ولعل النخبة العربية هي أكثر النخب إيماناً بمقولة شجرة المعرفة هذه. فهي منذ أن تذوقت ثمرتها وهي أقل الناس مالاً، وأكثرهم بؤساً. ولم تتوقف معاناتها الأزلية مع سلطة المجتمع والدولة والحزب والعشيرة في يوم من الأيام!
لو كانت الشجرة التي عصا آدم ربه فيها شجرة تفاح أو خوخ أو موز .. لما كانت هناك مشكلة على الإطلاق. فالجنة هي بستان فواكه بالدرجة الأولى. أما الأرض التي هبط فيها فهي دار فكر وكدح واقتحام للمجهول ليس إلا!
لماذا طمحت نفسك للمعرفة يا آدم، ولماذا لم تتق إلى سواها من الطيبات. أما كان الأولى لك أن تبقى حيث أنت من دون وجع دماغ؟
لا ريب أنك ندمت، ودفعت الثمن أضعافاً مضاعفة. ولكن ماذا ينفع الندم بعد نزعت نفسك إلى ارتياد المجهول، واكتشاف كل ما هو غريب وغامض ومستور؟

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة