جولة بازل الأخيرة

هوارد ديفيس
أول رئيس لهيئة الخدمات المالية في المملكة المتحدة
بعد مفاوضات طويلة ومؤلمة في بعض الأحيان، والتي كانت بمثابة اختبار إجهاد شديد القسوة للعلاقات الشخصية بين محافظي البنوك المركزية والهيئات التنظيمية في العديد من الدول، وضعت لجنة بازل البيضة التي طال انتظارها في ديسمبر/كانون الأول. والواقع أن هذه الحزمة التي وُصِفَت بكونها الحزمة التي تضع اللمسات الأخيرة على إصلاحات ما بعد 2008 للنظام العالمي الذي يدير رؤوس أموال البنوك، تضع حدا للعملية المعروفة باسم بازل 3.
وقد أعطى المصرفيون هذه النتيجة لقب «بازل 4»، زاعمين أن الحزمة الأخيرة تشمل العديد من المتطلبات الجديدة الأكثر إرهاقا. ولكن اللجنة تصر على أن القواعد الجديدة ينبغي أن تعتبر جزءا من لا يتجزأ من البرنامج الإصلاحي الذي بدأ في عام 2009، في أعقاب الأزمة المالية العالمية. وربما تأتي بازل 4 ذات يوم، ولكن هذه ليست هي، كما يصرون.
ولكن ما هي المشاكل التي تسعى الحزمة الجديدة إلى حلها؟ في الديباجة، يشير القائمون على التنظيم إلى «درجة مقلقة من التباين في الطرق الحسابية التي تستخدمها البنوك لتقييم «الأصول المرجحة وفقا للمخاطر». وقد توصلوا إلى أن تطبيق النماذج الداخلية المختلفة التي تستخدمها البنوك الكبرى على نفس محفظة القروض قد تنتج أرقاما متفاوتة للغاية، وهذا يعني أن بعض البنوك ربما تحتفظ بقدر أقل كثيرا من رأس المال مقارنة ببنوك أخرى في مقابل نفس الكم من المخاطر المفترضة.
ربما يتصور المرء أن الحل المنطقي لهذه المشكلة يتلخص في استجواب النماذج عن كثب، للتعرف على السبب وراء هذا التفاوت، والمطالبة بإدخال تغييرات على سبل المعايرة حيثما اعتُبِرَت الأصول الناتجة عن ذلك مفرطة. ولكن من الواضح أن القائمين على التنظيم يشكون في قدرتهم على اختراق الخبايا المظلمة الغامضة التي تنطوي عليها النماذج الداخلية لدى البنوك؛ وعلى هذا فقد فرضوا بدلا من ذلك ما يسمى «أرضية الناتج». بعبارة أخرى، مهما بلغت قدرة النموذج الذي تتبناه للحد من الأصول المرجحة تبعا للمخاطر، فلا يمكنك أن تفوز بائتمان يتجاوز 27.5% خصما.
ويُعَبَّر عن أرضية الناتج بوصفها رقما صافيا يعادل 72.5%، ولا يمكن الانخفاض إلى ما دونه. ولكن لماذا 72.5% على وجه التحديد؟ الإجابة واضحة. فهو عند نصف المسافة بين نسبة 75%، وكان هذا آخر عطاء من الولايات المتحدة، ونسبة70% التي مثلت العرض الذي تقدمت به فرنسا. وقد اتفق الطرفان على تقسيم الفارق بالنصف.
ورغم أن هذا قد لا يكون منطقيا، فإن حتى البنوك المتضررة أصبحت ترى أن التوصل إلى نوع من الاتفاق أفضل من لا شيء. ومن الواضح أن حالة عدم اليقين المستمرة جعلت التخطيط لرأس المال أمرا بالغ الصعوبة. ولهذا، فضل المصرفيون الاتفاق، وسوف يتعايشون مع النتيجة، إذا كانت هذه هي حقا نهاية البرنامج.
من المؤسف أن الاتفاق الجديد من غير المرجح أن يُنهي المناقشة حول رأس المال. فبرغم أن بعض كبار محافظي البنوك المركزية مثل مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا ورئيس مجلس الاستقرار المالي، يعتقدون أن المتاح من رأس المال في النظام المصرفي كاف، فإن كثيرون غيرهم لا يشاركونهم نفس الرأي.
على سبيل المثال، ترغب أنات أدماتي من جامعة ستانفورد في نسب رأسمال أعلى كثيرا من 20%. ويسوق مارتن وولف من صحيفة فاينانشال تايمز حجة مماثلة. فهو يعتقد أن البنوك لا تزال غير مستقرة إلى حد خطير. ويشير اندي هالدين من بنك إنجلترا إلى أن البنوك، على أساس معدل تبعا للسوق، ليست قوية كما يبدو، وذلك نظرا لانخفاض تسعير رأسمال المساهمين لدى البنوك.
وفي المقابل، يشير المصرفيون إلى ارتفاع تكلفة رأس المال، ويزعمون أن إجبار البنوك على جمع المزيد منه من شأنه أن يؤدي إلى زيادة التكلفة وتقلص المتاح من الائتمان. وفي أوروبا، يرجع ما يقرب من نصف التحسن في نسب رأس المال إلى خفض الإقراض وليس زيادة رأسمال المساهمين. ولا يلتقي المعسكران في الرأي إلا قليلا.
كان من المفيد لهذا السبب أن أصادف كتاب ويليام كلاين بعنوان «التوازن الصحيح للبنوك»، والذي يحاول فيه الكاتب إنتاج أساس منطقي للمستوى الملائم من رأسمال البنوك. واستنادا إلى مجموعة واسعة من البحوث وتحليلات السوق، يزعم كلاين أن مطالبة البنوك بالاحتفاظ بالمزيد من رأس المال تؤدي في واقع الأمر إلى زيادة تكلفة الائتمان إلى حد ما. ورغم توافر بعض الأدلة التي تشير إلى أن الديون المصرفية تصبح أرخص إذا كان الدعم الرأسمالي مرتفعا، وهو ما قد يتوقعه المرء، فإن الخفض لا يتم على أساس واحد لواحد. ومن المرجح أن تؤدي الزيادة في تكاليف الائتمان إلى ركود النمو وتوليد خسائر في الرفاهة الاجتماعية.
من ناحية أخرى، يعمل ارتفاع رأسمال البنوك على الحد من حالات إفلاس البنوك، والتي تفرض تكاليف باهظة على الاقتصاد والأفراد. لا شك أن خفض عدد الأزمات والحد من شدتها أمر مرغوب. ولهذا، يحاول كلاين حساب أين قد يكمن التوازن الأمثل، مدركا أن تقليص مخاطر إفلاس البنوك إلى الصِفر ربما ينطوي تكاليف باهظة إلى حد غير معقول. ويخلص كلاين إلى استنتاج مفاده أن «نسبة رأس المال المثالية تعادل 7% إلى 8% من إجمالي الأصول، أي ما يعادل 12% إلى 14% من الأصول المرجحة تبعا للمخاطر (باستخدام نسبة الأصول المرجحة تبعا للمخاطر إلى إجمالي الأصول في منطقة اليورو والبنوك الأميركية)».
الواقع أن هذه الأرقام قريبة للغاية من الأرقام التي تستند إليها متطلبات بازل الجديدة كما تنفذها الهيئات التنظيمية الوطنية. على سبيل المثال، تستهدف أغلب البنوك البريطانية الآن متطلبات رأس المال بنسبة 13%، كما تحتفظ عادة بقدر أكبر قليلا «لجلب الحظ».
الواقع أن النهج الذي يدعو إليه كلاين جذاب على المستوى الحدسي. فهو يدرك أن النسبة ربما تكون محمية بدرجة معقولة لدى البنوك ذات الأهمية الجهازية، والتي يُطلَق عليها عادة وصف «أكبر من أن يُسمَح لها بالإفلاس». في المدرسة التنظيمية التي تلقيت فيها تدريبي ــ بنك إنجلترا ــ نُصِحنا بعدم استخدام هذه العبارة القاتلة أبدا، خشية توليد الخطر الأخلاقي الذي نرغب في تجنبه على وجه التحديد. ولكن لا مفر من هذا في عالَم ما بعد الأزمة.
تُرى هل يُنهي عمل كلاين الجاد المناقشة؟ أشك في ذلك. فحتى الآن، أسمح عجيجا، وأرى نماذج إحصائية يُعاد حسابها. وحتى الآن، لا نسمع أي أصوات تنادي بتخفيف الضغوط المفروضة على البنوك الكبرى. وسوف يحتاج القائمون على البنوك المركزية إلى ضبط النفس، كما يتعين على المصرفيين أن يحسنوا من سلوكياتهم، وإلا فإن بازل 4 الحقيقية ربما تلوح في الأفق فوق ضفاف نهر الراين.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة