(دراسات في اللهجات العربية) للراحل خليل ابراهيم العطية

من جمع وتقديم شقيقه نبيل العطية
عبد العليم البناء:

تحظى دراسة اللهجات العربية القديمة بإهتمام فريق من اللغويين المحدثين، لما لهذه اللهجات من أهمية في تعرف جوانب من تأريخ اللغة وفهم قوانينها وإضاءة الغامض من ظواهرها، لاسيما في العراق حيث يتواصل التأليف فيها.
ومن الاصدارات الحديثة التي كان لي شرف الحصول عليها، عبر نسخة مهداة من الباحث والناقد الادبي الاستاذ نبيل العطية، كتاب (دراسات في اللهجات العربية) لمؤلفه استاذي الدكتور خليل العطية، الذي يعد أحد الرواد في دراسة اللهجات العربية في العراق، وكان لي شرف التتلمذ على يديه في قسم اللغة العربية في كلية آداب البصرة (1972-1976).
هذا الكتاب الذي تضمن خمسة مباحث كان الراحل ينتوي نشرها في كتاب قبل رحيله، قام بجمع بحوثها والتقديم لها شقيقه نبيل العطية الذي أهدى جهده هذا بوفاء أخوي نادر « إلى من علمني العربية، وأنا تلميذ في المدرسة الابتدائية، ومازلت أتعلم منه بالاطلاع على ثمار علمه المقطوفة من كتبه ومباحثه، وأنا مسن في السبعين …….عسى أن يكون ذرة وفاء، مقابل عطاء سخي».
شمل الكتاب خمسة مباحث في اللهجات العربية: لهجة هذيل، ولهجة طييء، وفي اللهجة الصنعانية، ولهجة بني زبيد، فضلاعن النحو في لهجة قيس. وقد نشرت أربعة منها في حياة المؤلف في مجلات (الخليج العربي) و(التراث الشعبي) و(المورد)، أما المبحث الخامس فقد نشر بعد وفاته، كما أكد شقيقه، الذي رتبه وفقاً لتأريخ نشرها.
ويرجع اهتمام خليل العطية بدراسة اللهجات العربية الى العام 1964 -حسب شقيقه نبيل -حين نشر بحثاً في مجلة الاقلام العراقية بعنوان (لغة هذيل)، الذي لقي ترحيب وثناء المرحوم هاشم الطعان فوصفه بالإثارة والطرافة مبدياً ملاحظات أخذت طريقها الى الجزء الثالث من المجلة، نشرها باسم مستعار هو غسان نور الدين كما صرح بذلك.
ويواصل نبيل العطية ، في التقديم والمراجعة ، متناولا المنهج الوصفي الذي إعتمده الراحل في هذه الدراسات ، أو ماسمي ب( المهج الشكلي ) ، وهو منهج يعنى» بوصف اللغة بعيداً عن المؤثرات الخارجية، وهو منهج عربي متقدم، لسماع اللغة من أفواه أهلها، وقيدوا ملاحظاتهم، وخرجوا بإصول وقواعد وأحكام» ،وهو ما لم يستوعبه بعض الباحثين الذين ظنوا أنه يعني الوصف المجرد من دون إبداء الرأي ، والتحليل، والتفسيرمتناسين ، «أن الوظيفة الأساس للعلم هي الوصف والتفسير»، ودليل ذلك ما تناثر من تفسير وتعليل ،وتأييد أومخالفة لآراء جمهرة من الباحثين التي لجأ اليها الراحل بصورة واسعة.
وينتقل الى الخصائص التي يوجزها ويجملها ، وفقاً لرسالة ماجستير للباحث ماهر خضير هاشم ،والموسومة (خليل ابراهيم العطية وجهوده في اللغة والتحقيق): تفسير وتعليل الظواهر اللهجية صوتياً والعناية بالموضوعات النحوية ، والاهتمام بالظواهر الصرفية والربط بين العامية والفصحى مع رد العامي الى الفصيح ، والتصحيح اللغوي والتنبيه على بعض مظاهر التصحيف والتحريف ، مضيفاً لها (العطية نبيل) ، كثرة الشواهد وشيوع المنحى الاكاديمي في هذه الدراسات التي تمثلت بالشواهد القرآنية والشعرية ، فضلا عن أن المنحى الاكاديمي إتضح في التوثيق بالاعتماد على أمهات المصادر بما فيها الحديثة وبيان الاختلاف بين القدامى والمحدثين ، والجدية في عرض المعلومات في حسن اختيار المقتبس والتعليق عليه، ومن ثم تلخيص المباحث في خاتمتها تسهيلاً لمهمة القاريء في الفهم والاستيعاب .
وبعد أن يتوقف عند المحتوى من حيث مستويات الاصوات والنحو والصرف ودلالة الالفاظ لهذه اللهجات، يصل الى موقف القدامى والمحدثين منها وتوافقهم تجاهها نتيجة موقفهم المتشدد إزاءها، لينتقل الى اللغويين العراقيين وجهودهم في معالجتها اعتقاداً منهم بأهميتها في الدرس اللغوي، حيث رتبها على وفق أسمائهم.
هذا الكتاب قد يرى البعض أن جمع مباحثه « جرى دون جهد، على الرغم مما توحي به عملية الجمع من سهولة ويسر « حيث يؤكد العطية نبيل: لم أطلع على مسودات هذه المباحث بخط صاحبها مباشرة، معتمداً على ما طبع، وفيه من الغلط المطبعي ما فيه حيث استعان ب (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم و(المعجم المفهرس لآيات القرآن الكريم) ، فضلا عن الرجوع الى معظم المقتبسات الواردة في ثنايا هذه المباحث نثراً وشعراً .
وهو مايؤكد حجم الجهد المبذول والروح الاكاديمية والمهنية العالية، التي أفضت الى أن يرى هذا الكتاب النور ويصبح في متناول المعنيين، بعد أن كانت مباحثه موزعة على أكثر من مجلة مع تقادم الزمن عليها وعدم امكانية أو سهولة ربما العثور عليها، حيث يعد الكتاب الثاني بعد وفاة مصنفه عقب كتابه (الفكر الصوتي عند ابن دري والكوفيين) المطبوع فيعام 2008، وسيليه (علم الصرف عند الكوفيين).
وهذا ماسعى اليه شقيق المؤلف خليل العطية، الذي أسدى خدمة فاعلة ومهمة للاجيال التي جاءت من بعده وهو راحل عنا، وهذا ما تتسم به وتتمخض عنه ثمار العلماء والمفكرين الذين تخلدهم منجزاتهم الفكرية والعلمية، لتصبح بصمات لا تزول على مر الاجيال والعصور، حيث ذيل الكتاب بمراجع ترجمة ودراسة ، الباحث والعالم والمربي الاستاذ الدكتور خليل العطية رحمه الله، مؤلف هذا الكتاب الذي لاغنى عنه للباحثين والدارسين في علم اللهجات العربية .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة