عادل عبد المهدي
وزير النفط السابق
اعتماد العراق على النفط مرض قاتل.. ادناه مقارنة بين 2013 قبل انهيار اسعار النفط، و2016 بعد هبوطها:
تراجع الناتج الوطني الاجمالي من 234.6 مليار دولار الى 171.7.. ومعدل دخل الفرد من 7021 الى 4533 دولار.
تراجع احتياطات البنك المركزي من 77.8 الى 45.2 مليار دولار، ونسبة تغطيتها للاستيراد من 10.8 شهراً الى 6.7 شهراً.. وتراجع انواع العملة التي تصنعها الاعمال والنشاطات كالصكوك والكمبيالات والعملة الرمزية والالكترونية، اي (Broad Money) من 15.9% من الناتج الوطني الاجمالي الى 7.2%.
كنسب من الناتج الوطني الاجمالي، تراجع الاستثمار المحلي من 26.9% الى 20.6%، وارتفاع الاستهلاك المحلي من 69.5% الى 87.8%.. وانخفاض الادخار من 28.1% الى 11.9%، والميزان الاستثماري من 1.1% الى ناقص 8.7%.
ارتفاع الديون من 73.1 مليار دولار الى 114.6، الخارجية منها 59.3 مليار الى 67.5 مليار..
كنسب من الناتج الوطني الاجمالي، انخفاض الصادرات من 38.3% الى 29.1%، وارتفاع الاستيرادات من ناقص 28.4% الى ناقص 30.9%.
هذه بعض المؤشرات، وكلها سلبية وتبين مدى اعتمادنا على النفط.. فماذا نحن فاعلون، ولدينا زيادة سكانية بمعدل اكثر من مليون نسمة سنوياً.. مما يعني: أ) حاجتنا لزيادة حوالي 5 مليار دولار سنوياً الى الناتج الوطني الاجمالي لادامة القادمين الجدد فقط، بمعدلات دخل الفرد الراهنة، دون الكلام عن تحسينها، علماً ان الاعمار الصغيرة غير منتجة وتستهلك معدلات اعلى.. ب) سيدخل سوق العمل 300-400 الف سنوياً.. بينما القطاعات الحقيقية كالزراعة والصناعة في جمود، بل في تراجع. وتدور نسبها من الناتج الوطني الاجمالي 5%، ومجالات العمل في القطاع العام مغلقة بعد تجاوز اعداد العاملين والمتقاعدين حوالي 7.5 مليون شخص. بالمقابل لا يبدو مستقبل النفط التقليدي مطمئناً.. فهناك –اولاً- التكنولوجيا التي توصلت لطرح نفوط جديدة في الاسواق وبكميات كبيرة. فبلغ النفط الصخري بمفرده 7.5 مليون برميل يومياً، وهذا يعادل 20-25% من انتاج «الاوبك»، فهل سنستمر بخفض انتاجنا لمنع انهيار الاسعار وبقائها بحدود 50-60 دولار/برميل، ولتساعد هذه الاسعار بانتاج المزيد من النفوط غير التقليدية.. وهناك –ثانياً- توجه لتقليل استخدام الطاقة الاحفورية (النفط، الفحم، والغاز) لتقليل التلوث والانحباس الحراري، وان عام 2050 سيشهد اعتماد 139 بلداً في العالم على الطاقة المستدامة النظيفة.
يؤسفنا القول ان كل هذه الحقائق وكل ما يهددنا لم يزعزع الثقافة السائدة. فالاقتصاد بالنسبة لهذه الثقافة ليس زيادة الناتج الوطني الاجمالي، وتوفير العمالة لمواجهة حالات البطالة المتزايدة، بل تحول الى مجرد موازنة حكومية وقطع اجنبي (الدولار) مما يمثل تبعية كاملة للنفط واحكامه. نظرياً سنقول يجب الاستثمار في القطاعات الحقيقية، واستثمار النفط او امواله لتشجيع هذه التوجهات او لتشجيع الصناعات النفطية، وليس مجرد تصدير الخامات. لكننا نكرر هذا الكلام منذ اكثر من نصف قرن ولم يتغير شيء بل تزداد اتجاهات الاعتماد على النفط اكثر فاكثر. فهل هي مشكلة رجال ومسؤولين؟ ام مشكلة منظومة ستدافع بغريزتها وحيوانيتها، وليس بالضرورة بوعيها، عن مفاهيمها وما اعتادت عليه من مصالح ومواقع.
المفاهيم والعقول والتشريعات والممارسات ستقف كلها حاجزاً حقيقياً ضد التغيير الجذري والذي يصعب تصور خلاصاً جدياً من التهديدات المتزايدة، بدون انطلاق الاستثمارات لزيادة الناتج الوطني الاجمالي وتوفير العمالة والخروج من احتكار الدولة والاعتماد على النفط. الامر بحاجة الى صراحة وجدية وشجاعة وعلمية اعلى بكثير مما يطرح حالياً.. لابد من خط موازٍ، او مجلس اعمار بصلاحيات كاملة او «دولة رديفة» لانقاذ الدولة الحالية، كما ساعدت القوى «الرديفة» القوات المسلحة للخلاص من «داعش»، ولتساعدها في الخروج من عجزها، ولتساعد المجتمع للانطلاق للخلاص من الحاضر المأزوم والمستقبل المجهول. خط مواز يعمل وفق تشريعات وعقليات تسمح له بتجاوز العوائق والموانع التي يعاني منها المجتمع والدولة الريعيتين. وهناك في تجارب الامم، بل في التجربة العراقية، الكثير من الامثلة التي ساعدت باطلاق نهضة حقيقية تتجاوز المرض المزمن لاقتصادنا.
الاقتصاد الوطني ومرضه المزمن.. تهديد لا يقل عن «داعش»
التعليقات مغلقة