زواج القاصرات بين الرفض الاجتماعي والعادات والتقاليد

الفقر والجهل أسهم في أنتشار الظاهرة
بغداد ـ الصباح الجديد:

لم تتخيل « زهراء « ابنة الاربعة عشر ربيعًا، أن الحياة الزوجية التي رسمها لها والداها ستكون كابوساً وجحيماً، تظل تدفع ثمنه ما تبقى من عمرها وذلك لانفصالها بعد شهر من زواجها بابن جيرانها الذي يكبرها بخمس سنوات ، نتيجة الضغوط التي كانت تمارسها عليها والدة زوجها وتجبرها على الاستيقاظ فجراً لكي تنظف وتقوم بالمهام المنزلية بنحو يومي من دون أي استراحة على مدى اليوم ، بل وكانت تمنعها من الصعود الى غرفتها لأخذ قسطاً من الراحة مما جعلها تهرب الى ذويها الذين اجبروها على العودة ، وجعل ام زوجها تمعن وتزيد في تعذيبها لتصل المسألة الى ضربها وتقيدها بالشباك ، مما دفعها الى الهرب مرة اخرى وتخير اهلها ما بين ان يطلقوها او تحرق نفسها، وبالفعل تم الطلاق بعد ثلاث سنوات من المماطلة واللعب على التقاليد والقانون، وهي الان تحمل لقب «مطلقة».

الفقر والجهل
ظاهرة زواج القاصرات من الظواهر الاجتماعيّة الخطيرة، التي تؤدي إلى حدوث العديد من الكوارث والمشكلات الاجتماعيّة، والنفسية خصوصاً على اللواتي يتزوجن في سن مبكرة، وتنتشر هذه الظاهرة بين الفتيات بنحو كبير، وخصوصاً في المدة العمرية بين 8 -15 سنة، وتختلف طبيعة هذا الزواج بالاعتماد على العديد من العوامل الاجتماعية المؤثرة فيه.
يقول الناشط المدني كامل فليح 56 عاماً: جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان تحرص على التصدي لظاهرة زواج القاصرات، وتدعو إلى فرض العقوبات على كل شخص يزوج ابنته القاصر، ويحرمها من أبسط حقوقها الإنسانية، كالحق في الحياة، والحق في التعليم، اذ تنص جميع القوانين الدولية على حماية حقوق الأطفال، وتوفير الرعاية لهم لضمان أن يعيشوا في بيئة صحية سليمة.
وأضاف فليح: من اهم أسباب زواج القاصرات الفقر الذي ينتشر بنحو كبير في المناطق الفقيرة، التي يكثر فيها عدد أفراد العائلة الواحدة، مما يؤدي إلى إجبار الأهالي لتزويج بناتهم في عمرٍ صغير، من أجل التخلص من مصروفهن، ونفقاتهن، فضلاً عن العادات والتقاليد التي تعد من الأسباب المؤثرة تأثيراً مباشراً في زواج القاصرات، فتنتشر هذه الأفكار في المجتمعات التي تعتمد على الموروث الاجتماعي المرتبط بتزويج الفتيات بعمرٍ صغير، كجزءٍ من العادات المتعارف عليها.
وبين: ان الجهل الفكري، ينتشر بين العائلات التي لا تدرك مدى الخطورة، والضرر في تزويج الفتاة في عمرٍ صغير، ولا يقدرون أنها غير قادرة على تحمل مسؤولية زوج، وأبناء، وغيرها من المسؤوليات العائلية الأخرى.
فيما قالت المعلمة كريمة عبد الحسن 45 عاماً: الآثار المترتبة على زواج القاصرات هي الاضطرابات النفسية وهي تصل حد الخطورة عند شريحة كبيرة منهن، وذلك بسبب الصدمة التي يتعرضن لها، والتي تنتج عن هذا الزواج المبكر، لأنهن غير مستعدات لهذا التغير المفاجئ في الانتقال من مرحلة الطفولة إلى النضوج بنحو مباشر، من دون المرور في المراحل العمرية الاعتيادية، لذلك تصاب أغلب الفتيات القاصرات بالعديد من الأمراض النفسية، مثل: الاكتئاب الشديد والقلق، وغيرها.
وتابعت عبد الحسن قولها: ومن الآثار الاجتماعية تفقد الفتاة هويتها، وتشعر بأنها لا تمتلك شخصية خاصة بها، وذلك لشعورها بالحرمان من أبسط حقوقها في الحياة، وفي الحصول على التعليم المناسب، كما أنها لا تمتلك الثقافة الكافية للتعامل مع الأطفال لأنها ما زالت في مرحلة الطفولة، لذلك لا تكون مستعدة لتقبل التعامل مع الأطفال، وهي في مرحلة عمريّة غير مناسبة.
ويرى الأستاذ الجامعي محمد عماد : أن «زواج القاصرات جريمة بحق الطفولة واغتيال للبراءة»، لافتاً : إلى أن اعتقاد الاهل بان الزواج يحمي البنت من الانحراف امر مناف للعقل والمنطق اذ ينظرون لتزويج البنت في صغرها على انه امرضروري للحفاظ على شرف الاسرة في بعض المجتمعات، إذ يوضع عبء شرف العائلة على كاهل البنت، لكنه في الحقيقة سلب لكرامتها واحترامها لذاتها، مما يهدم مصداقية العائلة في المحافظة المزعومة على الشرف، ويؤكد الهدف الحقيقي وراء هذا السلوك المشين وهو السيطرة على البنت وحرمانها من اي سند يعينها في حياتها لتبقى تحت سلطة من يعيلها ويحميها.

ضمان حقوق القاصرات
وتقول امنه جاسم 30 سنة ربة بيت: ان بعض المجتمعات المتخلفة تعد البنت عبئاً وعارا، لذلك يجب التخلص منها بتزويجها اذا سنحت الفرصة مهما كانت صغيرة في السن، لاسيما وان هذا الامر وارد ومتوارث في اغلب المجتمعات ولا يعد خطيراً او ينافي الشرع والقانون من وجه نظرهم.
ولا يرى المواطن باسم عباس 55 عاماً كاسب، أي ضرر نفسي او اجتماعي بتزويج الفتيات اللواتي لم يتجاوزن الخامسة عشر من العمر.
وأضاف: ان زواج الصغيرات ليس بالقضية الجديدة بل هناك عشرات الزيجات تتم خارج اسور المحاكم الشرعية منذ عقود ولم تثر أي قضية بهذا الصدد.
وزاد عباس: ان هناك العديد من الأهالي يرحبون بهذا الزواج ولا يجدون فيه أي ضرر على العكس ، يعده البعض « ستر « للفتاة وتطبيق للشريعة الإسلامية .

فشل التجربة
فيما بينت سعاد قاسم 60 عاما ربة بيت: أن الصغيرة فتاة تستحق الاهتمام والرعاية، لأنها في مراحل نمو قاسية، والزواج من متطلبات مرحلة الرشد والشباب، أي بعد سن 21 عاماً وليس في مرحلة الطفولة، لأن ذلك سوف يؤثر على المجتمع بالسلب، لأن الطفلة عندما تنجب أطفالا تكون غير قادرة على تربيتهم، بحكم كونها لم تبلغ النضج العقلي، مما يدمر المجتمع.
واوضح الناشط المدني ليث حسين 32 عاماً، انه يترتب على المجتمع رفض هذه الظاهرة والتنديد بها، سيما وان نتائجها باتت واضحة في اروقة محاكم الاحوال الشخصية ،اذ يتصدر طلاق القاصرات نسب الطلاق في العراق ،خاصة في محافظات الوسط والجنوب لأن تلك المناطق ذات طابع عشائري يعتمد الاعراف والتقاليد اساساً في تسير اموره الحياتية .
فيما تحدث الباحث الاجتماعي نصيف الحسني لـ» الصباح الجديد» واوضح بأن هناك ثلاثة أسباب تجعل زواج القاصرات جريمة في حق الفتيات اللواتي لا تتجاوز اعمارهن العاشرة وفي مقدمتها الناحية الجسمانية، حيث إنه للأسف تلك القاصرة إما أن تكون طفلة أو تكون مراهقة، وفي كل الحالتين هي غير مؤهلة جسديا للزواج، لأنها لم تكن ناضجة وجميع أعضائها المسؤولة عن الإنجاب لم تنضج بعد مما يعرضها لمخاطر صحية عديدة قد تؤدى إلى الوفاة في بعض الحالات، و الناحية النفسية، اذ إن من أكثر الأمراض التي تتعرض لها الفتاة القاصر بعد زواجها هي الاكتئاب الشديد، نتيجة قتل براءتها وطفولتها وانسحابها من مرحلة اللهو والطفولة إلى مرحلة تحمل المسؤولية والزواج وتحمل مسؤولية أطفال، مما يعرضها للضغوط النفسية التي تؤدى إلى انهيار عصبي لكثير من الحالات، لأنها في المقام الأول فتاة تحتاج إلى رعاية فكيف تقوم هي بتحمل مسؤولية منزل كامل وزوج وأطفال، فضلاً عن الناحية الاجتماعية، فعندما يطلق على هذه الفتاة القاصر لقب المطلقة لو فشلت زيجتها سوف تواجه المجتمع وهي حامل للقب صعب على الراشدة، وبالتالي يكون صعبا على فتاة لم تبلغ الـ15 عاما من عمرها وهي مطلقة أو أرملة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة