في السودان.. بعضهن يقمن حفلات احتفاء بطلاقهن
الخرطوم ـ وكالات:
اضيفت مؤخرا إلى بطاقة الدعوة إلخاصة بالخطوبة والعرس والمناسبات السعيدة الأخرى بطاقة جديدة تحمل عنوان،”بطاقة دعوة إلى حفلة طلاق”، نعم فلقد صار من الممكن في العاصمة السودانية أن تجتمع الفتيات لحضور حفلة طلاق صديقتهن من زوجها، فيذهبن إلى صالون الحلاقة ويخترن أفضل ملابسهن، وإن كانت المناسبة مفاجئة تلجأ الفتيات إلى كراء فستان يليق بالمناسبة ويتجادلن في الهدايا، فصديقتهن تحب الشوكولاتة والأحذية الرفيعة والعطر الجيد، الصديقات ينسّقن حتى لا تتكرر الهدية في مناسبة قد لا تعاد مرة أخرى، ويذهبن بكل سرور لتلبية دعوة حفلة الطلاق حفلة يزغردن فيها ويرقصن على أنغام الموسيقى وأغاني الحياة.
في السنوات الأخيرة ظهرت موضة حفلة الطلاق، اذ تحجز السيدة التي حصلت على طلاقها صالة أفراح أو قاعة في فندق أو تهيئ غرفة الصالون في بيت أهلها حسب إمكاناتها، وتطبع بطاقة دعوة تستدعي فيها الأهل والأقارب والصديقات لمشاركتها فرحتها بالطلاق الذي لا تقل تكاليف الاحتفال به عن تكاليف الزواج.
المطلقة في حفلتها ترتدي فستانا ملوّنا زاهيا وبراقا، وتصدح قاعة الحفل الفخمة بأصوات الزغاريد والموسيقى الراقصة والأغاني التي تعبّر عن الفرحة بالخلاص وامتلاك الحرية، ولا يغيب قالب الحلوى الكبير الذي تتوسطه دمية عروس وهو خال من دمية العريس، أو تكون أحيانا دمية العريس في أسفل الكعكة ومقلوبة كناية عن الخلاص منه وسقوطه من حياتها.
ويرى الأختصاصيون الاجتماعيون أن الهدف من إقامة حفلات الطلاق يكمن في التخلص من الضغط النفسي وإزالة التداعيات السلبية التي تخلّفها حالات الطلاق على الزوجة، في محاولة للتخفيف من الآلام العاطفية وما ينتظرها من ردة فعل المجتمع من حولها.
وتختلف أسباب الفرحة بالطلاق كما تختلف نظرة المجتمع إلى هذه الظاهرة الجديدة، فمن المطلقات من تقيم حفلة خلاصها من الزواج بالنظر لما عانته في سنوات الزوجية، ومنهن من تريد أن تثبت للمجتمع أنها مازالت سعيدة برغم طلاقها، عكس ما يعتقد البعض بأن المطلقة انتهت حياتها وأصبحت في مرتبة دونية.
قصص متنوعة
تقول ناهد التي ساءت حياتها الزوجية بعد سنوات قليلة عانت فيها المشكلات مع زوجها الذي لا يهتم لها بفعل إدمان الخمر وما يعانيه من عقد نفسية إذ تقول ناهد “كان يقضي الليل ساهرا مع خلانه، وكنت أنتظره حتى يغلبني النعاس، مللت تصرف زوجي ووحدتي، فطلبت الطلاق، لكنه رفض، وبعد عناء طويل حصلت على الطلاق هذه السنة، فارتأيت أن أقيم حفلة لنهاية معاناتي، وطبعت بطاقات دعوة وصل عددها إلى الـ100 ونظمت الحفل في صالة زواج شهيرة، لأن فرحتي وخلاصي من هذا الرجل كانا نابعين من القلب وأحببت أن يشاركني الجميع فرحتي”.
وتتخذ بطاقات دعوة حفلات الطلاق تعبيرات تشبه تعابير دعوات الزواج، “أتشرّف أنا (…) بدعوتكن لحضور حفل العشاء المقام بمناسبة طلاقي من السيد (…) وذلك في تمام الساعة الثامنة والنصف مساء يوم (…) في فندق (…) بقاعة (…) وبحضوركن تتم فرحتي”.
وتضيف ناهد الشابة الثلاثينية “اجتمعت مع صديقاتي في اليوم المحدد وكان يوم العطلة الأسبوعية في بيت أهلي وتعالت الزغاريد والأغاني، رقصنا طويلا وأخذنا صورا تذكارية وأكلنا المرطبات، إنه يوم فرح تماما كما كان يوم زواجي”.
خبر الطلاق لم يعد يرتبط بالبكاء والحزن والشعور بالضياع كما كان الحال دائما، فالبعض أصبح يتعامل مع الأمر باعتباره حدثا يستحق المباركة والاحتفال، برغم الهجوم العنيف على المحتفلين من النساء المطلقات من قبل الجارات والجيران ومن أهل الحي أو الأقارب.
وترى آمال ضرورة إقامة حفل عند الطلاق خاصة إن كانت السيدة حصلت على حريتها بعد عناء وجلسات متعددة في المحكمة، فقد ظلت كما قالت سنوات عديدة تحاول الانفصال عن زوجها الذي كان قاسيا معها وحرمها من أطفالها حين عادت إلى بيت أهلها فتقول “عانيت كثيرا وتنقلت من منطقة إلى أخرى لمتابعة جلسات المحكمة، وأخيرا حصلت في النهاية على حضانة أطفالي وبعدها على الطلاق، لذلك أقمت حفلة بصالة أحد الفنادق الشهيرة لأن رحلة العناء التي مررت بها تستحق حفلة”.
وفي أحد أحياء أم درمان الهادئة أصيب السكان بالدهشة عندما تعالت فجأة ودون مقدمات أصوات الزغاريد في المكان، فخرجوا مسرعين بلهفة لمعرفة ما حدث من أمر سعيد، فسارعوا للمباركة بعد أن علموا من هم أصحاب المنزل الذي انطلقت منه الزغاريد، وهناك قدمت لهم الحلوى والمشروبات لكنهم تفاجأوا مرة أخرى حين علموا أن الفرحة كانت بسبب استلام ندى بنت الجيران ورقة طلاقها عن طريق المحكمة بعد عناء طويل بسبب رفض زوجها الطلاق من أجل أبنائه والسعي لإيجاد حلّ للموضوع، إلا أن الزوجة كانت أكثر إصرارا على الطلاق لتصدر فيما بعد المحكمة حكمها النهائي بعد أكثر من عشرين جلسة تداول تغيّب الزوج عن أغلبها بتطليق الزوجة التي غمرتها الفرحة فأقامت حفلا بالمناسبة.
ورفض الفنان كمال ترباس الغناء في حفل لإحدى النساء أقامته بمناسبة طلاقها من زوجها رغم العرض المالي المغري الذي قدمته مكتفيا بإبلاغها أنه لم يعتد إحياء مثل هذه الحفلات.
وأبدى ترباس استغرابه الشديد حينما قدمت إليه امرأة تركب سيارة فارهة، مشيرا إلى أن شكلها ينمّ على أنها من أسرة ثرية، وقال إن المرأة طالبته بإقامة حفل طلاقها من زوجها مؤكداً أنه رفض فورا الطلب الذي وصفه بالغريب. وذكر ترباس أن موقفا مشابها قد مرّ عليه في وقت سابق بإحدى الدول المجاورة إلا أنه يستغرب أن يكون مثل هذا الموقف قد بات ضمن عادات السودانيين.
جدل الاحتفال
يرى الرجال في احتفالات النساء بالطلاق كيد نساء لإغاظة الطرف الآخر وعدّها البعض مجرد وسيلة جديدة لتبذير المزيد من المال بلا طائل. يقول ياسر فاروق رجل قانون “حفلات الطلاق لا تصدر إلا من سيدة تفتقر إلى عقل واع بقدسية العلاقة الزوجية، فهذه الحفلات لها تأثير سيء على نفسية الأطفال، فكيف سيكون شعور الأبناء وهم يرون أمهم تحتفل بفراقها عن أبيهم وهدم بيتهم، ربما هذا الأمر يخلق جوا من الكراهية من قبل الأطفال تجاه الأبوين”.
ويضيف فاروق أن هذه الحفلات لها تأثير سيء على المطلقات، لأن هذا النوع من الإشهار قد يضعف فرصها بالزواج ثانية، فلا أحد سيرغب بالزواج من فتاة احتفلت بطلاقها ضاربة بالعادات عرض الحائط.