قبلَ مجيء الصَّباح

أنمار رحمة الله

يدخلُ المتسول ذو اللحية البيضاء إلى الكوخ، يجد زوجته ممددة على فراشها تسعل وتناديه بصوت راجف: (مثل كل مرة ؟).
يجيبها زوجها: (نعم…كالعادة).
يضع سكيناً يحملها في جيبه على طاولة، ويتجه إلى بقعة صغيرة في زاوية الكوخ، يبحث عن كسرة خبز يابسة. تناديه زوجته: حال البشر كلهم أفضل من حالنا، الجميع يعود ليلاً بالنقود ،وأنت تعود بسكين لعين.. هل نطبخه ونتعشى به؟.
يهبط زوجها على أرض الكوخ الباردة ثم ينظر إليها ويقول: لا تلوميني …لا يضع الناس في يدي نقوداً، كأن عفريتاً لعيناً يدفعهم للامتناع عن مساعدتي، سوى يد تخرج من الظلام بلا جسد، تضع السكين في يدي وتختفي.. سأصاب بالجنون.
تسعل زوجته بشدة وتقول بصوت مخنوق: سنموت من الجوع قبل أن نصاب بالجنون، لم تلاحظ أن قوتنا بدأت تنفد.
تنزل هذه الجملة على رأس الزوج كمطرقة، وتبدأ معدته تتلوى حتى خارت قواه متمنياً: لو أنني أستطيع بيع السكين في السوق، عشرات السكاكين جئت بهن إلى هنا، كل سكين أجيء بها ليلاً تذوب صباحاً وكأن اليد التي منحتني إياها قد منَّت بها!. حتى هذه السكين الأخيرة على الطاولة، لو صبرت معي ومكثت إلى الصبح لذهبت بها إلى سوق الخردة وبعتها وجلبت بثمنها خبزاً، لكنها لعينة مراوغة ستختفي صباحاً ولن أنتفع بها.
تبكي الزوجة مع نوبة سعال، ينظر إليها زوجها طويلاً، مجال الرؤية بينهما يخالطه غواش خفيف، يفرك عينيه ويقول: أنتِ تبكين…لا تملكين غير البكاء وأحسدك على هذا، عيناي جامدتان فليتني أبكي مثلك لكي أرتاح قليلاً.
يسكتان مدة من الزمن، يفكران في الوقت ذاته بمعدتيهما المتألمتين، تتكلم زوجة المتسول بعد أن خفت سعالها: سنموت جوعاً وغيرنا يعيش هانئاً، لا أعرف كيف يجني هؤلاء الناس المال، لو أنني مثل بقية النساء المتنعمات أنام على فراش أنظف في غرفة كبيرة دافئة، وحولي أبناء وبنات، لكن حظي القبيح رماني هنا في هذا القبر.
يزفر زوجها بقوة ويضع كفه على رأسه فتكمل زوجته: أنا المسؤولة عن كل هذا، لو كنت أحسنت الاختيار منذ البداية، يرفع زوجها رأسه ويطالعها بعينين توسعتا ويقول: ماذا تقصدين؟ أنت وأهلك كنتم تعيشون في قاع الفقر، لا تنسي أن أهلك ماتوا جوعاً من قبل.. كلكم متسولون!
تصرخ الزوجة: ( واهلك ماتوا جوعاً أيضاً).
ينهض الزوج من مكانه متجهاً إلى زوجته ويقول : اخرسي …لقد مللت لومك المتكرر.. ماذا أفعل وأنا عاجز عن فعل أي شيء.. الشيء الوحيد القادر على فعله الآن هو قتلك بهذه السكين وقتل نفسي، يصمت الزوج والزوجة برهة، ثم ينظران إلى مكان السكين على الطاولة، ويعودان وينظران كل واحد إلى عينيّ الآخر، تمرُّ اللحظات ثقيلة ، ثم يعود الزوج ليقول:
( إنها الفرصة الوحيدة لكي ترتاحي يا عزيزتي .. قبل أن تذوب هذه السكين عند الصباح ولا نستفيد منها في شيء.
يتجه المتسول إلى الطاولة… تهتف زوجته :(ماذا ستفعل أيها المجنون..؟).
يرفع الزوج السكين ويهتف في وجه زوجته:
(لهذه السكين عمل وحيد تجيده)
بعد أيام يشيع الخبر في المدينة، خبر مقتل المتسول وزوجته في كوخهما ذبحاً بطريقة غريبة، حيث عثرت الشرطة على جثتيهما سابحتين بالدماء، من دون العثور على أدلة ترشد إلى كشف الجريمة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة