زينب الحسني:
ولدت من رحم المعاناة لتعيش في اسوأ الظروف فما بين الحروب والجوع والفقر والجهل نثرت سنوات عمرها لتكون نخلة تظل من حولها فتصد سعفاتها لهيب الشمس عنهم.
المرأة العراقية تلك ايقونة وحارس امين لأبنائها الذين تحولوا الى وقود للحروب وفرسان يخوضون غمار الحياة لتوفير لقمة العيش في محاولات لرد الجميل لأمهاتهم.
العراقيات أنجبن رجالاً لا يقبلون ان يقاسمهم احد في وطنهم ودعوات امهاتهم لكونها الاقرب الى العلي الجليل والحبل الممدود بين الارض والسموات، انهن نساء لا يتكررن ولن تلد الارض بصبرهن الذي اثرى وجودنا، وبحكاياتهن وتضحياتهن فقد تجاوزن الخنساء بتضحيتها بأبنائها الاربعة ليقدمن ما يزيد ويفوق العدد ويضاعفه ويكفي لسد جوع الموت، ويفيض منه.
امرأة بألف رجل وامرأة انجبت اسوداً وتحملت الجوع والفقر والجهل والحرمان وقاست مجتمعاً ينظر للمرأة على انها ناقصة عقل ولا يحق لها ان تكون في الصدارة وان انجبت عيون الرجال واصلبهم وتحملت الويلات في تربيتهم وحيدة بعد غياب الشريك قسراً او هجراً.
جاعت ولم تشبع حتى قهرت ولم تهزم حرمت فمنحت وكانت أكثر كرماً وعطاءً من آلاف الرجال الذين حاولوا استعبادها وكسر هيبتها، الا انها ظلت شامخة شموخ نخيل وطنها وجباله معطاء كدجلة والفرات، أصلية كأهوار الجنوب شاسعة كصحراء الغربية، حنون ومؤمنة كمآذن بلادها العالية.
ارتسمت على ملامح وجهها حدود الوطن الملتهب، شاهرت وجاهرت بحرمة هذا الوطن على كل غريب يحاول ان يسلب ابناءه حق العيش فتلثمت وتوشحت بالموت ولم تمت بل طال عمرها وعادت شابة في مقتبل العمر وعروساً تنتظر فارس احلامها المغوار وهو يخطفها على حصان ابيض ويشق بها غبار السنوات ويمحو معاناة الحرب والجوع وليبدأ معها حكاية السلام والنصر.
وطن ضم بين طياته ما يزيد على مليون ارملة ومطلقة ونصف المليون يتيم ليكونوا رجال الغد الذين ستتولى تلك النساء تربيتهم على حكايات الحب والغدر فما بين رجل ترك حبيبته دفاعاً عن وطنه ورجل هجرها هرباً من ضنك العيش او انه لم يكن اساساً على قدر المسؤولية ، امرأة بحجم الكون وليس بحجم رجل لتحل محله وهذا حالها منذ عقود ، لذا كانت دائماً تخضع للمساومة ومحاولات الاستغلال.
مازالت معاناة الكثير من النساء في طي الكتمان ومن المسكوت عنها في ظل الظروف الاجتماعية التي تقف حائلاً من دون ان تأخذ المرأة دورها في المجتمع ، ولذا من الضروري ان يعيد المجتمع حساباتٌه في كل ما يتعلق بالمرأة من اعراف وقوانين باتت تضيق عليها وتزيد قيود ها واغلالها، فما بين تزويجها وهي قاصر ومحاربتها وهي عاملة وناجحة ، وتعطيل وتأخير منحها حقوقها وهي ارملة او مطلقة يتأزم وضعها وعلينا جميعا مساندتها، أوليست هي الأم والأخت والزوجة، والإبنة؟
خارطة نساء الوطن بين الأعراف والقوانين
التعليقات مغلقة